أخوات "داعش" الوحش الذي يطارد الأبرياء

  • | الأربعاء, 9 أغسطس, 2017
أخوات "داعش" الوحش الذي يطارد الأبرياء

هناك فارقٌ كبير بين كلمة "قتْل" وكلمة "قتال"... فالقتل هو مبادرة الآخَر بالسلاح وقتله، وهذا لا يتطلب إلا قاتلًا من جانبٍ وقتيلًا من جانبٍ آخَرَ، بخلاف القتال؛ فإنه لابد فيه من طرفين يقاتل كلٌّ منهما الآخَرَ...والمعنى الذي تتضمنه كلمة "الجهاد" هو المعنى الثاني "القتال" وليس "القتل"... إن الأمر بـ "الجهاد" في الإسلام ليس أمرًا بـ "القتل"، بل هو أمرٌ بـ "المقاتلة"، أي: التصدي للمقاتل ومجاهدته؛ لردّ عدوانه ووقْف هجومه" (الإمام الأكبر، الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف)

الإرهاب... اليد الآثمة التي استحلّت دماء العباد، وباتت جماعاتها الإرهابية تعمل بكل جهدها بهدف إخراج النصوص الدينية عن سياقها؛ لتُحلّل قتْلَ هذا وذبْح ذاك. جماعاتٌ وحشيّةٌ تَستّرت بستار الدين لتجذب قلوب الشباب وغيرهم ممن لا يمتلكون ثقافةً دينيّةً واسعةً، واستخدمتهم كأداةٍ لمحاربة الإنسانية والدين على السواء. شبابٌ ربما قاده حظه العاثر للوقوع في طريق تلك الجماعات الإرهابية ليكون هو الخنجر الذي تُطعن به الأمم، ليزداد نزيفُها، ولتتشتّت شعوبُها، وتتقسّم دولُها.

ففي "باكستان"؛ التي تعاني كغيرها من الدول من هذا الشر الذي جعلها واحدةً من أكثر الدول التي خُضبت أرضها بدماء الأبرياء، أشار "قسم مكافحة الإرهاب" إلى احتماليّة تورط الجماعة الإرهابية حديثةِ النشأة "جماعة أنصار الشريعة الباكستانية" في الهجمات الأخيرة التي استهدفت قوّاتِ الشرطة بمدينة "كراتشي" الباكستانية، خاصّةً بعد إعلانها مسئوليّتَها عن الهجمات التي استهدفت رجال الشرطة في منطقة "دوراجي" في مايو ويونيو الماضيين، ومسئوليّتَها عن مقتل ضابطٍ سابق بالجيش الباكستاني في إبريل الماضي. فوَفقًا للتقويم الذي أجراه القسم "قسم مكافحة الإرهاب" فإن قِوام الجماعة الأساسي مكوّن من الباكستانيين العائدين من سوريا، وهم من يقف وراء تلك الهجمات التي استهدفت قواتِ الشرطة. لا تملك الهيئات الرسمية أعدادًا دقيقة للباكستانيين الذين غادروا البلاد بهدف الانضمام إلى "داعش"، غيرَ أن أحد المصادر الأمنية قد أعلن أن العديد من المواطنين المنتمين لطوائفَ مختلفةٍ قد انضموا إلى الجماعات الإرهابية المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط.

تجدر الإشارة إلى أن جماعة "أنصار الشريعة" (فرع ليبيا) قد أُسّست عام 2012، وبعد مقتل زعيمها عام 2015 انضم مقاتلوها إلى العديد من الجماعات المتواجدة بالشرق الأوسط، ثم إلى "جبهة النصرة" السورية (فرع "القاعدة" بسوريا)، وحركة "أحرار الشام"، وقاتلوا مع القوات الحكومية السورية ومسلحي "داعش" في سوريا. تؤيد الجماعة تنظيم "القاعدة" أيديولوجيًّا، غيرَ أنها جماعةٌ إرهابيّةٌ منفصلة عنه.

إن احتلال "باكستانَ" لمراتبَ متقدّمةٍ في قائمة الدول الأكثرِ تضرّرًا من الإرهاب –إرهاب "داعش" وأخواتها- يُشكّل تهديدًا مباشرًا، ليس على أمنها فقط، بل على اقتصادها أيضًا؛ حيث أفادت بعض التقارير إلى أن إقليم "بلوشستان" الباكستاني من المتوقع أن يصبح مركزًا تجاريًّا بسبب الممرّ الاقتصادي (الصيني الباكستاني)، وإذا تحقق هذا الأمر ستصبح "باكستان" دولةً قويّةً اقتصاديًّا وقوة بحرية كبرى في جنوب آسيا. إلا أن التزايد المستمرللتواجد "الداعشي" بالإقليم من الممكن أن يُشكّل عقبةً أمنيّةً كبرى أمام هذا التقدم الاقتصادي الذي تنظره "باكستان"، خاصّةً مع سعي التنظيم لوضع وتثبيت أقدامه في المناطق التي تشهد اضطراباتٍ سياسيّةً وعِرقيّةً بالإقليم، وبعد إعلانه الصريح عن تواجده بالإقليم؛ بتبنّيه حادثَ اغتيال الزوجين الصينيين بـ "بلوشستان"، منذ ما يقرب من الشهر. لقد بات الأمر واضحًا؛ أن هذه الجماعةَ -التي تَدّعي نصرتَها للشريعة- إنما تنصر الهزيمة... الهزيمةَ الاقتصادية والتنموية للبلاد التي تدخلها وتعمل على عرقلة مسيرة الرخاء والنمو الاقتصادي، الذي حتمًا سينقل "باكستان" نقلةً نوعيّةً كبيرةً لا يتمنّى تأخّرَها إلّا عدوٌّ لَدودٌ. إن "باكستانَ" دولةٌ قد تأسّست على أساس الشريعة الإسلامية، ومعظمُ سكّانها من المسلمين المُحبّين للدين الإسلامي والحريصين على تطبيقه، وليسوا في حاجةٍ إلى مزايدةٍ على حبهم نُصرةَ الإسلام ورفْع رايته عاليًا، ولكن ما يحدث مِن مثل هذه الجماعات التي لا يتفق اسمها مع أفعالها وممارساتها دليلٌ دامغٌ على استراتيجيتها المُضلِّلة، التي لا تهدِف إلى إعمار بلاد المسلمين، وإنما إلى خرابها...وإلصاقُ كلمة الشريعة والإسلام بمثل هذه الجرائم ظلمٌ كبيرٌ، فيجب على كلِّ مسلمٍ أن يَعيَ جيّدًا أنّ نُصرةَ الشريعة لا تعني القتل ولا ترادف سفْكَ دماءِ الأبرياء ولا تهدِف إلى دمار الأرض، وإنّما إلى إعمارها بالعلم والعمل والخير والرخاء والسلام.

طباعة
كلمات دالة: مرصد الأزهر