التطرف في المِكيالِ الفرنسي

  • | الأحد, 12 مارس, 2017
التطرف في المِكيالِ الفرنسي

أهم النقاط التي تناولها التقرير:


هل استطاعت فرنسا مقاومة التطرف؟


مركز بونتورني لمعالجة التطرف.


خريطة بأعداد المتطرفين في فرنسا.

 

التطرف في المِكيالِ الفرنسي

 

Image

في إطار متابعته لظاهرة التطرف التي ضربت الكيان العالمي بصفةٍ خاصة والكيان الفرنسي بصفةٍ عامة، قام مرصد الأزهر بإصدار هذا التقرير الذي يضع ثِقَلَ التطرف في الميزان الفرنسي في محاولةٍ منه للتنبيه على أن هذه الظاهرة قد باتت مقلقة وأن مساعي الدولة حيال مواجهتها في طريق البوء بالفشل. 
فعقب سلسلة الاعتداءات الإرهابية التي هزَّت الدولة الفرنسية، أعلن رئيس الوزراء، مانويل فالس، أن بلاده تسعى لتطبيق ثمانين إجراءً لمكافحة الإرهاب بينهم خمسون إجراءً مستحدثًا، كما تعهد بمراقبة مكثفة لمن يميلون إلى التطرف، وأكد أن فرنسا مع نهاية عام 2017م ستكون قد أنشأت مراكز إعادة دمج في كل منطقة لمحاربة التطرف.
و دعت الحكومة الفرنسية – خلال جلسات الحوار التي عقدت في مقر وزارة الداخلية بحضور 150 ممثلًا عن الديانة الإسلامية- للتحرك بفعالية أكثر لمكافحة التطرف. وفي هذا الصدد أكد وزير الداخلية الفرنسي آنذاك، برنار كازينوف، أن البُعْدَ الديني، وإن لم يكن الدافع الوحيد وراء ظاهرة التطرف، فهو العامل الأساسي وراء تعبئة جهاديين جدد وتجنيدهم.
وعلى الرُّغم من هذه المساعي إلا أن أعداد المتطرفين في إطِّراد، حيث خلصت لجنة تقصي الحقائق المنبثقة عن مجلس الشيوخ الفرنسي حول برنامج "إنهاء التطرف وإبطال التجنيد وإعادة دمج الجهاديين في أوروبا"، إلى أن برنامج إخراج الجهاديين من دائرة التطرف في فرنسا قد باء بالفشل. ودعت اللجنة السلطات في فرنسا، التي شهدت سلسلة اعتداءات إرهابية غير مسبوقة خلال عامي 2015م و 2016م، إلى تغيير نهجها في التصدي لهذه الظاهرة. 
وخلال مؤتمر صحفي، صرح فيليب با، رئيس لجنة القوانين في مجلس الشيوخ، قائلًا: "أنه فشل تام، يجب إعادة التفكير في كل شيء وإعادة تنظيم كل شيء". ووجه انتقاداته إلى المركز الوحيد المفتوح لمعالجة التطرف في بونتورني، في وسط البلاد. 
ويؤكد المرصد على أن الحكومة الفرنسية لا بد لها من تبني سياساتٍ أخرى لمجابهة الظاهرة التي تُعَدُّ كارثة يمكن أن تقتلع الأخضر واليابس هناك. 
والجدير بالذكر أن نُزل بونتورني غربي فرنسا، كان يُستخدم سكنًا للقاصرين الأجانب بلا مرافق، ومركز تعليمي وتأهيل مهني، ويُعَدُّ أحد أربعة عشر مؤسسة باريسية خاصة برعاية الأطفال، حتى يونية 2016م. وفي سبتمبر 2016م، حولته الحكومة الفرنسية في إطار مكافحة التطرف إلى مركز "للوقاية والاندماج والمواطنة"، أو ما يطلق عليه "مركز تدريب لمكافحة التطرف"، بهدف دعم الشباب (من سن 18 إلى 30 عامًا) الذين انفصلوا عن عائلاتهم وأصدقائهم وإنقاذهم قبل انحدارهم إلى هاوية التطرف. كما يُعَدُّ أول مركز انشأته الحكومة الفرنسية لهذا الغرض.
هذا وقد أثار اعتقال أحد نزلاء مركز بونتورني "لمعالجة التطرف"، للاشتباه في رغبته للذهاب إلى المنطقة العراقية - السورية، في 2016م، تساؤلًا في الصحافة الفرنسية حول مركز بونتورني "لمعالجة التطرف"، هل يُعَدُّ القبض على مصطفي، عثرة أم إهمال؟ في حين أن هذا المركز قبل افتتاحه كان يتم تقديمه للجمهور على أنه مركزًا مخصصًا لاستيعاب الشباب الذين هم في طريقهم للتطرف، وليس للشباب الذين "حاولوا من قبل الذهاب إلى سوريا".
بالإضافة إلى أنه في وقت إنشاء هذا المركز، طمأن لويس فرانك، رئيس بلدية أندر ولوار، سكان هذا الإقليم، بتأكيده على أن هذا المركز لن يضم أي معتقل بتهمة الإرهاب، ولا الأشخاص المتهمين بتهمة الذهاب إلى سوريا أو أي مكان أخر، ولا أي شخص أدين بجرائم العنف، وشدَّد على أن الجميع في هذا المركز من المتطوعين.
بينما النزيل الذي تم القبض عليه معروف لدى قوات مكافحة الإرهاب والعدالة، وهو عضو في خلية ستراسبورغ الإرهابية، وهي خلية تضم مجموعة من الشبان من نهر الراين السفلي، والتي انضمت إلى المنطقة العراقية – السورية في ديسمبر 2013م. ومن بين أعضاء هذه الخلية الإرهابية، محمد فؤاد العقاد، أحد انتحاري مسرح الباتاكلان، وتضم أيضًا أخوين قُتِلا في سوريا. وفي ديسمبر 2016م، لم يتمكن مصطفي من السفر إلى سوريا لأن عائلته لاحقته في مطار فرانكفورت، ولكنه اليوم متهمًا بعد أن حاول مرة ثانية للذهاب إلى منطقة سوريا والعراق لكن عن طريق البر في مايو 2016م... قبل بضعة أشهر من إيداعه في مركز معالجة التطرف...
وتقوم فكرة هذه المراكز على استقطاب الشباب الذين يعتقد أنهم يتبنون الفكر المتطرف، ليقيموا في هذه المراكز ويتلقوا دورات، لإقناعهم بترك الفكر المتطرف ومساعدتهم على تغيير حياتهم نحو الأفضل، واندماجهم داخل المجتمع الفرنسي.
ويبدو أن تجربة هذه المراكز قد آلت إلى الإخفاق أو تكاد، حيث انتهى تقرير مجلس الشيوخ إلى أن أموالًا بالملايين قد انفقت، بينما النتائج قريبة من الصفر. 
خريطة التطرف في فرنسا:
ومن هنا تابع المرصد كل ما نُشِرَ بالصحف الفرنسية فيما يخص إحصائيات الأعداد الفرنسية التي وقعت فريسة في فخاخ التطرف.
فقد نشرت صحيفة " leparisien" الفرنسية خبرًا حول خريطة سرية تكشف أعداد الفرنسيين الذين وقعوا في براثن التطرف، والذين يتراوح أعددهم بين 15000 – 16000 متطرف في فرنسا، من بينهم أكثر من 4000 شخص يخضعون للمراقبة من قِبَلِ الجهات المختصة، ويعيشون في منطقة إيل – دو – فرانس، وهي منطقة في شمال وسط فرنسا وعاصمتها مدينة باريس.
هذه البيانات السرية سمحت بإنشاء خريطة دقيقة للتطرف في فرنسا، حيث يقدر أعداد المتطرفين بين 15000 – 16000 من الرجال والنساء والأطفال. كما تم إحصاء هذه البيانات من خلال سجلات ملف البلاغات الخاصة بالوقاية من التطرف ذو الطابع الإرهابي (FSPRT) ، والذي يضم الإسلاميين الراديكاليين الفرنسيين أو المقيمين على الأراضي الفرنسية.
وفي شهر نوفمبر الماضي، تم إحصاء 5325 متطرفًا يقيمون في باريس أو في المناطق السبع الأخرى المدرجة في هذا الإحصاء، من بينهم 4030 متطرفًا يتم مراقبتهم بشكل مستديم. كما يضم هذا الإحصاء عددًا من المتطرفين مصنف حالتهم بـ "مستقر"، وهم الأشخاص الذين تم الإبلاغ عنهم من قِبَلِ ذويهم من خلال التليفون إلى المركز الوطني للرعاية والوقاية من التطرف(CNAPR). 
كما يضم هذا الإحصاء البيانات الميدانية التي تم جمعها من قِبَلِ موظفي الأمن (EMS) المتواجدين في كل قسم شرطي، وكذلك البيانات التشغيلية المقدمة من قِبَلِ الأجهزة المعنية بمكافحة التطرف، مثل الإدارة العامة للأمن الداخلي (DGSI)، والخدمة المركزية للاستخبارات الإقليمية  (SCRT)، والإدارة المركزية للشرطة القضائية (DCPJ)  والاستخبارات الباريسية (DRPP)، الذين يسعون إلى "استهداف" الشخصيات الأكثر إثارة للقلق.
ومن الجدير بالذكر أن هذا التقييم يأخذ في عين الاعتبار سلوكَ ومؤشراتِ التطرفِ مثل الانعزال عن الأسرة، والتغيير في المظهر أو اللباس. وعلاوة على ذلك، يضم هذا الإحصاء أشخاصًا يخضعون لمراقبة خاصة وفقًا لدرجة خطورة هذا الشخص. "فمن بين الــــ 15000 – 16000 شخص الذين تم إحصاؤهم كمتطرفين، هناك 3000 – 4000 متطرف مصنفين "أكثر خطورة" ويتم مراقبتهم بشكل صارم من قِبَلِ الإدارة العامة للأمن الداخلي  (DGSI)، كما أن هناك 11500 غيرهم يتم مراقبتهم من قِبَلِ المخابرات الإقليمية، بينما 500 تحت المتابعة لآنهم لم يعودوا خطرين". 
كما يضم هذا الإحصاء ثماني "مهن" أكثر خطورة إذا ما تطرف ذويهم، وهم الموظفون في "مواقع حساسة" أو ممن هم على اتصال مع قاعدة عريضة من الجمهور. ففي إيل – دو – فرانس فيما يختص بتشابك وكثافة شبكة النقل والمواصلات العامة، ففي هذا القطاع الثرى النشط كان ظهور الكثيف المفاجئ لهذا العدد في سجلات ملفات تقارير الوقاية من التطرف ذات الطابع الإرهابي (FSPRT)، ويأتي في المرتبة الثانية قطاع التأمين الخاص، وفي المرتبة الثالثة تأتي الإدارات الحكومية، مثل الصحة والتعليم...

