"الجهل بالدين" رافدًا للإرهاب

  • | الإثنين, 14 أغسطس, 2017
"الجهل بالدين" رافدًا للإرهاب

لا شك أن الجهل بشكلٍ عامٍّ والجهل بالدين بشكلٍ خاصٍّ، أهم روافد التطرف وإلإرهاب؛ فالجهلُ دائمًا مصدرُ الدمار والهلاك، وإذا ما انضم إلى هذا الجهل عاطفةٌ دينية غيرُ راشدة، فإنها تُوظّف هذا الدين في اتّجاهٍ مُعاكسٍ لمقاصد الدين العليا وغاياته السامية. حدث هذا في التاريخ مرّاتٍ عديدةً، وتَسبّبَ في كوارثَ للبشرية، ولم تخرج منه البشرية إلا بالعلم والفهم الواعي للدين. ومن أجل هذا المعنى كانت الهيئات الدينية هدفًا لجماعات الظلام والتطرف، تحاول بشتى الطرق أن تهدم رمزيّةَ علماء الدين مهما كانت مكانتُهم في نفوس الناس.

وفي محاولة "مرصد الأزهر العالمي لمكافحة التطرف" تفكيك الأيديولوجية المتطرفة؛ فإنه يسعى للكشف عن مصادر هذه الأيديولوجيات، مستعينًا في ذلك بالأخبار التي ترصد تحركاتِ المتطرفين وأنشطتَهم، في محاولةٍ للتعرّف على هذه العقلية الإرهابية. وقد نشَر "مرصد الأزهر" قبل ذلك ما يفيد أن الوثائق المُسرَّبة من "داعش" أَظهرتْ أنّ غالبية المنضمين لـ "داعش" لا يعرفون شيئًا عن الدين الإسلاميّ، وإن كان هذا الأمرُ طَبَعيًّا وليس مدعاةً للاندهاش والتعجب.

وتتوالى الحقائق التي نشاهدها على أرض الواقع؛ لتدعمَ هذا الكلام وتؤيده؛ فقد صَدرتْ مؤخّرًا دراسةٌ عن الأمم المتحدة أَوضحتْ أنّ المقاتلين الأجانب في سوريا يَفتقرون إلى الفهم الصحيح للإسلام؛ وذلك حسَبَ ما أورده موقع صحيفة  Independent. فقد أكّدت الدراسة أن الشباب الذين يغادرون منازلهم وأوطانهم للالتحاق بالجماعات الإرهابية في سوريا يأتون أساسًا من خلفيّاتٍ محرومة ومستوياتِ تعليمٍ منخفضة و"يَفتقرون إلى أيِّ فهمٍ أساسيٍّ للمعنى الحقيقي للجهاد، أو حتّى للعقيدة الإسلامية".

وقد أفاد التقرير، الذي استند إلى مقابلاتٍ مع 43 شخصًا من 12 دولةً، "أن معظم المقاتلين العائدين ينظرون لدينهم فقط من منظورِ منظومةِ العدالة والظلم، وليس من حيث التقوى والرُّوحانيّة".
ولعل هذا الجهل هو الذي سهّل مَهَمّة هذه التنظيمات في اجتذاب هذه الأعداد الهائلة من هؤلاء الشباب، من خلال وعْدهم بالأموال والمنازل وحتى الزوجات. ففي أعقاب إعلان تنظيم "داعش" الإرهابي عام 2014، أَنتج التنظيم قدرًا هائلًا من الدعاية التي تسعى إلى اجتذاب المسلمين، بالوعد بحياةٍ خالية من الاضطهاد الغربيّ المُفترَض، وحياةٍ مليئة بالراحة والسلام، ولا شك أن مثل هذه الدعايات لا يمكن أن تُقنعَ سوى ضعافِ الفهم محدودي المعرفة، خاصّةً مع وجود عاطفةٍ دينيّةٍ غيرِ صحيحة.
وتَفتح هذه الحقائقُ المجال لأكثرَ من سؤالٍ، يحتاج إلى إجابة:
من المسئول عن التعليم الدينيّ في المجتمعات الغربية؟ وهل تتحمّل الحكوماتُ الغربيّة مسئوليّةَ فتْح الباب لدُعاةٍ غيرِ مُعتمَدين مِن قِبَل الهيئات الدينية المُعتبَرة؟ وكيف يمكن نشْر المعرفة الدينية الصحيحة التي تَقي الشبابَ من بَراثن هذه الجماعات؟
هل يصبح من المنطقيّ هنا دعْمُ دور الهيئات الدينية المعتدلة أم مهاجمتها وتزييف الحقائق بشأنها؟
إذَا كان قدرٌ كبيرٌ من هؤلاء الشباب قدم من الغرب، فلماذا لا تسعى الدول الغربية للتعاون الحثيث مع الهيئات الإسلامية المعتدلة مثل الأزهر الشريف؟ 
إنّ فضيلة الإمام الأكبر لا زال يؤكّد في جميع المحافل الدولية واللقاءات الدبلوماسية استعدادَ الأزهر التام لتدريب أئمة الدول الأجنبية وتزويدهم بالأدوات اللازمة؛ لنشْر الفكر الدينيّ الوسطي بما يتماشى مع مقاصد الشرع الحنيف ورُوح العصر الحديث. كما يُعرب الأزهر الشريف دومًا عن توفير مِنَحٍ دراسيّةٍ للشباب من هذه الدول؛ لدراسةِ اللغة العربية ودراسة الدين الإسلامي وَفقًا للمنهجية الأزهرية، التي صمدت أمام تحريف الجاهلين لأكثرَ من ألف عامٍ. إنّ مثل هذه التحركات هي الكفيلة بالقضاء على أهمّ رافدٍ من روافد الإرهاب؛ وهو الجهلُ بالدين.

وحدة رصد اللغة الإنجليزية
 

طباعة