قضية النقاب

  • | الإثنين, 11 يناير, 2016
قضية النقاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  وعلى آله ، وصحبه ،ومن والاه وبعد :-

فقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول قضية نقاب المرأة ، واتسعت شقة الخلاف بين الفقهاء حولها , فذهبت طائفة إلى أقصى اليمين قائلةً بالوجوب , وذهبت الأخرى إلى أقصى اليسار قائلة بأنه بدعة وعادة جاهلية ؛ بل جنحت إلي القول بأنه سبب تخلف المرأة المسلمة , فكان لزامًا على الأزهر الشريف أن يوضح الأمر قيامًا بواجبه نحو الدين والوطن والأمة , وبيانًا للناس حول ما تقتضيه نصوص الموضوع مجتمعةً دون إفراط أو تفريط .

فإنه يضع قبل عرض الرأي الفقهي المبادئ الآتية :-

المبادئ :

رسالة الأزهر الشريف عالمية من ألف سنة ويزيد ، وهي قائمة علي نشر الإسلام محليًا وعالميًا بمنهج الوسطية والاعتدال ؛ أخذًا من قوله تعالي " ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" الجاثية 18 . مما جعله ينال  احترام العالم ، وثقة المسلمين.
منهج الفتوى في الأزهر الشريف من خلال مجمع البحوث الإسلامية ، ولجنة الفتوي الرئيسية بالجامع الأزهر الشريف ، إنما تقوم علي إعمال قاعدة تغير الفتوى بتغير الزمان ،  والمكان ،  والحال والأعراف ، من خلال الاجتهاد الفقهي المتمثل في تعدد الرؤي ، وتباين الأفهام ؛ أخذةً في الاعتبار مصالح الناس والمجتمع .
الأزهر الشريف في موضوع النقاب لم يصدر عنه أمر به ، أو نهي عنه ؛ لأنه من المسائل القابلة للاجتهاد في الأخذ به ، أو عدمه ، فمن رأت من النساء مصلحة ً دينيةً لها فيه ، فهي وما أرادت بشرط أن لا تلزم غيرها به ، وأن تكشف الوجه عند اقتضاء المصلحة ، وعندئذٍ من حقها أن لاتُضطهد أو يُلمز بها بسببه .
 الحلال ما أحل الله ، والحرام ما حرم الله .
مصادر التشريع المتفق عليها – القرآن , والسنة , والإجماع - .
لا ينكر المختلف فيه بين الفقهاء , وإنما ينكر المجمع عليه ، والمقلد لا مذهب له .
الخروج من الخلاف مستحب ما لم يوقع في خلاف آخر .

عرض الآراء الفقهية في حكم النقاب

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :

القول الأول : يري أصحابه أن الوجه والكفين ليسا من العورة وبالتالي لا يجب سترهما وهو مذهب الأئمة الأربعة .

دليلهم : استدلوا بالكتاب والسنة .

أولا : الكتاب قوله تعالي " وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" النور 31 .

وجه الدلالة من الآية :

أن الوجه والكفين من الزينة المستثناة المباح إبداؤها بنص الآية الكريمة ، يقول ابن عباس – رضي الله عنهما – في تفسيره للزينة المستثناة في الآية : " الكحل والخاتم " ، ومن ضرورة إبداء الزينة إبداء موضعها فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف .

ثانيًا : السنة .

حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – كما في الصحيحين ، يقول ابن عباس – رضي الله عنهما – كان الفضل رديف النبي – صلي الله عليه وسلم – فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، فجعل النبي – صلي الله عليه وسلم – يصرف وجه الفضل إلي الشق الآخر .

وجه الدلالة من الحديث :

في الحديث دلالة واضحة على جواز كشف المرأة لوجهها ؛ لأنه لو كان من العورة ؛ لأمر النبي – صلي الله عليه وسلم – هذه المرأة بستره ؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فإن قيل : إن هذا كان في الحج يجاب عنه : بأنه لو كان الوجه عورة لكان ستره في الحج أولي لشدة الاختلاط والزحام فيه ، ولأنه لا يُتعبّد إلي الله بكشف العورات .

القول الثاني :

يري أصحابه أن الوجه والكفين من العورة ويجب ستره وهورواية عند الحنابلة .

دليهم : قوله صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي " المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ".

وجه الدلالة من الحديث : هذا الحديث لم يستثن من المرأة شيئًا ؛ بل قال إنها عورة فيدخل في نطاق العورة الوجه والكفان .

المناقشة :

نوقش هذا الدليل بعد التسليم بصحته أنه عام خصصته النصوص الأخرى التي فيها تقرير النبي – صلي الله عليه وسلم – لمن كشفت وجهها فضلًا عن أنه نص في منع خروج المرأة لغير حاجة وليس خاصًا بالنقاب .

وهناك أدلة أخري استند إليه هذا الرأي ضربنا عنها صفحًا لأنها لم تخل من المناقشة والرد ، ولم تسلم لقائليها .

 

رأي اللجنة : بعد التحليل الفقهي والغوص في الأدلة وتعدد الرؤى في النقاب تري لجنة الفتوى الرئيسية  بالجامع الأزهر الشريف : أن النقاب ليس عادة ، وإنما هو يقع في دائرة المباح ، وقد يرقي إلي ما فوق ذلك لمن تري من النساء فيه مصلحةً دينيةً لها ؛ كسد لذريعة ، أو درء لفتنة .

أما القول : بأنه شريعة يهودية ؛ فإنه قول مردود ؛ لأن القرآن الكريم أخذ بشريعة التوراة في قصاص النفس والأطراف " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " المائدة 45 .

والقول بأنه عادة جاهلية مردود ؛ لأنه ليس كل عرفٍ جاهليٍ مذموم ؛ بل إن الشريعة الإسلامية من مراعاتها لمصالح المجتمع ، وتسامحها في التشريع أقرت بعض الأعراف في الجاهلية قبل الإسلام ، وجعلتها تشريعًا يعمل به في الإسلام كتقدير الديات في القتل ، وتعظيم الأشهر الحرم ، وغير ذلك .

والله أعلم .

 

 

طباعة
كلمات دالة: