"اسمي لاجئ"

رؤية جديدة تتناول قضية اللاجئين

  • | السبت, 18 فبراير, 2017
"اسمي لاجئ"
  • مقدمة

تمثل قضية اللاجئين في العالم، ولا سيّما في أوروبا، أزمةً سياسيةً واجتماعيةً كبيرةً تحتاج إلى تضافر  الجهود من أجل إيجاد حل لها؛ وإن كانت كل الشواهد تشير إلى أن الأزمات السياسية في منطقة الشرق الأوسط ستتسبب في مزيد من عمليات النزوح إلى الغرب، وهو ما يزيد من تعقيد الأزمة في الوقت الراهن. وفي ضوء هذه القضية، يعرض مرصد الأزهر قراءةً سريعةً في كتاب "اسمي لاجئ: قصة منفي" الذي صدر في إسبانيا حديثًا ، باعتباره كتابًا يطرح فكرة غير مطروقة ويتناول هذه الأزمة من زاوية جديدة.   

  • الكتاب

نشرت دار UOC الإسبانية في نهاية نوفمبر من عام 2016 المنصرم كتابًا للصحفيتين الأرجنتينية  "إيرينى  ل. سابيو" بالتعاون مع زميلتها الإسبانية "لتيثيا ألبارث ريجيرا"  بعنوان: "اسمي لاجئ – قصة منفي". وقد قامت الكاتبتان برحلة إلى البلقان وكذلك إلى مخيمات اللاجئين في اليونان، وتابعتا هذه القضية الإنسانية يوماً بعد آخر. تجدر الإشارة إلى أن الكتاب يحمل مفارقة في عنوانه؛ فالعنوان: "اسمي لاجئ" يعكس ظاهريًا تعريف اللاجئ لنفسه، في حين أن اللاجئ في الحقيقة لا يحب أن يُنادَى بهذا الاسم ويرفضه رفضًا قاطعًا؛ وهو ما ذكرته الكاتبتان على لسان بعض الشهود: "أنا إنسان، اسمي فلان...".

Image

والكتاب عبارة عن مجموعة من القصص حول أزمة اللاجئين، وهي أسوأ الأزمات التي مرّ بها العالم بعد الحرب العالمية الثانية. تُعرض هذه القصص بطريقة "الكولاج" (من الفرنسية   Coller تعني لصق: عبارة عن فن بصري يعتمد على قص ولصق العديد من المواد معاً، وبالتالي يتم تكوين شكل جديد). وقد حصلت الكاتبتان على تفاصيلها خلال العمل في تركيا واليونان وصربيا وكرواتيا وألمانيا، وتحاولان شرح أسباب الهجرة والوصول إلى أعماق أبطال هذه القصص بعيدًا عن الصورة التي تتناقلها وسائل الإعلام. وتشير المؤلفتان إلى ما يتعرض له اللاجئون من معاناة بسبب عصابات التهريب والإتجار بالبشر حيث  يقع كثير منهم فريسة على حدود بعض الدول، وهو الأمر الذي يضاعف من خطورة الأزمة التي تطورت إلى عمليات اغتصاب للنساء وللقُصر، واستغلال للأطفال على أيدي هؤلاء الخارجين على القانون.

ويتحدث الكتاب عن تجارة نقل المهاجرين ويصف من يعملون في هذه المهنة بـ"البؤساء الذين ينقلون بؤساء آخرين" لأنهم غالبًا يعملون في مناطق حدودية ذات طقس قاس وعلى شواطئ البحار مثل إيجة والمتوسط، كما أنهم يعملون على توفير وثائق سفر مزورة للمهاجرين. وقد أجرت الكاتبتان حوارًا مع "أبي علاء" أحد هؤلاء التجار، والذي أكد أنه يهتم بالمهاجرين السوريين نظراً لما يعانونه في بلادهم. وقال أبو علاء إنه ومعاونوه يساعدون ما يقرب من 150 شخصًا يوميًا للعبور إلى أوروبا، وفي حالة الطقس السيء يضطرون إلى الانتظار حتى تتحسن الأحوال الجوية إلا إذا طلب المهاجرون عكس ذلك. الطريف أنهم يعتبرون مهنتهم "إنسانية" لأنهم يساعدون الناس على الهروب من ويلات الحروب. وفي السياق ذاته، أشار إلى أن هناك آلاف الأشخاص الذين يريدون العبور إلى اليونان وأنه يتلقى كل يوم مئات المكالمات الهاتفية لأشخاص يطلبون ذلك، حتى أنشأ صفحة على موقع التواصل فيسبوك باسم "الطريق إلى أوروبا" يعرض فيها خدماته التي تتراوح بين توفير مركب يقل خمسة وثلاثين شخصًا يتكلف 800 دولار وبين مركب آخر أكثر أمانًا لنقل العائلات تبلغ تكلفته 1400 دولار، ويدفع الأطفال أقل من 12 عامًا نصف التكلفة، أما الأطفال الرُضع فيتم نقلهم مجانًا بصحبة ذويهم.

