صناعة المنتجات "الحلال" تجارة رائجة في أوروبا

  • | الثلاثاء, 1 ديسمبر, 2015
صناعة المنتجات "الحلال" تجارة رائجة في أوروبا

لا شك أن تناول الأطعمة الحلال من الأمور التي تشغل المسلمين في كل بقاع الأرض، خاصة أولئك الذين يعيشون خارج البلاد الإسلامية ويعايشون مجتمعات ذات ثقافات وديانات مختلفة، تكثر فيها ألوان الطعام وأصناف الشراب التي قد يكون تناولها منافياً لشريعة الإسلام، التي حرمت الميتة والدم ولحم الخنزير، كما نهت عن شرب المسكرات بأنواعها مهما اختلفت المسميات.

ولقد جعل الله تعالى تحري الحلال في المطعم والمشرب من علامات التقوى فقال سبحانه: "وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون" (المائدة – 88). وبين –سبحانه- في كتابه الكريم الأصناف التي حرَّم أكلها، فقال: "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم، وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق" (المائدة-3).

وانطلاقا من ذلك يُعرض في مختلف أنحاء أوروبا أكثر من 4000 منتج حلال في السوق، حيث توجد حوالي 400 شركة في ألمانيا توفر منتجات الحلال بحسب هيئة الرقابة والترخيص لمنتجات الحلال في أوروبا. وفي فرنسا يقدر حجم تجارة الأطعمة الحلال بحوالي 5مليارات يورو سنويا. وقد امتد الأمر إلى مطاعم الوجبات السريعة، وليس فقط محلات الشاورما التي يمتلكها عرب ومسلمون، وإنما أيضا مطاعم تقدم "البيرغر".

إلا أن هناك بعض المشكلات التي يتعرض لها المسلمون كالغش التجاري وعدم حليّة بعض هذه المنتجات التي تُسوّق على أنها منتجات حلال، وقد تقرر تأسيس لجنة أوروبية جديدة للمنتجات الحلال، بعد أن كشفت مصادر مسؤولة عن الصحة الغذائية في" بلجيكا" أن 60 % من المنتجات" الحلال"المتواجدة في الأسواق الأوروبية ليست كذلك. كما يُذكر أن بعض الأوساط المسؤولة عن الصحة الغذائية في أوروبا تعطي شهادة" حلال" دون إجراء مراقبة فعالة على المنتجات، كما يتم شراء هذه الشهادة أحيانا من بلدان أخرى مثل فرنسا لتسويقها في أسواق بلد أوروبي آخر، وهو أمر ينذر بخطر بالغ. 

أما في إسبانيا التي يزيد عدد المسلمين فيها عن مليوني نسمة، فقد حققت صناعة المنتجات الحلال فيها طفرة كبيرة خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار استضافت العاصمة الإسبانية مدريد نهايات شهر أكتوبر الماضي أول معرض للأطعمة الحلال، تحت عنوان "إكسبو حلال"، والذي كانت فيه عروض للمطاعم، وأخرى لأماكن إقامة العملاء المسلمين. كما قدمت الشركات المنتجة للحوم الأغنام والأبقار والماعز الحاصلة على ترخيص "حلال" عروضها للمسلمين وغير المسلمين الموجودين طيلة فترة المعرض.

 ومن بين المنتجات التي تصدرها الشركات التي تعمل في هذا المجال في إسبانيا المعلبات، والعصائر، والدهون والزيوت النباتية، والبهارات، والأطعمة المحفوظة، والموالح، واللحوم المجمدة ولحوم الأضحية الحية.  

ولا يقتصر تصدير إسبانيا لهذه المنتجات على الدول الإسلامية فقط، لكنه يمتد إلى دول بها ملايين المستهلكين في الهند ودول أوروبا التي يبلغ عدد المسلمين فيها حوالي 90 مليون نسمة. ومن اللافت للنظر ما أكده معهد إنفو من أن المستورد الأكبر لمنتجاته ليست الدول العربية، وإنما دولة إندونيسيا التي بدأ التعاون معها مؤخرا، وكذلك باكستان، وماليزيا، وإيران التي لدى طبقتها المتوسطة إقبال كبير على شراء المنتجات المستوردة.

وتصل نفقات السائح المسلم في إسبانيا إلى ضعف ما ينفقه السائح العادي. وحسبما نُشر في أواخر العام 2014 بهذا الصدد فإن منظمة "تورإسبانيا" ذكرت أن متوسط إنفاق السائح السعودي الذي يزور إسبانيا 2287 يورو، والإماراتي 2116 يورو، والمصري 1703 يورو، يأتي هذا كله في مقابل ما يقدر بنحو 956 يورو كمتوسط إنفاق أي سائح آخر. من هنا يبدو جلياً حرص القائمين على السياحة في إسبانيا على توفير متطلبات هذا النوع من السياحة لما يدره من أرباح.  

وقد أُسّست في إسبانيا عام 2012 "مدرسة حلال" التي تعتبر مركزاً لتدريب الطهاة من الجنسين، وتقوم بالتعاون مع بعض الجامعات بالتدريس للطلاب المتخصصين في صناعة الأطعمة الحلال وكذلك من هم في مرحلة التأهيل للعمل بمجال السياحة الحلال، ويبلغ عددهم حالياً 300 طالب، كما أن المدرسة من الجهات التي تمنح اعتماد الأغذية الحلال للشركات داخل إسبانيا. وتعتبر إسبانيا بسبب وجود هذه المدرسة رائدة في مجال التأهيل للسياحة الحلال في أوروبا، وهو الأمر الذي يعد مؤشراً جيداً على براعة القائمين على السياحة في تفهم احتياجات السوق. 

إن قضية المنتجات الحلال في أوروبا جديرة بالدراسة والمتابعة، لأنها تمس الواقع المعيشي للمسلمين، وتمثل في نفس الوقت مقياساً لانتشار الثقافة الإسلامية والتزام المسلمين بها في العديد من الدول، فالتزام المسلمين بأحكام الحلال في الطعام كان سبباً رئيساً من أسباب رواج هذه المنتجات التي يتزايد الطلب عليها يوماً بعد يوم، إلا أن مشكلة الغش التجاري في هذه المنتجات تدعو إلى الحذر وعدم التعامل مع المنتجات المشبوهة دون التحقق من التزامها بضوابط الحلال الإسلامي، لا سيما وأن تحري الحلال أمر مطلوب شرعاً. وينبغي أن تكون الدول الإسلامية والهيئات الإسلامية الموجودة في الدول الأوروبية على وعي بهذه المشكلة، وأن تفعِّل الاتفاقيات الدولية حول صناعة المنتجات الحلال لتضمن حصول المسلمين على أطعمة تتوافر فيها شروط الحلال وفقا للشريعة الإسلامية.   

وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة