(استقلال ذمة المرأة ماليا واجتماعيا في الإسلام)

  • | الأحد, 10 يناير, 2016
(استقلال ذمة المرأة ماليا واجتماعيا في الإسلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فإن المرأة قد ابتليت في مختلف العصور بمن يحيف على حقها ويمتهن كرامتها فيعتبرها من سقط المتاع ، ويظنها رجسا من عمل الشيطان ، ومن ينظر إليها كآلة صماء  ويعتبر قيمتها بمقدار ما تنتجه من مادة فقط  ، ولقد وقف الإسلام موقفا معتدلا من المرأة في شتى مناحي الحياة وفي هذه السطور نتناول استقلال المرأة ماليا واجتماعيا في الإسلام .

استقلال الذمة المالية للمرأة في الإسلام :

الذمة لغة  : تطلق على العهد، الحرمة ، الضمان.

والذمة في الفقه الإسلامي:  وصف شرعي يصير به الإنسان أهلاً للإلزام والالتزام ، أي صالحًا لأن يكون له حقوق وعليه واجبات.

ومن الأصول المقرر شرعا : أن للمرأة في الإسلام الأهلية الكاملة ، والذمة المالية المستقلة التامة ، ولها الحق المطلق في إطار أحكام الشرع فيما تكسبه من عملها الحلال، ولها ثروتها الخاصة ، كما لها حق التملّك ، وحق التصّرف فيما تملك ، ولا سلطان للزوج على مالها، ولا تحتاج لإذن الزوج في التملك والتصرف بمالها

والأصل في حقها في التملك: قوله تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [النساء: 6] وهذا ظاهر في أن المرأة إذا كانت يتيمة ثم صارت راشدة جاز لها التصرّف في مالها بعد اختبار حسن التصرف في المال.

كما أنها تستحق النفقة الكاملة المقررة بالمعروف إذا كانت زوجة مهما كانت ميسورة الحال ، وتجب النفقة بحسب حال الزوج يسارا أو إعسارا، وبما يتناسب مع الأعراف الصحيحة والتقاليد الاجتماعية المقبولة شرعا، لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} الطلاق:7، ولا تسقط هذه النفقة إلا بالنشوز، وفقا لما قرره الشرع والقانون.

وقد تواترت النصوص الشرعية على حق المرأة في تملّك المال على سبيل الاستقلال، منها:

الإعلان عن حقها في الميراث كمبدأ عام، مثلها مثل الرجل تماما. قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} النساء: 7.
 قوله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]. فأثبت الله تعالى للمرأة حق تملك المهر في نفس الوقت، أجاز لها حرية التصرف فيما تملك دون الرجوع إلى إذن أحد ، وهذا دليل على أن المرأة في ظل الشريعة الإسلامية لها حرية التصرف في مالها تملكا وإنفاقا وتبرعا، دون قيد ما دامت بلغت الرشد.
قوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ } [البقرة: 237] . أكدت هذه الآية الكريمة أحقية الزوجة في تملك نصف المهر في حالة الطلاق قبل الدخول، مع جواز عفوها عن بعض ما استحقت من نصف المهر دون استئذان من أحد، مما يدعم استقلال ذمتها المالية.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقْنَ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» صحيح مسلم (2/ 694)  ففي هذا الحديث إثبات الملكية للمرأة ، وإثبات حرية التصرف في هذه الملكية دون الرجوع إلى اسئذان أحد، وهذا يدل على أنها مخاطبة شرعا بالعبادات المالية كالرجل تماما.

والنصوص في هذا الشأن تفوق الحصر ، والشارع الحكيم عندما أثبت للمرأة حرية التملك ، وحرية التصرف لم يحرمها من المشاركة في تحمل أعباء الحياة الزوجية والبذل في سبيل رفاهية الأسرة؛ لكنه جعل ذلك موكولا لإرادتها وطيب خاطرها ، ففي الصحيح أن زينب سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن النفقة على زوجها هل لها فيها أجر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ولك أجران ، أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ .صحيح مسلم (2/ 694)

فضلا عن أن المرأة في التشريع الإسلامي مكفولة النفقة في بيت أبيها قبل الزواج، وفي بيت زوجها بعد الزواج، فالزوج ينفق عليها ولو كانت ميسورة، ولا يحق له التصرف في مالها إلا إذا أقرضته قرضاً حسنا، يجب عليه رده لها، وهذه ميزة أقرتها الشريعة الإسلامية، قلما توجد في نظام آخر.

طباعة
كلمات دالة: