اللغة أم وسائل التواصل الاجتماعي: من المتهم في ترويج الخطاب الداعشي؟

وحدة رصد اللغة الأردية

  • | الإثنين, 20 فبراير, 2017
اللغة أم وسائل التواصل الاجتماعي: من المتهم في ترويج الخطاب الداعشي؟

تعرف شبكات التواصل الاجتماعي بأنها «شبكات تفاعلية تتيح لمستخدميها التواصل في أي وقت وفي أي مكان في العالم».

 مما جعل هذا العالم مثل القرية الصغيرة، فأصبح الوصول إلى الآخر واختراقه أمرًا سهلًا لا يحتاج إلى عناء السفر او التنقل، وإنما يحتاج إلى شاشة و شبكة إنترنت وعقل يدرك هدفه جيدًا، ولديه فكرة شاملة عن الهدف، فيعرف ظروفه الاجتماعية والمادية والثقافية ويبدأ التنفيذ، فإما يصيب الهدف أو يخيب، والحقيقة أنه بعد تتبع هذه الجماعات من خلال منصاتهم المختلفة وبأكثر من لغة تأكدنا من تأثير هذا العالم الافتراضي على الشباب وهذا ما أكدت عليه أبحاث اُجريت في هذا الصدد، وكان آخرها ما قام به مجموعة من الباحثين في "جامعة كاليفورنيا الجنوبية" بـ "لوس أنجلوس" بالتعاون مع عدد من التقنيين من معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" بتحليل المحتوى الذي يبثه تنظيم داعش الإرهابي عبر وسائل التواصل الاجتماعي باعتباره أحد الأدوات الأساسية التي يرتكز عليها التنظيم في الانتشار واستقطاب المزيد من الأتباع، وفي نشر أفكاره المتطرفة على نطاقٍ أوسع، حيث عملت الدراسة التحليلية على ما يقرب من 2 مليون رسالة قام هذا التنظيم الوحشي بنشرها عبر "تويتر" عن طريق الاستعانة بحسابات ما يقرب من 25,000 عضو في داعش.

        يقول الباحثون: "إنه بتحليل البيانات المرسلة يتم التعرف على الطرق والوسائل التي يستخدمها التنظيم لنشر رسائله بهذا الشكل المكثف عبر وسائل التواصل الاجتماعي". وبعد تحليل هذه البيانات بواسطة أداة خاصة، وتقوم بتصنيف التغريدات وفقًا للبيانات الواردة فيها، وُجد أن معظم التغريدات تشتمل على محتوى وتصريحات طائفية، وجاءت النتائج مثيرة للاهتمام حيث ظهر التالي

  • الخطاب الطائفي والعنصري يزيد عن 30% من المحتوى المقدم في جميع التغريدات.
  • العنف والمقاطع الوحشية والدموية هما المحوران الأساسيان للمحتوى الداعشي، ويمكن القول بأنه العلامة التجارية للتنظيم والتي يستغلها لجذب الأتباع وخاصة أتباع التنظيمات الإرهابية الأخرى.

        فمنذ تأسيس تنظيم القاعدة، دعا "أسامة بن لادن" للتركيز على  ما أسماه بـ"رأس الأفعى" ويقصد بها الولايات المتحدة الأمريكية، وكان تنظيم القاعدة يعمل دائمًا على تصدير صورة المعركة بين العناصر الإرهابية والولايات المتحدة ومن يؤيدها وكأنها معركة بين (جالوت وبين ديفيد)؛ ولهذا السبب وغيره يحاول تنظيم داعش الإرهابي منذ البداية إبراز مدى وحشيته ودمويته والتركيز عليها، ليظهر أنه التنظيم الأقوى على الإطلاق من خلال تركيزه فيما يبثه من مواد مرئية على انتصاراته وأعمال العنف التي يمارسها ضد الأقليات، ودعواته المتكررة في إقامة ما أسماه بـ"الخلافة الإسلامية". وهذا ما أكده الباحثون، وأشاروا كذلك إلى أن ارتكاز هذا التنظيم على تصدير الصورة الوحشية والدموية والعنيفة بشكل غير مسبوق يجعل الجهات الإعلامية والمنصات الأخرى تنشر مواده؛ مما يساهم بشكل قاطع في انتشاره، وهو بهذا يجد مروجين غير مأجورين له.

        وأكدت الدراسة كذلك على تعمد التنظيم استخدام اللغة العربية بشكل أساسي كلغة لخطابه المتطرف، فالمسألة اللغوية اليوم صارت ستارًا للإرهاب الذي يسعى إلى ترويج فكرة أن اللغة العربية هى لغة للإرهاب وللعنف، وأن تعلم اللغة العربية يزيد من احتمالية انتقال أوبئة فتاكة من إرهاب وأصولية وتطرف وطائفية، لدرجة أن مجرد ترديد عدد من الكلمات العربية في أوروبا الآن أصبح أمرًا مخيفًا، ومرتبطًا بتنفيذ عمليات إرهابية، خاصة بعد استخدام منفذي هجمات باريس وبروكسل لكلمات وجمل باللغة العربية.

        بدأت محاولات الربط الفعلي بين اللغة العربية والإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فالمتأمل في صورة الإرهابي في أغلب الأفلام الأجنبية يجده لا يخرج عن جملة مواصفات منها: اللحية الطويلة، والحديث بلغة عربية فصحى عن الجنة والنار والخلافة الإسلامية، ومحاربة أعداء الله، ومعاداة النظام السياسية.

        والسؤال الآن هل أصبح التحدث باللغة العربية يشكل خطرًا على أمن وسلامة شعوب العالم؟! أم أن العكس هو ما يجب أن يحدث من أجل الحيلولة دون تسرب الفكر الإرهابي لعقول الشباب وغيرهم من قبل الجماعات الإرهابية، والتي تستغل جهل العديد والعديد من الشباب بمعاني ومفردات ودلالات تلك اللغة؛ من أجل تعمد تفسير الدين بشكل يتناسب مع أجنداتها الدموية؟ ففي باكستان عقد اجتماع للجنة الدائمة بالجمعية الوطنية في أمانة مجلس الوزراء لمناقشة ضرورة جعل تدريس اللغة العربية إجباريًا، ومناقشة احتمالية كون منع تدريسها سببًا من أسباب الإرهاب في باكستان، خاصة بعد أن أصبح الطلاب غير قادرين على فهم تعاليم القرآن فهمًا سليمًا، وبالتالي صاروا عرضه للفتاوى التكفيرية الشاذة والتفسيرات الخاطئة للدين التي تحاول داعش وغيرها من جماعات الضلال استغلال اللغة العربية لتستقطب بها الأتباع؟

        الحقيقة أنه كما لا يمكن بأي حال من الأحوال ربط الدين بالإرهاب، لا يمكن ربط اللغة به كذلك، فهذا الطرح بعيد من الناحية العلمية والموضوعية؛ لأنه سيدفعنا قسرًا إلى اتهام اللغة الألمانية بأنها لغة نازية عنصرية، واتهام اللغة الإنجليزية والفرنسية والإسبانية بأنها لغات استعمارية، وبالتالي لن تخلو لغة من كونها تمارس العنف والإرهاب بشكل أو بآخر. وعليه يجب رفض هذا المنطق الاختزالي الظالم، الذي يختزل الإرهاب في دينًا بعينه أو لغة بعينها.

طباعة