(الحماية الاجتماعية للمرأة في الإسلام)

  • | الأربعاء, 27 يناير, 2016
(الحماية الاجتماعية للمرأة في الإسلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد أثبت الإسلام حقوق المرأة كاملة غير منقوصة، ورفع عن كاهلها وزر الإهانات التي لحقت بها عبر التاريخ، والتي صنعتها أهواء الأمم، بل إنه أعلن إنسانيتها الكاملة، وأهليتها الحقوقية التامة، وصانها عن عبث الشهوات فنهى عن المتاجرة بها في البغاء ليحصنها من الابتذال، لتكون عنصراً فعالاً في نهوض المجتمعات وتماسكها وسلامتها، لذلك قرر لها الحماية الاجتماعية وجعل ذلك تشريعا واجب النفاذ.

ومن هذه الحماية:

حقها في الوجود والحياة:

 جاء الإسلام وكانت العادة عند أهل الجاهلية التشاؤم بولادة الأنثى والحكم بإعدامها بأن تدس في التراب وهي حية فجاءت الحماية من الوحي الإلهي ،فكان للقرآن الكريم موقف حاسم من حقها في الحياة واحترام إنسانيتها فشنع على التشاؤم بولادتها وعاب سلوك الآباء في التخلص منها وجعل قتلها قتلا للنفس التي حرم الله قتلها بغير حق  فأنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا يكشف حماقة أهل الجاهلية فقال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [النحل: 58-59].

وقال عز وجل {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}(الإسراء:31)

كذلك أعطى القرآن الكريم للأنثى حق المعاتبة للآباء وكشف ما وقع عليها من ذنب للمحاجة أمام الله يوم القيامة فقال تعالى: {وإذا الموءودة سئلت: بأي ذنب قتلت} [التكوير: 09]. وقال: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} [الأنعام: 100].

 

حقها في التعليم:

نبَّه الإسلام على حقها في التعليم لتأخذ حظها في المجتمع كالرجل من حيث الوظيفة والمسئولية قال تعالى "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ" (آل عمران:195)، وقال صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ، فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا،.....فله أجران"

وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".

وقد اشتهر هذا الحديث على ألسنة الناس بزيادة لفظ "ومسلمة" وهذه الزيادة لم تصح رواية، ولكن معناها صحيح، فنصوص القرآن والسنة إنما تعبر بلفظ التذكير من باب التغليب، كذلك نبه العلماء على أن كل ما يطلب من الرجل تعلمه يطلب من المرأة كذلك.

حماية حقها في الميراث لئلا تُنازع فيه :

أعطاها الإسلام حق الإرث: أماً، وزوجة، وبنتاً: كبيرة كانت أو صغيرة أو حملاً في بطن أمها.

قال تعالى: { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} النساء:7.

حماية حقها الشخصي في اختيار شريك حياتها الزوجية:

ففي الجاهلية العربية  كما في الجاهلية غير العربية كان الآباء يعطون لأنفسهم الولاية المطلقة على البنات والأخوات في الزواج، وحتى الأُمّهات في بعض الأحيان، ولا يعترفون لهنّ بأيّ حق في اختيار الزوج ، وهذا الاختيار في تصوّرهم حق مطلق للأب أو الأخ وعند عدم وجودهما، فالولاية للعم.

فلما جاء الإسلام أثبت للمرأة حق الاختيار للزوج، ففي الحديث " جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ يَرْفَعُ بِي خَسِيسَتَهُ «فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا» قَالَتْ: فَإِنِّي قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ"

وفي تنظيمه لحقوق الزوجين، جعل الإسلام لها حقوقاً كحقوق الرجل في بيت الزوجية ، مع رئاسة الرجل لشؤون البيت، وهي رئاسة غير مستبدة ولا ظالمة. قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} [البقرة: 228].

كما نظم قضية الطلاق بما يمنع من تعسّف الرجل فيه واستبداده في أمره، فجعل له حداً لا يتجاوزه، وهو الثلاث طلقات، وقد كان عند العرب ليس له حد يقف عنده، ثم جعل لإيقاع الطلاق وقتاً، ولأثره مدة تتربص فيها المرأة بما يسمى (عدة) لإتاحة الفرصة للزوجين للعودة إلى الصفاء والوئام، كما حماها اجتماعيا من عضل وليها العودة إلى زوجها بعد الطلاق إذا رضيت العودة له "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة:232) وهذا من باب التشوق للمحافظة على كيان الأسرة حتى ولو أصابها بعض المنغصات.

وفوق هذا كله أعطاها الإسلام حق طلب التفريق بينها وبين زوجها إذا ساءت عشرته لها واستحال دوام الزواج بينهما فجعل لها حق طلب الطلاق للضرر قال تعالى {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } [البقرة: 231] . وقال  صلى الله عليه وسلم  «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » رواه أبو داود.

كما أعطاها حق افتداء نفسها بالمال عن طريق الخلع "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.." (البقرة:229).

وهذا من باب الحماية الاجتماعية للمرأة في كل الأحوال ليصون لها الإسلام كرامتها ويرفع لها قامتها , وكما كان لها أثر فعال في إحاطة بيت الزوجية بسياج من المودة والرحمة ، حيث هي السكن والاستقرار وفقا لقوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم:21) فكان لها حق الحماية في المقابل {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} (سورة الرحمن: 60) وهذه من عظمة التشريع في الإسلام .

والله أعلم

طباعة
كلمات دالة: