تابع مرصد الأزهر الإصدار المرئي الجديد الذي بثه تنظيم داعش الإرهابي ومدته دقيقة وتسعة عشر ثانية، يظهر في هذا الإصدار أحد أعضاء التنظيم وهو يهدم آثارًا تاريخية بمنطقة دير الزور في سوريا بادعاء أنها أوثان جُعلت طاغوتا يُعبد من دون الله، وهذا ادعاءٌ كاذبٌ لا يؤيده واقع المسلمين منذ بعثته (صلى الله عليه وسلم) ولا يقوم عليه دليل، وقد استندوا في ذلك إلى حديث روي عن أبي هياج الأسدي قال: قال لي علي (رضي الله عنه) " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله؟ ألا تدع صنمًا أو تمثالًا إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا أو عاليًا إلا سويته". وظهر بالفيديو رجل يحمل مطرقة ويقوم بهدم الآثار التاريخية قائلًا "بسم الله"، وموضحًا أن ما تُسمى هيئة الآثار هي التي عثرت على هذه الأصنام وفقًا لتعبيره، وأن ما تُسمى اللجنة الشرعية ارتأت تحطيمها. وكان تنظيم داعش الإرهابي قد قام بهدم الكثير من الآثار التاريخية منذ بدأت الأزمة السورية في عام 2014م.
وكعادة هذا التنظيم الإرهابي المتطرف الاستشهاد بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية في غير موضعها، وذلك بعد انتزاعها من سياقاتها، وقد دخل كثير من صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) مصر وسوريا والعراق ولم يهدموا ما في هذه الدول من الآثار، بل ظلَّت واقفة وباقية في أماكنها لتدل على عظمة الحضارة الإسلام وتسامحها ورقيها واحترامها لهذا الموروث الإنساني الذي يمثل تاريخًا حيًا لتلك الحضارات التي قامت على أرض هذه الدول، وكان من بين هؤلاء الصحابة الزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن عمرو، وخارجة بن حذافة، وعبد الله بن عمر، والمقداد بن الأسود، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، وأبو رافع مولى رسول الله وعبد الرحمن وربيعة ابنا شرحبيل بن حسن، وعبادة بن الصامت، وأبو ذر (رضي الله عنهم جميعًا) [النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج1 ص22، وحسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة ج1 ص 166]. فهل هؤلاء المتطرفون أفضل من صحابة رسول الله، أو يفهمون الشرع أكثر منهم؟
ويقول الإمام الطبري في الجزء الثاني من تاريخه (ص 464): "لما دخل سعد المدائن فرأى خلوتها، وانتهى إلى إيوان كسرى، أقبل يقرأ قوله تعالى "كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قومًا ءاخرين" (الدخان: ٢٥ – ٢٨) وصلى فيه صلاة الفتح، فصلى ثماني ركعات واتخذه مسجدًا. وفيه تماثيل الجص: رجال وخيل. ولم يمتنع – ولا المسلمون لذلك– وتركوها على حالها. وادعاء أن الصحابة لم يروا تلك الآثار ادعاء في غاية البعد، إذ كيف مر الصحابة بتلك المساحات الشاسعة دون أن يلاحظوا وجود تلك الآثار التي وصف القرآن الكريم عظمها بقوله: " التي لم يُخلق مثلها في البلاد" (الفجر: ٨). وكذلك ادعاء أنها كانت مطمورة تحت الأرض، فإذا كان بعض الآثار يحتاج إلى تنقيب لاستخراجه من باطن الأرض فإن كثيرًا من المعابد والتماثيل كان فوق عين الأرض، ونقلت بعض كتب التاريخ توصيفًا لبعض تلك الآثار من القرون الأولى.
ويهيب مرصد الأزهر بشباب العالم الإسلامي كله ألا ينساق وراء هذه الدعاية الباطلة الضالة والمضللة، وأن يلتزم بصحيح دينه، ويعمل عقله فيما يسمع.