قضية إعلان هزيمة "داعش" في الموصل وطيّ صفحتها نهائيًّا أمرٌ ليس باليسير، فقد أعلن قادةٌ كُثر في العراق عن إسقاط راية دولة الخلافة مرات عديدة، ثم يتفاجأ الجميع بعد ذلك بأنها كانت محاولةَ "كَرٍّ وفَرٍّ" مِن قِبَل التنظيم، وأنه مهما فقَدَ التنظيم من قواه في الجنود والأرض وبدا للبعض بوادر النصر على التنظيم، فإن التنظيم ينهض بعدها مِن رقدته ويعود من موته ليُظهرَ قوته ويُبرهن على بقائه وقوة نشاطه.
لذلك فإنّ قواتِ التحالف تتريّث ولا تستعجل في إعلان الهزيمة والقضاء على التنظيم؛ فقد جرّبوا خطورة الإعلان عن انتصارٍ غيرِ حقيقي، وعلموا أنه لا يمكن لهم أن يُعلنوا انتصارًا نهائيًّا، ولو بدا أنهم انتصروا في جولاتِ الحرب في منطقةٍ من المناطق، وتاريخُ حربهم مع التنظيم يشهد بذلك، بل إنّ مخاوفهم من ذلك اليوم الذي يعلنون فيه القضاء على "داعش" أكبرُ وأشدُّ؛ وذلك أنّ جبهة القتال بينهم وبين التنظيم لم تَعُدْ تقتصر على العراق والشام فحسب، بل صارت تشمل العالَم أجمعَ.
فكلما حشدوا قواتِهم وطائراتهم للقضاء على التنظيم في جزءٍ من العالم؛ خرج عليهم التنظيم بمفاجأةٍ جديدة في جزءٍ آخَرَ بعيدٍ عنهم، وكلُّ هذه المناطق هي بؤَرٌ أخرى للتنظيم، يحاول أن يجد فيها مَوطئَ قدمٍ يُشتّت به قوى أعدائه ويبرهن به على سَعة سلطانه؛ فقد أصبح للتنظيم أَذرعٌ في بقاعٍ عديدة من الأرض شرقًا وغربًا، فها هي خراسانُ، وشرقُ آسيا، وغرب إفريقيا، وغيرها من البقاع المنتشرة حول العالم والتي يحاول من خلالها التنظيم أن ينتشر كالسرطان؛ كلما تمّ استئصالُه من مكان تولّدت منه خلية أو خلايا في مكانٍ آخَرَ تحمل المخاطر نفسها وتنقل الأشرار نفسهم؛ فالتدميرُ والخرابُ والقتل والذبح كلُّها أعراضٌ لهذا الوباء وهذا المرض العُضال الذي يُطلق عليه" تنظيم الدولة".
ومن ناحيةٍ أخرى؛ تشير التقديرات إلى وجود عددٍ ليس بالقليل من أفراد التنظيم، والذين تمكنوا من الهروب من مدينة "الموصل" إلى مدينة "تلعفر" الحدودية بالعراق، ولا يزالون حتى اللحظة يقاتلون بكل قوة ويَتدرّعون بالمدنيين؛ ممّا يُبرهن على أن التنظيم ما زال موجودًا وأنه من السابق لأوانه إعلان هزيمة التنظيم في "الموصل"، فما هي إلَّا بدايةُ النهاية؛ فهذا العدد المتبقي من أفراد التنظيم لا يمكن توقّعُ حجمِ قدراته وقواته وأنه قد يتسبب في إحراج القوات العراقية وقوات التحالف إذا ما لم يتمّ القضاء على فلول التنظيم في العراق بالكامل.
ومن ناحيةٍ أخرى؛ فقد باتت الحالة المعنوية للقوات العراقية، التي ما فتئت تُحدّد موعدًا لانتهاء المعركة في العراق ثم يتمدّد ويتغير هذا الموعد حتى أعلن رئيس الوزراء العراقي "العبادي": أنه وإن تمّ إعلان الانتهاء من التنظيم في "الموصل"، فإنه لا يزال أمام القوات العراقية الكثير من أجل تحرير العراق بالكامل والسيطرة على جميع أراضيه، ولكن الحالة المعنوية التي تعيش فيها القوات العراقية تحتاج إلى مثل هذا الانتصار، الذي طال أمده وطال انتظاره؛ فها هي الحرب مشتعلة في "الموصل" وفي غيرها من المدن العراقية منذ ما يزيد عن العامين في هذه المعارك العسيرة والصعبة على جميع الأطراف، فمتي تكون المعركة الفاصلة، والتي تُمثّل النهاية وهزيمة هذا التنظيم في بلاد الرافدين؟
وحدة رصد اللغة الألمانية