وتعتبر هذه التجارة مزدهرة في الوقت الحالي، فحسب تقارير "اليوروبول"، استوعبت هذه التجارة أربعين ألف شخص قادمين من مائة دولة مختلفة على رأسها بلغاريا ومصر والمجر والعراق وكوسوفو وباكستان وبولونيا ورومانيا وصربيا وسوريا وتونس وتركيا. وتُحاط هذه الطريقة في الهجرة بالمخاطر حيث تُستخدم فيها مراكب ذات محركات بالية، وسترات النجاة التي تباع للمهاجرين غير سليمة، لكنهم يستغلون حاجتهم في جمع الأموال بأية طريقة.

وتروي الكاتبتان كيف تعيش مئات الأسر السورية المعاناة والظروف السيئة في انتظار السفر؛ حيث يقعون فريسة لهؤلاء التجار الذين يُسهلون لهم الانتقال ويمنحونهم وثائق السفر المزورة. ويشير الكتابُ إلى أن السوريين يلقون معاملة طيبة في الموانئ اليونانية حتى أولئك الذين يتم ضبطهم بوثائق مزورة؛ لأن رجال الأمن والمسؤولين القائمين على الموانيء اعتادوا على مثل هذه الحالات. أما تجار البشر فيعاملون المهاجرين معاملة قاسية فيسوقونهم كالأنعام. وينتظرون فترة تغيير نوبات الحراسة على الحدود التركية من أجل نقل المهاجرين خِلسة حتى لا يقعون في قبضة الحراس. وينتقل الكتاب إلى نقطة أكثر قسوة وهي معاناة الأطفال والرضع ممن لا يجدون غذائهم، حيث تنام أسرهم في العراء مفترشة أغطية بسيطة على الأرض.

من جانب آخر، يروي الكتاب-اعتمادًا على شهادات حية وبضمير المتكلم- مأساة الفارّين من بلدانهم بسبب الحرب والنزاع وكيفية استفادة الشبكات التجارية من أزمتهم؛ حيث استغلت بعض الشبكات التجارية هذه الأزمة في عبور اللاجئين بالقوارب من تركيا إلى اليونان عن طريق البحر سعيًا لتحقيق أرباح طائلة، وقد نتج عنه وفاة مئات اللاجئين. ويطرح الكتاب كذلك قضية إغلاق الحدود ومدى تأثيرها السلبي على اللاجئين.

Image

إضافة إلى ذلك يطرح الكتابُ مأساة اللاجئين الأيزيديين الفارّين من العراق، الذي يعاني الكثير من مواطنيه من تنظيم داعش الإرهابي منذ عام 2014، حيث تقع العديد من النساء الأيزيديات في قبضة التنظيم لتتحولن إلى إماء. وتحكي فتاة أيزيدية تُدعى "سامية" من قرية "حردان" بمنطقة جبل سنجار العراقية عمليات الاختطاف الجماعي والقسري للنساء من قرى الأيزيديين على مرأى ومسمع من الرجال وتحت تهديد السلاح، حتى إن الفتاة تقول إنها لا تعلم شيئًا عن مصير أبيها الفقير الذي كان يعمل في الحقول لكسب الرزق؛ وهي الآن تعيش في ألمانيا كلاجئة. ويؤكد الكتاب على أن معاناة اللاجئين لم تنته في أوروبا؛ أو بمعنى آخر، لم تكن أوروبا في كل الحالات هي الفردوس المنتظر بل كانت ولا تزال هناك بعض المشكلات التي تواجههم على كافة المستويات مما جعل العديد منهم يفضلون العودة إلى بلادهم مرة أخرى نظرًا لما يلقونه من معاناة.

