إصدارات إسبانية جديدة ضد الإسلاموفوبيا

  • | الإثنين, 30 نوفمبر, 2015

تزايدت حِدّة ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا تزايدا كبيرا خلال الأيام الأخيرة بعد هجمات باريس الإرهابية، ولا أدل على ذلك من التقرير الذي نشرته جريدة "لاستامبا" الإيطالية، الذي يبين أن نسبة 63% من الإيطاليين يكنون مشاعر كراهية أو خوف من المسلمين، بينما تصل النسبة في اليونان إلى 53%، وإلى 46% في إسبانيا. ولكن مع هذه الأرقام المخيفة –التي تمثل نصف عدد السكان بالبلاد المشار إليها- فإننا لا نعدم بعض الكتاب الأوروبيين المنصفين الذين يفرقون بين الإرهاب والإسلام، بل ويدعون غيرهم إلى تجنب الوقوع في هذا الخطأ، خطأ الإسلاموفوبيا. 

من الكتب الحديثة في هذا الموضوع كتاب "الإسلاموفوبيا، نحن، والآخر، والخوف"، للفيلسوف الإسباني المعاصر سانتياجو ألبا ريكو، الذي بدأ تأليف كتابه بعد موجة الإسلاموفوبيا التي تصاعدت بعد أحداث تشارلي إيبدو. الكاتب هو مفكر إسباني معاصر، ذو ميول يسارية ومعارض للحكومة، أعلن ترشحه للانتخابات التشريعية في إسبانيا الشهر القادم، وله مواقف معروفة في الدفاع عن المسلمين والعرب بشكل عام.

غلاف كتاب "الإسلاموفوبيا: نحن، والآخر، والخوف"

في هذا الكتاب يعرض ريكو وجهة نظره في أن الإشفاق والتعاطف الأكثر عقب تلك الأحداث  الإرهابية ينبغي أن يكون مع المسلمين الفرنسيين، حيث أنهم سيعانون معاناة مضاعفة: خوف التعرض لهجمات الإرهابيين الذين يعتبرونهم كفارا ، وخوف عدم تقبل مجتمعهم الفرنسي لهم ووصفهم بالإرهاب.

كما يشير ريكو في كتابه إلى أن الوضع في إسبانيا أفضل من فرنسا وألمانيا مثلا فيما يخص مشكلة التطرف، ويُرجع ذلك لسببين أساسيين، الأول أن المسلمين في إسبانيا –والذين يقل عددهم كثيرا عن فرنسا- مندمجون في المجتمع ولا توجد فرصة لتكوين مجتمعات منغلقة يتكون فيها متطرفون، والثاني أن التطرف لا يدعمه طبقة عليا أو حتى متوسطة من الشعب.

ويقترح الفيلسوف الإسباني في كتابه نظاما لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، نلاحظ أنه يشابه –إن لم يكن يطابق- النظام الذي اقترحه فضيلة الإمام الأكبر دكتور أحمد الطيب في حديثه الافتتاحي لمجلس حكماء المسلمين المنعقد في القاهرة مؤخرا - حيث يقول الكاتب إن مواجهة الإسلاموفوبيا ينبغي أن تُنفذ على مستويين، الأول هو المستوى الحكومي، ويتم ذلك بألا تفرض الحكومة قوانين على جماعة دينية ضد غيرها، وألا تصف بالإرهاب كل من يدخل على بعض الصفحات الإلكترونية أو يرتدي ملابس معينة. أما المستوى الثاني فهو المستوى التعليمي والثقافي، حيث يؤكد ريكو أن التاريخ يشبه "سلة قمامة" مليئة بالغث والسمين، وأنه من واجب المثقفين في الوقت الحالي التركيز على الإيجابيات والأشياء المشتركة بين الغرب والمسلمين، من أجل التفاهم المشترك وتجنب انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا. أما فضيلة الإمام الأكبر فيخاطب العالم أجمع في حديثه في مجلس الحكماء قائلا: "إن تجفيف ينابيع الفكر الإرهابي يجب أن يتم من خلال منظومة متكاملة تشمل التعليم والثقافة والشباب والإعلام وخطاب ديني معبر عن حقيقة الإسلام وشريعته... إننا ننتظر من الجميع -وعلى رأسهم المفكرون والمثقفون والسياسيون ورجال الأديان- ألا يصرفهم هول هذه الصدمات عن واجب الإنصاف والموضوعية ووضع الأمور في موضعها الصحيح فيما يتعلق بالفصل التام بين الإسلام ومبادئه وثقافته وحضارته، وبين قلة قليلة لا تمثل رقمًا واحدًا صحيحًا في النسبة إلى مجموع المسلمين المسالمين المنفتحين على الناس في كل ربوع الدنيا". 

كانت الأرض المشتركة التي ذكرها الفيلسوف الإسباني هي محور الكتاب الثاني الذي يدور في هذا الفلك، ألا وهو كتاب "مدريد الإسلامية"، والذي يتحدث عن أصل العاصمة الإسلامي.

غلاف كتاب "مدريد الإسلامية"

الكتاب من تأليف دانييل خيل بن أمية، المختص في الدراسات العربية، والمشارك مع "البيت العربي" في مدريد في كتابة كتاب آخر حول نفس الموضوع، يحمل عنوان "من مجريط إلى مدريد".

للكتاب فائدتان كبيرتان، أولا للمدريديين غير المسلمين، وهي تخليصهم من الآراء المسبقة حول المسلمين؛ والثانية لآلاف المسلمين الذين يعيشون بالعاصمة بإشعارهم بانتماء أكبر عندما يعرفون أن أصولهم العربية والإسلامية لا تزال موجودة في بلدهم الحالي.

ويركز هذا الكتاب على الأصل التاريخي الإسلامي لمدريد، لافتا النظر إلى أن الإسبان يرفضون هذه الحقيقة مع أنها معروفة تاريخيا، لكنهم يرفضون أن تكون عاصمتهم ورمز فخرهم هي بقايا من "العدو المسلم" الذي كان يعيش بالأندلس، خاصة وأن الإسبان –بحسب بن أمية- قد اخترعوا تاريخا وهميا كبيرا حول إنشاء الملك فيليبي لمدريد، ولهذا فإنهم سيرفضون ما يطرحه أكثر إذا ما علموا أن عاصمتهم لم تكن سوى قرية صغيرة في مملكة الأندلس الإسلامية.

يصر بن أمية في كتابه على الأصل المسلم لمدريد، مدللا على ذلك ليس فقط بالأطلال الإسلامية الباقية في المدينة حتى الآن، وإنما أيضا بالافتراضات العلمية التي تعتبر أن اسم "مدريد" نفسه مشتق من الاسم العربي القديم للمدينة "مجريط"؛ ومؤكدا أنه في الفترة الأخيرة أصبح الاتجاه السائد في إسبانيا هو التعتيم على هذه الحقائق، لأننا

جميعا نعلم أن "النظرة إلى التاريخ طالما ارتبطت بالسياسة"، كما ينبه الكاتب في هذا الكتاب على نقطة هامة، ألا وهي أن عام 2000 هو البداية لربط الإسلام بالإرهاب.

في النهاية نرى أن من واجبنا نحن أيضا –كأمة إسلامية وعربية- أن يكون لنا مثل هذه المشاركات على المستوى الدولي، وذلك عن طريق مؤتمرات مثل المؤتمر الذي أقامه مجلس الحكماء بقيادة فضيلة الإمام الأكبر، وأيضا عن طريق كتب تُترجم إلى اللغات الأجنبية نساهم بها في الحد من هذه الظاهرة ونبين فيها حقيقة الإسلام الوسطي الذي يدعو إلى السلام ونبذ العنف، ونركز فيه على نقاط الالتقاء مع الغرب وعلى الروابط الإنسانية التي تربطنا جميعا، لننقل إليهم رسالة الله إلى الناس كافة: "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا".

وحدة رصد اللغة الإسبانية 

طباعة