وسائل التواصُل الاجتماعي، والأطفال، والنساء" .. ثلاثُ أدواتٍ رئيسة يعتمد عليها "تَتار العصر الحديث" لتنفيذ مخططاتهم الهدّامة. ثلاثُ عناصرَ يمكن وصفُها بأنها أضلاعُ المُثلّث الداعشيّ الأكثرِ فاعليّةً لدى التنظيم. وفيما يَخُصّ الأخيرةَ "النساء"، وبعد فقْد التنظيم للعديد من المناطق التي كان يسيطر عليها، وإغلاق "الفيس بوك" وغيره من مواقع التواصُل الاجتماعي للحسابات الداعشيّة، لم يكن أمام التنظيم إلّا النساء للاعتماد عليهن؛ عَلَّهُ يستطيع أن يُعوّضَ الخسارة التي لَحِقَتْ به ولحقت بعناصره الإجرامية.
قامت امرأةٌ داعشيّةٌ بتفجير نفسها وهي تحمل رضيعَها مؤخرًا في "الموصل"، وهو الهجومُ الانتحاريّ الذي أسفر عن مصرعها ومصرع رضيعها وإصابة العديد من المدنيين والعسكريين. فخلال الأسبوعَيْن الماضيَيْن؛ يُعتقد أنّ ما يزيد عن 20 امرأةً انتحاريّةً – من المتواجدات بين صفوف المدنيين – قد قُمنَ بتفجير أنفسهن لحساب تنظيم "داعش" الإرهابي، في خطوة يمكن اعتبارهُا تحوّلًا كبيرًا في الأيديولوجية الإجرامية التي يتبعها التنظيم ضد خصومه من الأبرياء (من المدنيين والعسكريين).
إن الراديكالية الأساسية التي يتبناها هذا التنظيم وغيره لا تُبيح للمرأة الخروجَ من منزلها، وعليها اعتزالُ المجتمع والتفرغ لإنجاب الأطفال الانتحاريين الذين يُطلق عليهم التنظيم اسم: أشبال الخلافة، وتقديم الدعم المعنوي لأزواجهن، وعدم الخروج للقتال إلا إذا حدث هجومٌ. إنّ صورة المرأة النَّمَطيّة لدى تلك التنظيمات الراديكالية ومكانتها لا تجعلها سوى "عرائسَ" ليس إلّا، لكن على ما يبدو أن الغاية تُسَوِّغُ الوسيلة، واحتياج "داعش" للدور الذي من الممكن أن تلعبه المرأة لخدمة أجندة هذا التنظيم التخريبية لا يمكن أن يُفلتَها من بين يديه، خاصّةً أنّ المرأة والطفل ـــ على وجه التحديد ـــ عنصران من العناصر التي يمكن الثقة بها بين صفوف المدنيين، فمن غير المتوقع أن تقوم امرأةٌ تحمل رضيعها بتفجير نفسها، أو القيام بأيِّ هجومٍ إرهابيٍّ. إنّ أهداف هذا التنظيم الوحشية ونَهَمَه الزائد في تحقيقها على أرض الواقع، جعلته يتخلى عن جزءٍ من راديكاليته، التي طالما لعب من خلالها على وَتَر العاطفة الدينية لدى الشباب ضعيفِ الثقافة الدينية، وها هو يَضرب بمبادئه عُرْضَ الحائط من أجل تحقيق أهدافه، حتى لو كانت على حساب الشعارات الرنانة التي طالما تَغَنّى بها.
تكمن استفادة هذا التنظيم من الدور الذي من الممكن أن تلعبه المرأة الداعشية في أنها محلُّ ثقةٍ، وقادرة على التحرك بشكلٍ حُرٍّ بين المدنيين، وقادرة على إخفاء الكثير من الأسلحة دون أن يكتشفها أحد.
لعل أبرز ما دعا "داعش" لاستخدام النساء في عملياتهم الإرهابية ضد الأبرياء هو سهولة تحركهن كما ذُكر سابقًا، ولسببٍ آخَرَ؛ هو خسارة "داعش" للعديد من أراضي سيطرته، والهزائم المتلاحقة التي أَلَمّتْ به، ولحقت بعناصره في العراق وسوريا، والحصار الذي فُرض على بعضهم في عددٍ من المناطق والمحافظات، فكان من الطبيعي أن يَبحث عن البديل الأسهل القادر على التحرك بأمان بين المدنيين، وفي الوقت نفسِه يتعاطف معه العسكريون المتواجدون في نقاط التفتيش.
إن ثقافة المرأة الانتحارية وإن كانت جديدةً على أيديولوجية التنظيم الداعشي، لكنها ليست بالجديدة على غيره من التنظيمات خاصّةً في العراق، ففي عام 2005 نَفّذَ "تنظيم القاعدة" في العراق بقيادة "أبي مصعب الزرقاوي" أربعة تفجيرات انتحارية، كانت النساء مِن بين مَن قام بتنفيذ بعضها. وفي عام 2008 قامت 39 امرأةً انتحاريّةً بقتْل ما لا يَقِلُّ عن 363 شخصًا وإصابة 974 آخَرين بالعراق، معظمُهم من العسكريين العراقيين والأمريكيين. إنّ استغلال النساء والأطفال في عملياتهم الانتحارية مؤخرًا دليلٌ واضح على استنفاد التنظيم لوسائله التقليدية، وفي الوقت نفسِه الازدواجية الشديدة التي يتمتع بها هذا التنظيم الذي يَمنع المرأة من الخروج خارج أسوار البيت، ولا يراها سوى مربّيةٍ لأشبال الخلافة أو أداة لمتعته الشخصية، وفي الوقت نفسِه يُضحّي بها وبأشباله عندما يجد أن هذا يخدم أهدافه، فالغاية عندهم تُسَوّغ الوسيلة مهما كانت بشاعتُها!!!