كيف يجند داعش مقاتليه

  • | الثلاثاء, 1 أغسطس, 2017
كيف يجند داعش مقاتليه

يقول فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في نصيحة وجهها لشباب العالم الإسلامي: "إن الحملات التي يطلقها تنظيم داعش الإرهابي لضمِّ الشباب المسلم إلى صفوفه ضالة ومضللة، غرضها زعزعة أمن الأوطان الإسلامية، والنيل من استقرارها، وزلزلة أركانها، واستهداف شبابها الذين يمثلون عماد هذه الأمة..". ونحن في تقريرنا هذا سنركز على الهدف الأخير الذي عبَّر عنه فضيلة الإمام في نصيحته، وهو استهداف تنظيم داعش للشباب المسلم، الذي يقوم التنظيم بإغرائه بالانضمام إلى صفوفه، ويستخدم كل الوسائل في سبيل الوصول إلى هذا الهدف، ويطبق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة في تجنيده للشباب، فهو يستخدم في تجنيدهم أسوء الوسائل وأحطها وأوضعها، والتي تنم عن انحدار أخلاقي لا يقره عُرف، ولا يرضى عنه دين.
يحكي أحد الأباء الذين انضم أحد أبنائه إلى هذا التنظيم، أن مجموعة أفراد من التنظيم قامت بتقسيم نفسها إلى مجموعتين، اندست الأولى بين الشباب المستهدف الجالس على المقاهي والذي منهم ابنه، تعرفوا عليهم وعقدوا معهم أواصر الصداقة، وكانوا يترددون معًا على المقهى، ثم بعد فترة أتى فرد من هذه المجموعة التابعة للتنظيم وقال لأصدقائه لقد تعرفت على شخص ملتزم دينيًا قال لي إن ما نفعله حرام، ولقد اتفقت معه أننا سنقابله اليوم في المسجد. ثم تقوم المجموعة كلها الشباب والدواعش ويذهبون إلى المسجد لمقابلة الشاب الذي تحدث عنه صديقهم، وهو شاب داعشي. وفي المسجد يأتي دور المجموعة الثانية التي تتولى أمر تجنيدهم. طلبوا منهم في البداية الالتزام الديني، وبدؤوا يعلمونهم الدين وفقًا لمبادئهم المغلوطة وفهمهم المخالف لصحيح الدين، ورويدًا رويدًا أقنعوهم بالانضمام إلى التنظيم والسفر إلى سوريا أو العراق. فالبداية كانت استغلال أفراد التنظيم للشعور الديني عند الشباب، والنهاية كانت بانضمام الشباب إلى التنظيم، ومن هذا نستنتج أن الشباب وخصوصًا من حُرِموا الثقافة الدينية الوسطية أكثر عرضة للانخداع والوقوع في مستنقع الجماعات الإرهابية. 
ووفقًا لبعض التقارير الصحفية فإن شباب مدينة إستانبول يأتون على رأس الشباب الذين يستهدفهم هذا التنظيم في تركيا، وخصوصًا الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا، ويسكنون في الأحياء المحافظة مثل حي "الفاتح"، و"حي جونجورن"، ويفضل التنظيم الشباب من الأسر ذات الدخول المنخفضة، والذين لديهم مشكلات مع عوائلهم. وقد أجرى موقع (T24) حوارًا مع بعض الأباء الذين انضم أبناؤهم إلى التنظيم، ورفضوا ذكر اسمائهم والتقاط صور لهم. وقال أحدهم والقاطن في مدينة استانبول إن ابنه يبلغ من العمر 21 عامًا، تغيرت أخلاقه وأصبح يعصيه بعد وفاة والدته، وإنه لم يكن ملتزمًا دينيًا، بل كان على العكس يلتقي بعض الشباب ويتعاطى معهم المخدرات، وفجأة التزم الشاب، وبدأ يصلي، ثم بعد ذلك هجر الصلاة في المسجد، وأخذ يكفر كل من حوله. وفي النهاية ترك المنزل دون إخبار أحد. فقام الأب بالسؤال عن ابنه، فأخبره أصدقاء الولد بأنه انضم إلى التنظيم الإرهابي مع خمسة عشر شخصًا آخرين، فتوسل الأب إلى ابنه كي يترك التنظيم الإرهابي ويعود إلى بيته، لكن الولد رفض طلب أبيه وقال إنه سيواصل الجهاد على حد قوله.
أب آخر يسكن في مدينة إستانبول قال إن ابنه سافر إلى سوريا وانضم إلى داعش وعمره 19 عامًا، وإنهم من أسرة فقيرة، لذلك كان الولد مضطرًا هو وإخوته إلى العمل، وكان لدى الشاب مجموعة من الأصدقاء، وفجأة التزم الولد بالصلاة، وأطلق لحيته، وعندما سأله الأب عن سر هذا التغيير أجابه قائلاً "أريد أن أعيش حياة محمدية". ثم اكتشف الأب أن ابنه لم يكن يصلي في المسجد، بل كان يصلي في زاوية في إحدى العمارات. واختفى الولد فجأة ولم يعد يأتي إلى المنزل، وعلم الأب بعد ذلك أن ابنه سافر إلى سوريا وانضم إلى داعش، لكن الولد غير فكره هناك، وهرب منهم، وعاد إلى بيته لكنه لا يزال متأثر نفسيًا بما رأه هناك.
والحكايات كثيرة في هذا الأمر، وإضافة إلى هذه الحيل الماكرة الخبيثة يستخدم التنظيم أيضًا أحدث الوسائل في إقناع الشباب التركي بالانضمام إليها. ويركز في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام مواقع الإنترنت في الترويج لأفكاره ودعايته المشبوهة، مستخدمًا في ذلك كل الأنماط المرئية والمقروءة والمسموعة. وله إصدارات باللغة التركية منها ثلاث مجلات، إضافة إلى عددٍ كبيرٍ من الكتيبات الصغيرة الذي يروج فيها لدعايته، وكان آخر إصداراته التركية كتيب يحمل عنوان "الجهاد"، وكُتيب آخر يحمل في عنوانه الكلمة ذاتها، ومحتواهما تحفيز للشباب على الانضمام إليهم وتهديد لهم بدخول النار والابتلاء من الله إذا ظلوا بعيدًا عنهم. وهم دائمًا يستخدمون في منشوراتهم للشباب الترغيب والترهيب في آن واحد، الحياة السعيدة في الدنيا والجنة في الآخرة إذا انضموا للتنظيم، والكفر في الدنيا والنار في الآخرة إذا لم ينضموا إليه. وهذه المجلات والكتب والكتيبات أيضًا مليئة بالمعلومات المغلوطة التي تكفر الحكومات، وتُفسق العلماء، وتحرم العملية الديمقراطية من انتخابات واستفتاءات وتدعو إلى قتل كل من يشارك فيها، وتدعو الشباب إلى الهجرة إلى ما يُسمى بأرض الخلافة التي تُصان فيها الحرمات ويُطبق فيها شرع الله، على حد قولهم. 
وقد أثبت العاملون والباحثون في مجال الجماعات المتطرفة أن 75% من الشباب الذين يذهبون إلى سوريا والعراق ينضمون إلى تنظيم داعش مقابل 25% ينضمون إلى الجماعات الإرهابية الأخرى. والسبب الرئيس في ذلك وفقًا لهؤلاء الباحثين هو قوة الآلة الإعلامية لتنظيم داعش مقارنة بالتنظيمات الأخرى، ولقد استطاعوا من خلال خطابهم الإعلامي الموجه في المقام الأول للشباب من تحفيز الشباب واستقطابهم مخاطبين كل فئة شبابية بما تحب، فأغروا الشباب الطموح المحب للزعامة والقيادة واقنعوهم كذبًا بأنهم بعد الانضمام إليهم سيشاركون في كتابة تاريخ جديد للعالم، وتغيير خريطته، فانخدعت طائفة من الشباب وذهبت إليهم من أجل تحقيق هذا الهدف. كما خاطبوا الشباب المتدين بأنهم (داعش) يعيشون دين الإسلام في دولتهم المزعومة، ويطبقون الحدود ولديهم خليفة، وانخدعت بالفعل طائفة من الشباب وانضمت إليهم من أجل هذا الهدف. ثم قام التنظيم الإرهابي بصهر جميع هؤلاء في بوتقة واحدة، وتغذيتهم بالأفكار المتطرفة الدموية.
ولقد حذر المرصد شباب العالم الإسلامي كله، وليس الشباب التركي فقط، من أساليب هذا التنظيم. ويناشد المرصد المجتمع كله بأن ينتبه جيدًا لأي تغير في سلوك أفراده وخصوصًا الشباب دون الحجر على حريتهم. حفظ الله الجميع من كل سوء.  

     
  وحدة رصد اللغة التركية
 

طباعة