تُشكّل الجالية المسلمة في دول أمريكا اللاتينية بشكلٍ عامٍّ عددًا لا بأس به قد يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من مليون نسمة كما هو الحال في البرازيل على سبيل المثال، أخذًا في الاعتبار أن تلك الأعداد في تزايد مستمر. ولعل المتابع للعديد من التقارير التي أعدتها وحدة الرصد باللغة الإسبانية عن أحوال الإسلام والمسلمين في مجموعة من دول أمريكا اللاتينية مثل: الأرجنتين والمكسيك وكولومبيا وكوبا، سيلاحظ أن اعتناق الإسلام في تلك الدول قد تَنامى بشكل ملحوظ خاصة بعد اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع تزايد الأعمال الإرهابية التي تُقترف باسم الإسلام من جانب جماعات تنتسب زورًا إلى هذا الدين الحنيف، على رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي، يكثر الحديث عن الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمكتوبة والتي تتناولها في أغلب الأحيان بصورة سلبية تعمل على ترسيخ فكرة أن الإسلام والإرهاب وجهان لعملة واحدة، وأن المسلمين هم مجموعة من الإرهابين يسعَوْن في الأرض فسادًا، وهو ما يتنافى مع حقيقة الأمر. ومن هنا ترسّخت في أذهان الكثير في معظم دول العالم هذه الصورة المشوهة التي كانت نِتاجًا لتلك الاعتداءات الإرهابية، فضلًا عمّا تبثّه الآلة الإعلامية.
ونستطيع القول: إنه في أمريكا اللاتينية ربما ترسخت هذه الفكرة لدى شعوب تلك القارة مما كان له الأثر السلبي على كثير من المسلمين هناك.
ولكن على الرغم من أن انتشار تلك الجماعات في دول أمريكا اللاتينية لم يكن على القدر الموجود في الدول الأوربية، إلا أننا نلاحظ انتشارًا كبيرًا للفكر المتطرف من خلال الجماعات الإرهابية في أمريكا اللاتينية، وهي غالبًا جماعات أهلية مسلحة مثل جماعة "القوات الثورية المسلحة" في كولومبيا و"الطريق المضيء" في دولة البيرو.
كما أن تهديدات "داعش" الأخيرة لمجموعة من دول أمريكا اللاتينية قد يجعل منها هدفًا لتنفيذ عمليات إرهابية وملاذًا جديدًا لتجنيد الشباب من هذه الدول عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتأهيلهم للانضمام إلى صفوف تنظيم "داعش" على وجه الخصوص.
• التنظيمات الإرهابية في دول أمريكا اللاتينية
أكدت تقارير أمنية وجود بعض الجماعات الإرهابية التي تقوم ببعض الأنشطة الإرهابية في البرازيل والمثلث الحدودي في الأرجنتين والباراجواي والبرازيل منها جماعة الجهاد الإسلامية والجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية، فضلًا عن القاعدة والكتيبة الإعلامية للجهاد.
فمن الأرجنتين، رصدت وحدة اللغة الإسبانية عملية اختراق مجموعة قالت: إنها تابعة لتنظيم داعش الإرهابي الموقعَ الرسمي الإلكتروني للجيش الأرجنتيني وقامت بوضع صورة تضم مجموعة من مقاتلي التنظيم بعنوان "نحن الدولة الإسلامية، الله أكبر" هذا تهديد داعش في الأرجنتين وسريعًا سيعرفوننا". وقد أوضح مخترقو الصفحة أنهم ينتمون لتنظيم داعش.
وأوضحت مصادر من الجيش الأرجنتيني في حوار لها مع جريدة "إنفوباى" أن الاختراق قد وقع بالفعل وأن الموقع الرسمي للجيش بات خارج النظام لفترة من الوقت. وأضافت المصادر أن رسالة التهديد ظلت موجودة على الصفحة لمدة 20 دقيقة وعندما تنبهت السلطات إلى عملية الاختراق وضعت رسالة تقول "نعتذر عن أي إزعاج، الصفحة في حالة صيانة مؤقّتًا".
وعن منفذي الاختراق أوضحت المصادر أنه من الصعب تحديد مصدر الاختراق. جدير بالذكر أن هذه الصفحة الرسمية كان قد تم تحديثها من قبل. ويرى مرصد الأزهر أن ذلك يحمل دلالة واضحة على أن تنظيم داعش يعتمد اعتمادًا قويًّا على كفاءات في المجال الإلكتروني استطاع أن يقوم بتجنيدهم وأن التفوق الإلكتروني لهذا التنظيم قد أصبح خطرًا يهدد العالم.
وفي البرازيل، أُدين ثمانية أشخاص قضائيًّا كان قد تم القبض عليهم في عام 2016 بتهمة الترويج لاعتداءات إرهابية، كما كانوا على وشك القيام بعمليات محتملة تحت مظلة تنظيم داعش الإرهابي أثناء الألعاب الأولمبية في "ريو دي جانيرو".
كما أشارت مجموعة من وسائل الإعلام الدولية إلى أن هناك بيانات غير رسمية تشير إلى وجود مقاتلين من الأرجنتين والبرازيل بين صفوف تنظيم داعش. وفي عام 2014 تم الإعلان عن وجود مجموعة من الأشخاص ينتمون إلى تنظيم القاعدة الإرهابي وجماعات متطرفة أخرى في البرازيل تنشر الفكر المتطرف وتقوم على تجميع التبرعات المالية والتخطيط لهجمات إرهابية وذلك وَفقًا لما أعلنته السلطات البرازيلية. يُذكر أن مؤسس القاعدة في البرازيل هو مواطن من أصل لبناني يُدعى خالد حسين كان قد أسسها في حقبة التسعينيات.
ومن المكسيك: أصدر معهد المخابرات تقريره السنوي والذي أشار فيه إلى أن هناك 150 مكسيكيًّا انضموا إلى صفوف داعش وفي هذا رسالة واضحة بل وخطيرة مُفادها أن أمريكا اللاتينية أصبحت منطقة لاستقطاب وتدريب الشباب لصالح تنظيم داعش.
وعلى الرغم من البُعد الجغرافي الذي يفصل بين دول أمريكا اللاتينية ومناطق النزاع في سوريا والعراق، إلا إن تنظيم داعش ألقى بظلاله على دول أمريكا اللاتينية في الآونة الأخيرة؛ حيث تشير بعض التقارير إلى وجود ما يقرب من مئة مقاتل داخل صفوف هذا التنظيم قدموا من دول أمريكا اللاتينية، وأنه في حال عودتهم إلى بلادهم من مناطق النزاع في سوريا والعراق فمن الممكن أن تتعرض بعض دول أمريكا اللاتينية لاعتداءات إرهابية.
هذا وتُعدّ دولة "ترينيداد وتوباجو" والتي يُمثّل الإسلام بها نسبة 8% من إجمالي السكان من أكثر دول القارة التي لديها مقاتلون ضمن صفوف التنظيم في سوريا والعراق، وفي هذا السياق، وتؤكد التقارير الإخبارية أن هناك من بين المنضمين إلى داعش مَن قد وُلدوا في هذه الدولة منهم من سافر ومنهم من لم يتمكن حتى الآنَ من السفر.
وبالفعل تدفق العديد من شباب "ترينيداد وتوباجو" إلى سوريا للانضمام لصفوف داعش، الأمر الذى أثار قلق المسئولين في هذا البلد حيال هذه المشكلة التي تهدد الأمن الوطني. ووَفقًا لتقرير صادر عن صحيفة "نيويورك تايمز"؛ فإن مسئولين أمريكيين يقولون: إنه من الممكن أن تصبح هذه الدولة مرتعًا للمتطرفين، وبالتالي تُشكّل خطرًا كبيرًا على الولايات المتحدة الأمريكية خاصّةً بعد عودة هؤلاء الشباب لمنازلهم، الأمر الذى جعل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يتناقش مع "كيث رولي" رئيس وزراء "ترينيداد وتوباغو" للتوصل إلى حل لهذه الأزمة.
الجدير بالذكر أن معظم من يريدون الانضمام إلى تنظيم داعش يلجئون إلى السفر إلى فنزويلا حتى يتمكنوا من الهرب والسفر إلى مناطق النزاع، الأمر الذي جعل السلطات الفنزويلية تتنبه جيدًا لهذا الخطر. وقد أفادت بعض الأنباء قيام السلطات الفنزويلية بالقبض على 14 شخصًا بتهمة الإرهاب، الأمر الذي أثار حفيظة ذويهم في ترينيداد وتوباجو وقاموا بالتظاهر في العاصمة ومطالبة الحكومة بضرورة التدخل للإفراج عنهم.
من هنا نجد أن تنظيم داعش الإرهابي -وبفضل الآلة الإعلامية التي يستخدمها- استطاع أن يستقطب بعض شباب هذه القارة، فضلًا عن نشر أفكاره ومعتقداته عبر وسائل التواصل الاجتماعي في دول القارة اللاتينية. ولم يَكتفِ التنظيم بذلك فحسب، بل إنه يلجأ الآن إلى حثّ مناصريه في دول أمريكا اللاتينية على الجهاد بالمال لصالح التنظيم من خلال إرسال حوالات مالية إليه في سوريا والعراق، والتأكيد لهم أن مثل هذه الأعمال لا تَقِلّ إطلاقًا عن جهاد السلاح.
هذا، ويرى "مرصد الأزهر" أن على دول أمريكا اللاتينية التنبه جيدًا لهذا الخطر؛ لأنه حال حدوث توغّل من عناصر التنظيم في أراضيها سيكون خطرها أشد وطأة، مع العلم بأن العديد من المتطرفين يسعَوْن لاستخدام دول أمريكا اللاتينية المختلفة كممرات للعبور إلى دول أخرى كالعبور إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك فإن اعتماد التنظيم على الدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي عن بُعد أكبرُ دليلٍ على عدم انتشار عناصرَ للتنظيم على أرض الواقع بشكل كبير في هذه المنطقة، الأمر الذي يُقلّل من احتمالية وقوع هجمات إرهابية بها.
ويوصي "مرصد الأزهر" بضرورة العمل على زيادة الوعي الديني لدى المسلمين الموجودين هناك من خلال البعثات والجمعيات الدينية الوسطية وعقد دروس وحلقات توعوية لهم في المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية المختلفة؛ وذلك لأنه حال عدم وجود أرضية دينية قوية تنبذ العنف وتوضح المفاهيم المغلوطة سيكون الاستقطاب لصالح التنظيم وتنفيذ أجندته أسهل وسيعمل على سرعة انتشار أفكاره المغلوطة.
إن الاعتماد على السلاح نفسه الذي يبثّ به التنظيم أفكاره المسمومة، من خلال بثّ رسائل وحملات توعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة لنبذ هذه الأفكار الضالة وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يروجون لها هو أمر له مردود إيجابي ولا يمكن بأي حال التقليل من شأنه؛ وهو أمرٌ يعمل عليه "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" في الداخل والخارج، حيث أصدر بعض الحملات التوعوية في هذا الصدد، ورغم ذلك لا يزال هناك الكثير مما يجب عمله. وفي النهاية يشير "مرصد الأزهر" إلى الأرض الخصبة في أمريكا اللاتينية والمستعدة لتلقي مناهج الدين الحنيف وتعاليمه السمحة، فهل يتحرّك ذوو الأمر قبل أن تمتد إليها الأفكار المتطرفة أو الأيادي الغادرة؟!
وحدة الرصد باللغة الإسبانية