"داعش" ومعقلها الجديد!

  • | الأربعاء, 7 يونيو, 2017
"داعش" ومعقلها الجديد!

أسبابٌ عديدة تقف خلف اختيار ليبيا معقلًا جديدًا لـ "داعش"، أهمها هو تميز الأخيرة بموقعٍ جيوستراتيجى هام، بالنسبة لمصر من ناحية، وبالنسبة لأوروبا من ناحية أخرى؛ لذا فإنَّ الأحداثَ التي تجرى على مثل هذه البقاعِ يمكن للمرءِ أن يلمسها بشكلٍ سريعٍ نظرًا لمحورية المنطقة. 

وفي محاولةٍ منها لوضع عدستها على خطورة التواجد "الداعشي" بليبيا، قامت وحدة رصد اللغة الفرنسية بمتابعةٍ حثيثةٍ لما يمكن أن يحمله هذا التواجد من تهديداتٍ للأمن المصري بصفةٍ خاصةٍ، وللأمن الدولي بصفةٍ عامةٍ. وقامت الوحدة بإصدار هذا التقرير في إشارةٍ منها أنَّ الأمرَ جِدُّ خطيرٍ.

فمنذ الإطاحة بالقذافي، وليبيا تعاني من اضطرابات وعدم استقرارٍ، وهو ما قوّى شوكة تنظيم "داعش" بها. وغدا الأمرُ أكثرَ تعقيدًا مع هذا الخِضَمِّ الهائل من التناحُر القَبَلي، والتفكك المجتمعي، والتدهور العسكري، الذي يجعل من ليبيا "مُلتقى طرقٍ" للمتسللين من الحدود المفتوحة على ستة دول، فضلًا عن كونها ملعبًا تتنافس على مرماه القُوى العالمية. 

وفي خِضَمِّ هذه الأحداث والتوترات والاضطرابات، بدأت ليبيا تعلن مرةً تِلْوَ الأخرى، عن تشكيل حكومةِ وَحدةٍ وطنية ليبية، آملةً أن تكون هذه الحكومةُ بدايةَ نهايةِ الصراعِ الذي يجري على أراضيها. 

وعَلَتْ وتيرةُ تعقيدِ الأمر، وأصبح كارثيًّا، بعد ما وقع الشَّتات الليبي، واضطر الجيش للتدخل بزعامة "خليفة حفتر"، قائد الجيش الليبي؛ لِلَمّ الشمل، ولكن الأمر قد خرج عن السيطرة، وأصبحت وكأنها حرب عصابات. 

والبواعث وراء اتخاذِ "داعش" ليبيا كمعقلٍ جديدٍ لهُ، فضلًا عن تميز موقعها، هي: غيابُ الدولة، الذي يسمح لأي تنظيم بالاستقرار دون مواجهةٍ حقيقية، والثَّراء النفطي، الذي ربما سيعيد بناء احتياطيات التنظيم المالية، والتي انخفضت بسبب انخفاض أسعار النفط الخام، وبسبب تفجيرات آبار النفط في العراق وسوريا؛ لذا فإنَّ هذا التنظيم يتبنى استراتيجيةَ عرقلةِ وصولِ أي سلطةٍ حاكمة في ليبيا إلى النفط، ممّا يمكن أن يحقق وفي وقت سريع انهيار هذه الدولة. أضف إلى ذلك مستقبل ليبيا المجهول، في ظل عدم الوصول إلى حلٍّ سياسي يُنهي حالة التنازع. ومن هنا نقول: إن ليبيا قد باتت ورقةً رابحةً بالنسبة لهذا التنظيم، الذي يتخذها أرضًا خصبة ستساعده على إنبات ثمرته؛ لذا فمخطئٌ مَن يعتقد أن الأسوأ هو ما نشهده الآن في سوريا والعراق، بل ربما يكون القادم في ليبيا أسوأ وأمرّ، وربما لم نره من قبل؛ لأنَّ محيط سوريا والعراق يستطيع إيقاف أي توسع أو توغل لهذا التنظيم، والأمر بالنسبة لليبيا مختلف تمامًا، نظرًا لما يمكن أن يعانيه جيرانُها – باستثناء مِصْرَ – من دخولٍ في مناوشات مع هذا التنظيم. 

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ نهوض الجماعات الإرهابية في ليبيا، يجعلهم أكثر قربًا من أوروبا، وبالتالي يُشكّلون تهديدًا مباشرًا أو غير مباشر على القارة العجوز. وربما سيؤدي أي تدخل عسكري، إلى تطرف عدد كبير من الشباب، وهو أمر لا تُحْمَد عقباه. وما عانت منه مِصْرُ في الآونة الأخيرة في محافظة المنيا، والتعدي أكثر من مرة على الأقباط بها، يؤكد أن "داعش" يتخذ بالفعل من ليبيا حصنًا حصينًا له، يسعى من خلالِهِ إلى ضَرْب أمنِ مصر – بالتحديد – في مقتل.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل ستكون ليبيا مقبرة لـ "داعش" أم ستكون أرضًا خصبة لنماء هذه النبتة؟  

     هنا نؤكد أنه لو لم تصبح الجبهةُ الليبية جبهةً استراتيجية في الحرب ضد تنظيم "داعش"، فلن يتم استئصالُ شأفةِ هذا التنظيم، لذا فلابد للجيش هناك من بَسْط سيطرته على جميع مساحات الدولة المترامية الأطراف؛ حتى يتمكن من تحجيم هذا السرطان، الذي بدأ يسري في جسد الدولة الليبية. ولا زلنا نركز على أن الاتفاق السياسي الليبي، الذي يُعَدُّ الخطوة الأولى على طريق بناء دولةٍ ليبية ديمقراطية تقوم على مبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون، هو الضامن الوحيد للقضاء على أيِّ تطرفٍ أو إرهاب. 
 
وحدة رصد اللغة الفرنسية 
 

طباعة