  • اللاجئون ووسائل التواصل    

تشرح المؤلفتان دور وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة اللاجئين، ومساعدتهم في التواصل مع ذويهم ومع من يقومون بمساعدتهم في السفر ونقلهم من مكان لآخر عبر الحدود؛ كما أنهم يستخدمون هذه الوسائل كمصدر للمعلومات من أجل التعرف على أخبار المناطق الحدودية التي يمرون من خلالها إلى الدول التي يقصدونها، فضلًا عن استخدام الخرائط والتقنيات الحديثة في السفر. وفي هذا السياق أكد بعض الشهود الذين استعانت بهم المؤلفتان على أن استخدام التقنيات الحديثة ساهم في حماية اللاجئين لأنفسهم بشكل أفضل من ذي قبل. ويؤكد الكتاب على فكرة أن غالبية اللاجئين هم أشخاص مؤهلون علميًا ويجيدون التحدث باللغات الأجنبية ولديهم مهارات متعددة في مجالات العمل والإبداع بحيث لو استطاعت المجتمعات المستقبلة إدماجهم بشكل سليم سيُمثّلون إضافةً لهذه المجتمعات؛ وسيصبحون هم "الأوروبيون المستقبليون".

ويستشعر مرصد الأزهر من خلال هذا الكتاب مخاوف اللاجئين من المستقبل المظلم ومعاناتهم، وخاصة الأطفال الذين مروا بظروف غاية في الصعوبة والخطورة وعاشوا دون مأوى في العراء وواجهوا الموت. كما يرى المرصد أن هذا الكتاب يمثل تعبيرًا عن طموحاتهم وآمالهم وبحثهم عن وطن يحمي طفولتهم ويحترم إنسانيتهم المنتهكة ويضمن حقوقهم المسلوبة. 

 

  • خاتمة

لعل هذا الطرح لمشكلة اللاجئين، والذي ينعكس في العنوان "اسمي لاجئ" ينبهنا إلى قضية أخرى وهي قضية التسمية السياسية وما يتبعها من حقوق قد تترتب عليها؛ فمن المعروف أن كلمة "مهاجر" تختلف كثيرًا عن كلمة "لاجئ"، حيث يتمتع من يحصل على المسمى الأول بكثير من الحقوق السياسية والقانونية وغيرها، بينما لا يمكن للاجئ أن يطالب بكثير من هذه الحقوق، وتستطيع الدولة التي تستقبل اللاجئ أن تسلبه هذه الصفة في أي وقت وأن تقوم بطرده دون سابق إنذار. من هنا يأمل مرصد الأزهر باللغات الأجنبية أن يعيد المجتمع الدولي النظر في وضع هؤلاء النازحين الذين ضاعت حقوقهم بين المسميات والاعتراضات والانتهاكات.

وبغض النظر عن كونهم ثروة أو إضافة لدول أوروبا، فهم قبل كل شيء بشر يستحقون أن يعاملهم العالم بآدمية، كما يثني المرصد على عمل الكاتبتين وطريقة الطرح التي قامتا بها في تقديم هذه القضية.

المؤلفتان في سطور

Image

وُلدت "إيرين لـ. سابيو" Irene L. Savio عام 1982 في العاصمة الإيطالية "روما". تحمل الجنسية الأرجنتينية، وتعمل في جريدة "إلبريوديكو دي قطلونيا" الإسبانية. عملت مراسلة للصحف والإذاعة، وتوجهت لتغطية موضوعات عالمية كالهجرة وحقوق الإنسان والسياسات الدولية والأزمات الاقتصادية في اليونان وحرب أوكرانيا وقضية استقلال اسكتلندا وأزمة اللاجئين في دول البلقان وإيطاليا، كما انضمت إلى الوفد الإعلامي المصاحب لبابا الفاتيكان في رحلاته إلى المكسيك وكوبا. وحاورت الكاتبة العديد من رؤساء العالم ورؤساء الوزارات والشخصيات البارزة في الدول التي عملت بها.

 

 

Image

وُلدت "لتيثيا ألبيريث ريجيرا"Leticia Álvarez Reguera عام 1983 في مدينة "بلنسية" في إسبانيا، وعملت مراسلة صحفية للعديد من الصحف، مثل "أنتينا 3" وصوت جليقية. كما عملت مراسلة صحفية في اليونان ودول البلقان واليونان وتخصصت في تغطية الأخبار الاقتصادية في بروكسل وسويسرا. وقد عملت الكاتبتان معا في أوكرانيا واليونان أثناء الأزمة الاقتصادية، وكذلك في بعض دول البلقان، كما عملتا منفردتين في العديد من المؤسسات الإعلامية والصحفية في إسبانيا وأمريكا اللاتينية.

 

وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة