أحداث باريس وقلب الطاولة على الجماعات الإرهابية

  • | الجمعة, 4 ديسمبر, 2015
أحداث باريس وقلب الطاولة على الجماعات الإرهابية

تابعنا وتابع العالم أجمع منتصف هذا الشهر أحداث باريس، ولسنا هنا بصدد الحديث عن الموضوع من زاوية السياسة، ، ولسنا أيضا بصدد الحديث عن المتهم الحقيقي في القضية، وهل هي عملية دينية بحتة أم لعبة مخابراتية ارتدت رداء الدين، وهذا السؤال ذاته قد ينسحب على داعش نفسها، لكن ما يعنينا الآن هو بيان الموقف الديني في مثل هذه الأحداث. ولعلنا نتحدث هنا عن مجالين اثنين. المجال الأول هو طبيعة التكييف الديني لهذه الأحداث. والمجال الثاني هو كيفية توظيف الحدث لقلب الطاولة على منفذي هذه الهجمات أيًا من يكونون، إذ النتيجة الحتمية لمثل هذه الأفعال هي الترويج لظاهرة الإسلاموفوبيا، والترويج لفكرة الإسلام الإرهابي، وهو تحد حقيقي أجدر ما يكون بنا أن نتحرك أمامه وبسرعة بالغة.

أما بخصوص المجال الأول، فالتقارير الصادرة كلها تبين موقف الإسلام من هذه الأحداث، وأن الإسلام لا يقبل بمثل هذه الأفعال، وهذا ما أكده الزهر في تعليقه على الأحداث، وأكده فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر فى البيان الصادر عن المشيخة والذى أدان فيه أعمال العنف وتقدم فيه بالمواساة لأهالى الضحايا وللفرنسيين، كما أكد فضيلة الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر ذلك  بقوله إن الأزهر الشريف يدين الأحداث الأخيرة التي وقعت في باريس دون معرفة من قام بها لقناعة ثابتة مستمدة من الشريعة الإسلامية التي تجرم قتل الأبرياء وتحرم الإرهاب بكافة أشكاله وصوره.

هذا بالإضافة إلى ما نشرعن فضيلة مفتي الجمهورية د.شوقي علام الذي دعا إلى الوحدة والتضامن بشتى صورها مع المجتمع الفرنسي ليتخطى تلك الفاجعة ويتمكن من مكافحة الإرهاب، كما أكد على أن تلك الجماعات الإرهابية تتستر تحت عباءة الدين التي هي منها براء، وأكد على الإتحاد من أجل مواجهة خطابات الكراهية والعنف المتضمنة في تلك الأيديولوجيات الإرهابية.

إذا المجال الأول واضح، والحقيقة أن المؤسسات الدينية المعتمدة لم تأل جهدًا في بيان حقيقة موقف الإسلام من هذه الأحداث، والأفعال، وإن كانت بعض هذه الخطوات تلقى قبولًا في بعض الأحيان وفي البعض الآخر لا، وهو الأمر الذي أكده فضيلة وكيل الأزهر في حواره مع وكالة الأنباء الفرنسية أن الدول الغربية ومنها فرنسا أصمت أذنها عن نداءات الأزهر المتكررة بضرورة مواجهة الإرهاب من خلال المعالجات الفكرية لأنها الأكثر تأثيرًا بدلًا من استخدام القوة التي تزيد من قوة الإرهاب، مثلما

حدث بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث عالجتها الولايات المتحدة بتدمير دول وشعوب إلا أن ذلك لم يقضى على الإرهاب في المنطقة والعالم.

أما المجال الثاني، فهو ما ينبغي أن يكون محور تركيزنا هذه  الأيام،  ولعل طبيعة الموضوع وحساسيته تستلزم منا بيانًا مطولًا في هذا السياق، لكننا سنقدم إشارات سريعة هنا، وربما تكون هناك إضافات لاحقة للموضوع.

إن الفرصة سانحة اليوم أمام المسلمين لقلب الطاولة على هذه الجماعات أيًا كان توجهها وأيًا كان من وراءها. إذا كانت النتيجة المباشرة لهذه الأحداث هو ضرب الإسلام والترويج للفكر المتطرف الذي يعادي الإنسانية، فإن هذا أكبر دافع لكل إنسان مهما اختلفت ديانته أن يبحث عن الإسلام، أو أن يحتك بالمسلمين، إما سعيًا وراء الحقيقة، وإما لمهاجمة الإسلام والمسلمين انتقامًا لقيم الإنسانية والحرية.

وسواءا كان هذا أو ذلك، فإن الفرصة مواتية للمسلمين لإظهار دينهم الحقيقي، ليس فقط للدفاع عن أنفسهم، ولكن أيضًا لإبطال أهداف هذه الجماعات المتطرفة.

وقد أدرك كثير من المسلمين هذا الأمر، وتم رصد كثير من التحركات في هذا السياق على سبيل المثال ما نشره موقع (Huff Post Religion) الذي ذكر استخدام الآلاف لهاشتاج "المسلمون ليسوا إرهابيين" لمواجهة الاسلاموفوبيا، حيث قام العديد من مناصري التعددية الدينية حول العالم باستخدام هذا الهاشتاج لدحض فكرة أن هجمات يوم الجمعة بباريس تعكس أراء ووجهات نظر المسلمين وتمثل الأفكار السائدة للدين الإسلامي. وقد تم تداول ذاك الهاشتاج على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"  يوم السبت فيما يزيد عن 267000 حساب. ولم تقتصر تلك التغريدات عبر الإنترنت على المسلمين بل اتسع نطاقها ليشمل العديد من المجتمعات الرافضة لتعميم فكرة نسبة تلك الهجمات للدين الإسلامي. ومن ضمن تلك الشعارات "الإسلام بريء من الإرهاب لقوله تعالى (.. من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).

وهو الأمر ذاته الذي نقلته وكالة (International Islamic News Agency) التي ذكرت استخدام العديد من  المسلمين حول العالم مواقع التواصل الاجتماعي لإدانة الهجمات الارهابية في باريس ومكافحة الاسلاموفوبيا، وأضاف  الخبر أنه إحياءً لحملة هشتاج "ليس باسمي"، يرسل العديد من المسلمين رسائل توضح أن تنظيم داعش، الذي أعلن مسئوليته عن الهجمات التي أودت بحياة ما يزيد عن 120 شخصًا، لا يمثل الإسلام. وقد تم إطلاق تلك الحملة من قِبَل مجموعة من شباب مسلمي بريطانيا بمؤسسة التغيير بلندن التي تهدف إلى القضاء على العنف بين الشباب. وأوضحت تلك الحملة أنهم يدينون داعش التي تسئ إلى الإسلام بارتكابهم تلك الجرائم الارهابية باسم الدين.

ومن الجدير بالذكر هنا أن نشير إلى استطلاع الرأي الذي أصدره مركز بيو للأبحاث أُجري في إحدى عشرة دولة، والذي أفاد أن الأغلبية الساحقة من المسلمين من نيجيريا إلى الأردن وحتى إندونيسا قد أعربوا عن ازدرائهم لداعش.

وكذلك ما نشرته وكالة (International Islamic News Agency) حيث صرح زعيم مسلم استرالي "جمال ريفي" أن مجتمعه يغرق في بحر الكراهية ومشيرًا إلى أن المتطرفين الذين كانوا وراء هجمات باريس وغيرها من الأعمال الإرهابية هم العدو الأول للإسلام. وأوضح أن هجمات باريس الدموية مؤخرًا تضع أستراليا محل اختبار، لذا فقد حان الوقت لنتحد في إدانتنا لتلك المنظمة الإرهابية العالمية خاصة وأنهم يرتكبون تلك الهجمات باسم الدين. وقد جاءت تلك التصريحات في الوقت الذي حذر فيه النائب العام "جورج براندس" من عزل المسلمين في أعقاب الهجوم الدموي بباريس.

إذًا الرأي العام المسلم يناهض هذه الأفعال، وهو الأمر الذي يؤكد أن ما تفعله داعش وأمثالها لا يعكس حقيقة الإسلام، وهذه نقطة إيجابية في حد ذاتها، ينبغي الانطلاق منها  والبناء عليها،  غير أن ما نؤكد عليه هو تفعيل العمل المؤسسي في الخارج، لأن العمل المؤسسي المنظم هو ما سيؤتي ثماره، وسيكون له صدى عالمي في تكتيل الجهود الدولية بشكل أقوى في مواجهة هذه الأفكار، لأن المفترض أن تكون القيم الإيجابية هي ما يجمعنا وليست هذه العمليات الإجرامية الدامية.

وحدة رصد اللغة الإنجليزية

طباعة