من الأمور المتعارف عليها في الشريعة الإسلامية أنه لا يجوز للمسلم أن يعمل في تجارة المخدرات أو غير ذلك من صور التجارة المحرمة، والكسب الخبيث لا خير فيه، وكل جسم نبت من الحرام فالنار أولى به، أما الدواعش فإنهم لا يتورعون عن ارتكاب المحظورات واقتراف المحرمات طالما أن مصلحتهم تقتضي ذلك، فبعد انحسار التنظيم انحسارًا ملحوظًا في الموصل، جفت منابع تمويله الرئيسية، بما في ذلك المواد النفطية والغاز وجباية الضرائب من السكان المحليين ومصانع الإسمنت والفوسفات، فإنه من المحتمل أن يدفع كل هذا التنظيمَ إلى البحث عن موارد جديدة للتمويل، بما في ذلك الاتجار في المخدرات لجمع الأموال، حيث أفادت تقارير إخبارية جرى تداولها مؤخرًا بأن التنظيم الإرهابي تورط في تجارة المخدرات لتعويض ما يعانيه من خسائر اقتصادية في الآونة الأخيرة، ومن ذلك المقال الذي أوردته مجلة "Fortune" للكاتب السياسي كولين كلارك، والذي تحدث فيه عن الموارد المالية والمصادر التمويلية لتنظيم داعش.
ويرى الكاتب أن من بين أكبر النتائج التي تمخضت عنها ثورات الربيع العربي التي اجتاحت الشرق الأوسط، على المستوى الجيوسياسي، ظهور طرق وشبكات جديدة للتهريب والاتجار بالمخدرات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بجانب استفادة الجماعات الإجرامية والمنظمات الإرهابية من حالة عدم الاستقرار المستمرة في المحاور الجغرافية الرئيسية بمنطقة المتوسط. فالتنظيم ومقاتلوه على دراية بمميزات مثل تلك الحالة من عدم الاستقرار؛ وطالما أكدوا، في مجلاتهم الإلكترونية التي يصدرها التنظيم بهدف الدعاية وتجنيد مقاتلين، على أن مناطق الصراع مثل أوكرانيا وسوريا تقدم فرصًا وفيرة لإقامة صلات بين شبكات العمل الإجرامي السرية.
وفي شهر سبتمبر، كشفت صحيفة "The New York Times" عن طريق جديد للاتجار بالمخدرات يمتد من صقلية إلى ليبيا اكتشفه الأسطول الإيطالي. كما كشف تحقيق أجرته إيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية، بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية أن المخدرات دخلت الإقليم الذي تسيطر عليه الدولة الإسلامية في ليبيا ويحتمل أنه تم فرض ضرائب عليها من قبل التنظيم الذي اتبع نفس الإجراءات في العراق وسوريا. كما كشفت تقارير أخرى عن معاملات بين مقاتلي داعش في ليبيا والمنظمات الإجرامية الإيطالية المتمرسة. وهناك أيضًا تقرير يكشف عن حمولة تحتوي على مليون قرص مخدر "ترامادول" تم التحفظ عليها الصيف الماضي من قبل السلطات اليونانية. وكانت هذه الشحنة خارجة من الهند ومتجهة إلى ليبيا وتابعة لكيانات الدولة الإسلامية.
وأورد الكاتب عددًا من الوقائع الأخرى، ومنها أن جماعة جند الإسلام التابعة لتنظيم داعش في شمال إفريقيا تربحت من تقديم الحماية المسلحة لتجار الكوكايين في شمال إفريقيا. كما قالت جريدة الشرق الأوسط إن داعش حقق أرباحًا من تجارة الحشيش بنقلها من العراق عبر سوريا وتركيا إلى أوروبا. وهذا كله يبين أن مقاتلي داعش ليسوا فقط متورطين في أعمال التربح من المخدرات بل إنهم يتعاطونها أيضًا. فالعديد من التقارير ترى أن الإرهابيين يتعاطون مادة الكبتاجون، المسماة بحبوب الجهاد، وهو منشط ومنبه يعمل على كبت مشاعر الألم ويزيد من الابتهاج مما يتيح للمقاتلين البقاء متيقظين في المعارك الطويلة.
وقد أشارت تقديرات المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وهي منظمة غير حكومية تخصصت في دراسة الجريمة المنظمة، إلى أن حجم سوق الكبتاجون قد يصل إلى 1.39 مليار دولار. وأن العصابات الإجرامية من سوريا وبلغاريا وغيرها من الجماعات الإرهابية والتى يعتقد تورطها في إنتاج وبيع الكبتاجون في الشرق الأوسط.
إن التورط في جرائم، لا سيما الاتجار بالمخدرات، يمكن أن يقود الشخص إلى السجن وهو، في بعض الحالات، محضن أو مفرخة التشدد الديني والتطرف المتسم بالعنف. وعندما يتم أدلجة المجرمين، تزيد احتمالية تورطهم في التخطيط لهجمات إرهابية وتنفيذها. وطبقًا لتقرير برلماني2012، " “Europe’s Crime-Terror Nexus: Links Between Terrorist and Organised Crime Groups in the European Union,” " أشار التقرير إلى أن تغلغل الهجمات الجهادية مرتبط بالجريمة، بما في ذلك الاتجار في المخدرات.
والعديد من مجندين داعش، لا سيما من أتوا من أوروبا، اعتمدوا على تجارة المخدرات كوسيلة لاستجلاب عائد بسيط، بحسب خبير مكافحة الإرهاب السويدي ماجنوس رانستورب الذي أسمى هذه العملية "التمويل المصغر للخلافة". وهذه العائدات من المخدرات أتاحت للإرهابيين في أوروبا مرونة مالية بحيث يسافرون من وإلى سوريا بالإضافة إلى ادخار المال للمساعدة في شراء لوازم التخطيط للهجمات الإرهابية مثل الأسلحة والمعدات والهواتف النقالة.
وحدة رصد اللغة الإنجليزية