     

Image

كما نشرت صحيفة "lemonde" الفرنسية، و موقع " Larepublique77" ، وموقع "france3-regions.francetvinfo"خبرًا حول إحصاء 304 من البلاغات عن حالات تطرف في سين ومارن، في فبراير 2017م، حيث كانت قد خصصت السلطات الفرنسية خطًا ساخنًا للإبلاغ عن حالات التطرف في فرنسا، منذ أبريل 2014م. 
وجدير بالذكر أنه وإن كانت فرنسا تبدو أنها لا تزال تتعثر على مستوي "معالجة التطرف"، إلا أن أداة الكشف عن التطرف تبدو فعالة، وذلك وفقًا لملف البلاغات الخاصة بالوقاية من التطرف ذو الطابع الإرهابي (FSPRT)، والذي تم انشاؤه بموجب مرسوم في مارس 2015م.
فيُعَدُّ الآن (FSPRT) هو المقياس الحقيقي للتطرف في فرنسا، حيث تم دعمه بخط ساخن لتلقي البلاغات، منذ أبريل 2014م، من قِبَلِ وزارة الداخلية، للإتاحة لأقارب الأشخاص الذين وقعوا في براثن التطرف (أسرة، الأصدقاء، الزملاء...) للإبلاغ عنهم، فضلًا عن بلاغات من قِبَلِ أجهزة الدولة (الشرطة، التعليم، المستشفيات...) من خلال الإدارات المحلية.
وفي 23 من فبراير 2017م، تم إحصاء نحو 11820 حالة تطرف من قِبَلِ الـ (FSPRT)، من بينهم عددٌ كبيرٌ في إيل –دو- فرانس (4078) حالة تطرف، يليها سين سان دوني (894) حالة تطرف، ثم باريس (812) حالة، ثم هوت دو سين (654)، وفال دو مارن (581)، يأتي بعد ذلك سين ومارن (304) حالات تطرف، بنسبة 22.27% من بلاغات تطرف بالنسبة لـعدد سكانها البالغ عددهم 100000 نسمة، يليها سين سان دوني بنسبة (55.9%)، يليها فال دو مارن (41.9%)، وهوت دو سين بنسبة (40.7%)، وباريس (36.9%).
كما أن الـ (FSPRT) يسمح برسم بروفيل لهؤلاء الأفراد الذين وقعوا في براثن التطرف: فهناك 27% من الأشخاص الذين تم الإبلاغ عنهم من النساء، و35% من المعتنقين الإسلام حديثًا، و17% من القاصرين.

