حكم إغلاق دور العبادة ومصادرة حقوق الناس في حرية العبادة وحظر ممارسة دين بعينه

  • | الإثنين, 8 فبراير, 2016
حكم إغلاق دور العبادة ومصادرة حقوق الناس في حرية العبادة وحظر ممارسة دين بعينه

الملخص:
لا يعرف الإسلام لغة العنف والإكراه ، وقد صرَّح القرآن بذلك منذ أن بزغ فجر الإسلام؛ حيث يقول الله تعالى: {لا إكراه في الدَّين قد تبين الرُّشْدُ من الغيِّ} [البقرة:256].
ولم يكتف الإسلام بهذا فحسب، بل كفل لمن لم يعتنقه أن يمارس طقوس دينه في دور عبادته دون أدنى تعرض لها، ولم يعرف تاريخ البشرية يومًا اعتداءً  وقع من المسلمين على كنيسة أو بيعة، بل حفل التاريخ الإسلامي بما يدلُّ على معاملة غير المسلمين معاملة حسنة جعلتهم يدخلون في دين الله أفواجًا.
واعتبر الإسلام هدم دور العبادة أو إغلاقها أو منع أصحابها من دخولها وممارسة طقوس عبادتهم فيها من الأمور المحرمة التي لم تأت بها الشريعة السمحة ، بل يُعدُّ ذلك تعديًا على ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

التفصيل:
الإسلام دين التعايش، ومبادؤه لا تعرف الإكراه ولا تقر العنف؛ ولذلك لم يُجبر أصحاب الديانات الأخرى على الدخول فيه، بل جعل ذلك باختيار الإنسان، وقد نصَّ على ذلك في آيات كثيرة كقوله تعالى: {لا إكراه في الدَّين قد تبين الرُّشْدُ من الغيِّ} [البقرة:256]، وقوله سبحانه:{وقل الحقُّ من ربكم فمن شاء فلْيُؤمن ومن شاء فَلْيَكْفُر} [الكهف:29].
ولمَّا ترك الإسلام الناس على أديانهم فقد سمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأَوْلاها عناية خاصة؛ فحرَّم الاعتداء بكافة أشكاله عليها، بل جعل القرآن تغلب المسلمين وجهادهم لدفع الطغيان ورفع العدوان وتمكين الله لهم في الأرض سببًا في حفظ دور العبادة من الهدم وضمانًا لأمنها وسلامة أصحابها وذلك في قوله تعالى:{ولولا دَفْعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعضٍ لهُدِّمَتْ صوامعُ وبِيَعٌ وصلواتٌ ومساجدُ يُذْكَرُ فيها اسمُ الله كثيرًا...} [الحج:40].
قال ابن عباس – رضي الله عنهما-:« الصوامع التي تكون فيه الرهبان، والبِيَعُ : مساجد اليهود، وصلواتٌ : كنائس النصارى، والمساجد: مساجد المسلمين».
وقال القرطبي في تفسير الآية:« أيْ: لولا ما شرعه الله تعالى للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء، لاستولى أهل الشرك وعطلوا ما بَنَته أرباب الديانات من مواضع العبادات»
وعلى هذا فقد تضمنت هذه الآية المنع من هدم كنائس أهل الذمة وبِيَعهم وأماكن عبادتهم، ويُقاس على ذلك إغلاق هذه الدور ويستنبط منه حرمة منع الناس من ممارسة  عبادتهم أو حظر دياناتهم.
وبذلك جاءت السنة المطهرة فقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم لأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم: أنَّ لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بِيَعِهم وصلواتهم ورهبانيتهم ألا يُغيَّر أسقف عن أسقفيته، ولا راهبٌ عن رهبانيته، ولا كاهنٌ عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه؛ ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غيرَ مُثقَلين بظلم ولا ظالمين.
وعلى ذلك سار المسلمون سلفًا وخلفًا عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السخية، التي دخلوا بها قلوب الناس قبل أن يدخلوا بلدانهم؛ فقد نصَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل القدس على حريتهم الدينية وأعطاهم الأمان لأنفسهم والسلامة لكنائسهم وكتب لهم بذلك كتابًا جاء فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهلَ إيلياء من الأمان؛ أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتَقصُ منها ولا من حَيِّزِها ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم..»
وبمثل ذلك أعطى خالد بن الوليد رضي الله عنه الأمان لأهل دمشق على كنائسهم.
وبهذا يتضح أنَّ هدم دور العبادة أو إغلاقها أو منع أصحابها من دخولها وممارسة طقوس عبادتهم فيها من الأمور المحرمة التي لم تأت بها الشريعة السمحة ، بل يُعدُّ ذلك تعديًا على ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

 

طباعة
كلمات دالة: