الأطفال في تربويات "داعش"

  • | الإثنين, 7 أغسطس, 2017
الأطفال في تربويات "داعش"

لا شك أن الدور الذي يلعبه الإعلام لدى التنظيمات الإرهابية بات يُمثّل أهمية لم تشهدها البشرية عبرَ تاريخها؛ فالإعلام أصبح المصدر الرئيس لتشكيل الوعي الجمعي لعموم المواطنين، ليس في المنطقة فقط، بل على مستوى العالم، حيث استغلت تلك التنظيمات وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، لتُطلّ علينا بوجهها الأسود وبأفعالها الإجرامية؛ لتَستهدفَ شباب العالم ببثّ سمومِها المتطرفة وإغراءاتها الهدّامة، لاستقطاب الكثير من الأفراد في المجتمع الإسلامي، ومع التطور التكنولوجي والتقنيات الجديدة، وظهور الإعلام الجديد، فقد سيطرت التنظيمات الإرهابية على مساحاتٍ شاسعة في شتّى بقاع الأرض، وانضم إلى تلك التنظيمات العديد من الأفراد على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية. 
وتعمل تلك التنظيمات على دفْع الكثير من الكتب المتطرفة إلى المكتبات العربية، من خلال إصداراتٍ حديثة على الساحة الثقافية، وبالبحث والتنقيب عن الآليّة المُستخدَمة لتلك "التنظيمات ذات الطابع الخاص" لتربية الأطفال، فقد رصَد "مرصد الأزهر" إصدارًا إلكترونيًّا يتناول تربية الأطفال وهِجرتَهم إلى بلاد الحرب؛ حيث أصدر "داعش" كتابًا ادّعى أنه "دليلٌ للأمهات الجهاديات"، حول كيفية تربية الأطفال، ومِن ثَمّ؛ فقد أطلق التنظيم على هذا الكتاب عنوانًا ذا مَعانٍ عميقةٍ لا يحمله الكثير من كتاباتٍ عديدةٍ أخرى، ويَعتمد الكتاب لمؤلفته "أم عمارة المهاجرة" على أهداف "التنظيم الداعشي"؛ من بثّ الأفكار المتطرفة واقترانها بالدموية في تربية الأطفال.
ولا ريبَ أنّ مثل تلك الكتابات تكون مجالًا خصبًا لترويج الفكر المتطرف لدى الكثير من الأفراد، خاصّةً إذا تمّ تدعيمها بالكثير من الأفكار الجهادية المتطرفة، وصبْغ تلك الأفكار بالصبغة الإسلامية، كما أن افتقاد المجتمع الإسلامي إلى الكثير من القِيَم الإنسانية ذاتِ الطابع الإسلامي، والبُعْد عن المنهاج القويم لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في التربية الصحيحة للأطفال؛ يؤدّي بالكثير من الأفراد إلى البحث عن الطرق التي تساعدهم على تربية أطفالهم على المنهاج القويم، فيقع الكثير من الأفراد في براثن تلك الأفكار؛ لِيَجِدَ نفسَه يُربّي أطفاله على الفكر الداعشي.
وقد تطرّقت الكاتبة إلى مشكلةٍ ذاتِ صِبغةٍ اجتماعيّةٍ وأخلاقيّةٍ في آنٍ واحد، كما قدّمت حلولًا واقعيّةً من خلال عرْضها لنماذجَ شائقةٍ عما أسمته "أمهات في المهجر"، قد نجحن في تربية أطفالهم على منهاج التنظيم الإرهابي، على أن يكون ذلك المنهاج هو المنهاج القويم -كما يدّعون- ومِن ثَمّ؛ تعمل تلك النماذج على إيجاد الصور الحَماسيّة في كثيرٍ من نفوس الأفراد ممّا يعمل على سهولة ويُسْر استقطاب الأفراد للتنظيمات الإرهابية.
ومن الجدير بالذكر؛ أننا نجد في هذا الإصدار مدعاةً للتربية المتطرفة، واقتران تلك التربية بأوامر الدين الإسلامي -كما يدّعون- فقد تحدثت الكاتبة عن حياة الهجرة، مرورًا بالحياة الأُسرية والاجتماعية، والحضن الأول للتربية، حتى وصلت بنا إلى بناء شخصيّةٍ مسلمةٍ مجاهدة، ولكن كيف لهذا التنظيم الذي يدّعي أنه يعمل على تربية الأطفال على أوامر الدين الإسلامي، أن يَحُثّ على تعليم الأطفال الصغار حمل السلاح؟ وهل ينصّ الدين الإسلامي على تعليم الحروف الأبجدية للأطفال على آلات الحرب؟ بأن يتمّ تعليم الباء بكلمة "بندقية"، والسين بكلمة "سيف"؟ أم أن تلك الأشياء تغرس في نفوس الأطفال لغة الكراهية والانتقام والعداوة. 

الدين الإسلامي هو الدين السمح الذي ينص على تربية الأطفال على المنهاج القويم من خلالِ صحيحِ الدين، عن طريق غرْس قِيَم التسامح والحب والمودة والعفو، ولكن تلك التنظيمات اتخذت من الدين الإسلامي ستارًا لإخفاء الأهداف الحقيقية؛ مِن سفْك دمٍ وأمْرٍ بالمنكر ونهْيٍ عن المعروف.
ومِن ثَمّ؛ تتخذ الكاتبة كلامها عن التربية من خلال (صحيح الدين الإسلامي) وسيلةً إلى بثّ الفكر المتطرف، من خلال التمهيد للقارئ بأن التربية الصحيحة هي التربية التي تَقترن ببعض القِيَم الإنسانية ذاتِ الصبغة الإسلامية مثل: الصدق والوفاء بالعهد؛ ومِن ثَمّ فإن القارئ يسعى إلى اقتناء مثل هذه الإصدارات، ومحاولة تطبيق ما تنصّ عليه، متجاهلًا ما تُخفيه أمثال تلك الكتابات من بثٍّ لأفكارٍ متطرفة، بل والدفاع عنها باعتبارها من صحيح الدين. 
وفى المقابل؛ نَجِدُ استنكار الكاتبة للقِيَم السلبية في المجتمع: كالكذب وعدم الوفاء بالعهد، وحثّها على القِيَم المتطرفة أثناء استعراضها للقِيَم الإيجابية؛ من خلال التزمت، والغلو في الحماس، والتمسك بأفكارٍ واجتهاداتٍ دينيّةٍ محددة؛ مؤدّاها رفْض الآخَر ومحاربته، انطلاقًا من رفْض عقيدته ومحاربتها، ويَقترن ذلك كله ببعض القِيَم والعبارات الجهادية الحماسية، والتي تُنشئ جيلًا مختلفًا يؤمن بالفكرة المتطرفة، ويدافع عنها بقوة السلاح ضدَّ مَن لا يؤمن بها ومَن يختلف معه فيها.
وهكذا؛ تنجح التنظيمات الإرهابية في استخدام الساحة الثقافية والوسائل الإعلامية لاستقطاب الأفراد إليها، وهدفُنا في "مرصد الأزهر" إلقاء الضوء على هذه الإصدارات، والتحذير منها، ومجابهتها بشتّى الوسائل. 


وحدة الرصد باللغة العربية

طباعة