بعد أن قام تنظيم "داعش" بضرب عدد من الأهداف في آسيا الوسطى؛ منها على سبيل المثال الهجوم على مطار أتاتورك بمدينة اسطنبول يونيو 2016م، والهجوم على السفارة الصينية في العاصمة القرغيزية بشكيك بتاريخ 30 أغسطس من العام نفسه، وهجوم آخر في الثالث من أبريل على مترو سان بطرسبرج في روسيا.
اتجه التنظيم الإرهابي أخيرًا إلى مدينة "ماراوي" بجزيرة "مينداناو" الواقعة جنوب الفلبين، بتاريخ 16 مايو، وذلك في هجوم مفاجئ لخلايا تابعة له داخل المدينة، أسفر عن مقتل أكثر من 19 مدنيًّا، و11 من قوات الشرطة، وفرار نحو 50 ألفًا، ووقوع نحو 2000 آخرين في قبضة "داعش"، بحسب ما ورد في بعض وكالات الأنباء.
وقد أعلن "داعش" في وقتٍ سابق، مسئوليته عن عدة هجمات في مختلِف أرجاء جنوب شرق آسيا، في العامين الماضيين، لكن المعركة في مدينة "ماراوي" كانت أول مواجهةٍ طويلة مع قوات الأمن. وتُعدّ جزيرة "مينداناو" قاعدة خصبة للمتشددين من جنوب شرق آسيا ومن خارجها؛ بسبب شيوع الفقر وغياب القانون وحدود الجزيرة غير المؤمّنة.
وقد بدأت الاشتباكات في مدينة "ماراوى" بعد محاولةٍ أمنيّةٍ فاشلة للقبض على "إسنيلون هابيلون" أو "عبد الله الفلبيني"، أحد زعماء جماعة "أبو سياف"، التي اكتسبت سمعةً سيئة؛ بسبب أعمال قرصنة وخطف وذبح ضد أهداف غربية. والمعروف أن جماعة "أبو سياف" كانت قد أسست في التسعينيات تنظيمًا إرهابيًّا، بدعمٍ ماليٍّ من "تنظيم القاعدة"، داخل مناطق المسلمين جنوب الفلبين، وتُعدّ جماعة "أبوسياف" مجموعةً متطرفة، انشقت عام 1991م عن "جبهة تحرير مورو"، التي قادت حربًا ضد القوات الحكومية لعِدّة عقودٍ؛ للحصول على حكمٍ ذاتيٍّ في هذه المنطقة، وتمثّل القِوام الرئيس للمتمردين في أرخبيل "مندناو" جنوب الفلبين. وقد بايعت هذه الجماعة تنظيم "داعش" الإرهابي في 2015م، كما تبنّت مسئولية هجومٍ إرهابي في سبتمبر 2016م، في مدينة "دافاو"، مسقط رأس الرئيس الفلبيني، والذي أسفر عن مقتل 14 شخصًا.
من الجماعات الإرهابية الأخرى النشطة في الفلبين، جماعة "مواتي"، التي تضم عناصر أعضاء جبهة الحرية الإسلامية "مورو" وعددًا من الإرهابيين الأجانب. وكان الأخوان "عبد الله مايوت" و "عمر مايوت" قد أسسا هذه الجماعة الإرهابية في 2013م، وقيل: إن "عمر مايوت" قُتل في اشتباكات مع الجيش الفلبيني.
وقد أعلن مصدر في المخابرات الفلبينية، نزوح ما يقرب من 40 مقاتلًا أجنبيًّا إلى الفلبين، كانوا ضمن 500 مقاتلٍ، اجتاحوا مدينة "ماراوي" في جزيرة "مينداناو"؛ بينهم إندونيسيون وماليزيون وباكستانيٌّ واحدٌ على الأقل وسعوديٌّ وشيشانيٌّ ويمنيٌّ وهنديٌّ ومغربيٌّ وشخصٌ واحدٌ يحمل جوازَ سفرٍ تركيًّا. ويرى "روحان جوناراتنا"، الخبير الأمني بكلية "اس راجاراتنا" للدراسات الدولية في سنغافورة، أن تنظيم "داعش" يتقلّص في العراق وسوريا، ويتناثر في مناطقَ من آسيا والشرق الأوسط. وتعاني جزيرة "مينداناو" منذ عشرات السنين، من انتشار العصابات والمتمردين المحليين والحركات الانفصالية.
كما توجد "جماعة أنصار الخلافة الفلبينية"، وهي جماعةٌ إرهابيّةٌ، نشأت في أغسطس 2014م، عندما أصدرت شريطَ فيديو، يتعهد بالولاء لتنظيم "داعش"؛ بَيْدَ أنّ القواتِ المسلحةَ الفلبينية تصنف الجماعة على أنها عصابات تشارك في أنشطة سرقة الماشية. ويقع المقر الرئيس للجماعة في مقاطعتي "كوتاباتو" الجنوبية و"سارانغاني"، وكان يقودها في البداية "أبو شريفة"، وتُعتبر "جماعة أنصار الخلافة" أقربَ صلةً لمقاتلي "داعش" في سوريا من بين الجماعات الإرهابية المحلية في الفلبين، وقد قُتل "محمد جعفر ماجويد"، الذي حدده مسئولون أمنيون فلبينيون، كرئيس لجماعة أنصار الخلافة الفلبينية، في عملية قامت بها وكالة تنسيق الاستخبارات الوطنية والشرطة الوطنية الفلبينية في 5 يناير 2017م في "كيامبا سارانغاني".
وقيل: إن "ماغويد" قد تلقّى تدريبًا مِن قِبَل "ذو الكفل عبدهير" في صناعة القنابل. بعد بضعة أسابيع قبض رجال الشرطة في "بولومولوك" جنوب "كوتاباتو"، على الزعيم الجديد للمجموعة "عبد الله نيلونغ". وفي نوفمبر 2015 قُتل ثمانيةٌ من أعضاء "أنصار الخلافة" في معاركَ استمرت أربع ساعات ضد الوحدات العسكرية الفلبينية في "سلطان قدرات". تمّ التعرّف على أحد المسلحين القتلى على أنه "عبد الفتاح" وهو مواطن إندونيسي، بعد ذلك بوقتٍ قصير، أصدرت المجموعة شريط فيديو يُظهر تدريب المجندين في موقع غابة لم يُكشف عنه. وبحسب مسئولين أمنيين، فقد تعاونت "أنصار الخلافة" مع جماعة "ماوت" في تنفيذ تفجير مدينة "دافاو" عام 2016م. ويقال: إن الجماعة عملت مع جماعة "أبو سياف" في تنفيذ الخطة الفاشلة لاختطاف السياح في منطقة "فيساياس"، التي بلغت ذروتها في اشتباك "بوهول" عام 2017م.
ويعتقد الخبراء أن ارتفاع معدل هذه الهجمات، يعكس تداعيَ موقع "داعش" في سوريا والعراق، ومدى تأثير التنظيم على الجماعات المتطرفة في منطقة آسيا الوسطى، ويعني في الوقت نفسه إمكانية عودة عناصر "داعش" إلى دولهم. علاوةً على ذلك؛ تُعتبر أفغانستان ودول الجوار في آسيا الوسطى أرضًا خصبة لنمو "داعش"، لكن لماذا تتخوف روسيا من انتشار الإرهاب في آسيا الوسطى تحديدًا؟ وهل هناك أهداف لموسكو "فوق إقليمية" أم أن هذا الخوف واقعي؟
يجيب "محمد حسین دهقانیان"، محلل الشئون الدولية بمؤسسة "أبرار معاصر طهران": إن موقف روسيا من آسيا الوسطى هو موقف عسكري أمني، وجولة "بوتين" الأخيرة في المنطقة لاسيما طاجيكستان و قرغيزيا، وتأكيده أهمية القواعد العسكرية الروسية في البلدين (قاعدة 201 في طاجيكستان التي كانت في قرغيزيا) لهو خير دليل على ذلك.
لم يتطرق "بوتين" خلال الزيارة إلى أهداف اقتصادية، وإنما استحال الوجود الأمني والعسكري في آسيا الوسطى إلى ضرورة بالنسبة إلى الجانب الروسي، بسبب انضمام عددٍ كبير من الروس ودول آسيا الوسطى إلى "داعش" وخطر عودتهم إلى بلدانهم مرة أخرى، وإعلان الجماعات المتطرفة في آسيا الوسطى والقوقاز الولاء لـ "داعش"، وتشكيل نواة "داعشية" صغيرة، والمخاوف من تمدد "داعش" مباشرةً من أفغانستان، من أهم مصادر تهديد "داعش" النظامَ الروسي.
أخيراً، فقد أعلن الرئيس الفلبيني، "روديجو دوتيرتي"، الأحكام العرفية في البلاد؛ بهدف القضاء على ما وصفه بأنه غزو لتنظيم "داعـش"، ودعا الجيش للتأهب؛ من أجل استعادة السيطرة على المدينة، ومن جانبه، أكد متحدثٌ باسم الجيش استمرارَ المعارك بين القوات الفلبينية وبين عناصر "داعش" خلال الأيام الأخيرة، مشيرًا إلى أنه تمت استعادة السيطرة على معظم أجزاء المدينة بعد أسبوع من المعارك بين الجانبين.
ومن هنا نخرج برؤيةٍ واضحة؛ تتلخص في أن انحسار التنظيم "الداعشي" على الأرض في سوريا والعراق، قابلته يقظةٌ واضحة في بعض الخلايا النائمة التي زرعها "داعش" في أكثرَ من دولة، خاصّةً بعد أن عاد بعض أفراد التنظيم إلى بلدانهم، ليس فقط من أجل استقطاب عددٍ أكبرَ من الشباب إلى السفر إلى مناطق النزاع، ولكن أيضًا للقيام بزرعِ خلايا إرهابية "داعشية" في هذه الدول، يكون من مهامها ضرب الاستقرار والقيام بعمليات إرهابية، مستغلين جميع السبل التي تؤدي إلى هذا الهدف، حتى لو كان من قبيل الدهس أو الطعن.
وهذا ما تمت الإشارة إليه في مقالٍ آخَرَ، كتبته وحدة الرصد الألمانية، عن "داعش بين الحصار على الأرض والخلايا العشوائية"، أشارت فيه إلى أن محاصرة التنظيم "الداعشي" في سوريا والعراق قد لا يعني بأي حال من الأحوال هزيمته الأخيرة والسيطرة التامة عليه، فالتنظيم يتمدد بخلاياه وأفكاره المتطرفة التي يتبناها كثيرون ممن عادوا إلى أوطانهم.
وحدة الرصد باللغة الفارسية