Image

والسؤال الذي يطرح نفسَه الآن هو: لماذا أخفقت الحكومة الفرنسية في معالجة التطرف؟
يرى المرصد أن الحكومات المتتالية لفرنسا أخطأت مرارًا في القراءة السياسية والاجتماعية للمسألة، ونعلم أنه منذ أكثر من 3 عقود، كان هناك مسيرة من أجل المساواة تنادي بتطبيق شعار الجمهورية 'الحرية والمساواة والأخوة'، لكن لم يتم الاستجابة لمطالب المسيرة، وحينها بدأنا نرى مشاعر الانكماش والانطواء والتقوقع، وصار المسلمون في فرنسا عرضةً لآراء وأفكار متزمتة وتوظيف الإسلام والدين لأغراض أخرى أيديولوجية أكثر منها روحية. من جهة أخرى، نرى تقهقرًا كبيرًا في ما يخص الحضارة في ورشات كبرى تتعلق بالفكر الإسلامي، منها الحريات والعيش الكريم والمساواة وإزالة الغطاء القدسي عن العمل داخل الفضاء الإسلامي.
ونشير هنا إلى المنتدى الذي نظمته جامعة "ديدرو" بباريس حول "التطرف الديني وسبل التصدي له" بحضور مختصين في تاريخ الجماعات الجهادية والديانة الإسلامية إضافة إلى باحثين في علمي الاجتماع والنفس ومتخصصين في مجالي الإجرام والقضاء، لفهم الأسباب التي تدفع بعض الشبان الفرنسيين إلى الالتحاق بجماعات جهادية متطرفة في سوريا والعراق والمراحل التي يمرون بها. وخلص المنتدي إلى "أن الباحثين الجامعيين والمتخصصين في علم الاجتماع والعلاقات الإنسانية سبق وأن لفتوا الانتباه في سنوات الثمانينات إلى خطر التطرّف الديني الذي بدأ يحدق آنذاك في بعض الأحياء الشعبية والمدن الفرنسية، لكن الحكومات المتعاقبة ومسئولي الأمن في فرنسا لم يأخذوا تحذيرات وإنذارات الباحثين على محمل الجد آنذاك، ما أدى إلى نمو مشكلة التطرّف الديني وتفاقمها اليوم، وبالتالي بات من الصعب معالجتها".


روابط التقرير:

http://www.france24.com/ar/20170222-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D9%81%D8%B4%D9%84-%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D9%85%D8%AC-%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81

http://tempsreel.nouvelobs.com/justice/20170121.OBS4139/le-centre-de-deradicalisation-de-pontourny-dans-la-tourmente-apres-l-arrestation-d-un-pensionnaire.html

http://www.leparisien.fr/faits-divers/cartographie-secrete-des-radicalises-25-01-2017-6614952.php      

http://www.larepublique77.fr/2017/03/04/304-signalements-de-radicalisation-en-seine-et-marne/

http://www.lemonde.fr/societe/article/2017/03/03/la-carte-de-france-de-la-radicalisation_5088552_3224.html?h=14&h=14&h=14

http://france3-regions.francetvinfo.fr/grand-est/haut-rhin/mulhouse/plus-200-personnes-radicalisees-bas-rhin-1208079.html

 

طباعة