فلسفة الحدود في الإسلام وضوابط تنفيذها

  • | الأربعاء, 6 يناير, 2016
فلسفة الحدود في الإسلام وضوابط تنفيذها

بسم الله الرحمن الرحيم
شرعت الحدود في الإسلام كعقوبات نصية مقدرة من الله عز وجل بغية المحافظة على ضروريات الإنسان التي تتوقف عليها مقومات حياته ووجوده, كالنفس, والنسب, والمال والعقل, فهي في نظر الشريعة الإسلامية كليات لا تقوم حياة الإنسان كمخلوق مكرم من الخالق إلا بها قال تعالى: }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}.[الإسراء:70].
وبمقتضى حق الخلق ينشأ حق الصيانة, والحماية, وبناء على هذه القاعدة فإن الله عز وجل وهو الخالق للإنسان قد شرع الحدود لحماية هذا الإنسان في كلياته التي بكمالها, وتناغمها يكون في أحسن تقويم كما سواه الله عز وجل قال الله تعالى }لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}. [التين:4].
وبناء عليه فتفويت النفس بالاعتداء عليها هدم لبنيان الله في الإنسان, وإفناء لوجوده, فكان لا بد من العدل بالقصاص, لتماثل كل الإنسانية في حق الوجود والحياة.
وكذلك فإن ضياع النسب بسبب الزنا ينتج نسلا لقيطا لا نسب له مما يعظم من ظاهرة مجهولي النسب في المجتمعات الإنسانية, بما لها من آثار مدمرة إنسانيا, واجتماعيا, فضلا عن الأمراض المعدية الناتجة عن تعدد أكثر من رجل على امرأة واحدة بطريق الزنا, فكانت الشدة في عقوبة الزنا إنما هي للردع, والحماية, وليست للتشفي, أو الانتقام.
فالعقوبة في الإسلام في أصل تشريعها أنها وسيلة, وليست غاية, ولذلك نص في المذهب الحنفي "المقصد الأصلي في العقوبة الحدية الانزجار عما يتضرر منه العباد".
أما إتلاف الأموال بسرقتها, أو غصبها, أو نهبها, إنما يفوت على الإنسان حق الرزق من طيبات الله, وقد كفله الله له بنص القرآن, قال الله تعالى }لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ{ [البقرة:198].
وقال تعالى }إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [البقرة:173].
فمن فوت حق لإنسان في المال الذي تقوم به حياته, ويعتمد عليه في بقائه, فقد أفسد عليه حياته, ودمر له سبل بقائه,فكانت العقوبة في الأموال ردعا لأهل الاستطالة والبغي وزجرا للمفسدين في الأرض.
إذا فالعقوبة الحدية في الشريعة الإسلامية ليست غاية في حد ذاتها, وإنما هي وسيلة للحماية المالية والإنسانية.
والدليل على أنها وسيلة, وليست غاية أن الحدود في الإسلام تسقط بوجود شبهة في الإثبات لقوله صلى الله عليه وسلم "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله ولأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة".
وقد أشار الحديث إلى أن الشريعة الإسلامية تجعل الشبهة وسيلة للتضييق في توقيع العقوبة النصية, وهي التي تعرف بالحدود فضلا عن التضييق في الإثبات.
فالشروط الصعبة التي وضعتها الشريعة الإسلامية لإثبات الجريمة يصعب فيها تطبيق الحدود غالبا, فبقدر شدة العقوبة –كما يزعم البعض- بقدر التشدد في إثباتها, وضوابط تنفيذها, حتى إن الشريعة الإسلامية أباحت للجاني الرجوع في إقراره للإفلات من العقوبة, وفي حد من الحدود الشديدة كالزنا, اشترطت الشريعة أربعة من الشهود يتفقون جميعا أنهم عاينوا, وشاهدوا حالة التلبس بالزنا, وهذا من الصعوبة بمكان في ظل السرية والتخفي أثناء ارتكاب هذا الفعل.
ولو أن شاهدا واحدا من هولاء الأربعة اختلف عن الثلاثة في الوصف تسقط الشهادة, وتدرأ العقوبة, ويعاقب الشهود, وهذه أقصى درجات الحماية للجاني عند تطبيق الحدود الشرعية.
كذلك من ضمانات التنفيذ للعقوبة وفق الضوابط الشرعية أن ولاية التنفيذ إنما هي من سلطة الدولة قضاء, وتنفيذا, وهذا أكبر ضامن للعدالة في التنفيذ.
وليس لآحاد الناس أو الجماعات توقيع العقوبة دون الرجوع إلى الدولة, فإن فعل ذلك فقد افتئت على سلطة الدولة مما يستوجب معاقبته, والتشديد عليه وفقا لتقدير السلطة القضائية.
وبذلك ثبت يقينا بالدليل أن الشريعة الإسلامية بريئة من كل ما من شأنه أن يسقط عليها وعلى أحكامها شبهة التعسف, والقسوة.

 

طباعة
كلمات دالة: