مظاهر التضليل في الخطاب الداعشي .. (1) التعميم

أ.د/ أسامة نبيل المشرف العام على مرصد الأزهر

  • | الجمعة, 18 سبتمبر, 2015
مظاهر التضليل في الخطاب الداعشي .. (1) التعميم

اعتمد الخطاب الداعشي على وسائل عديدة ليصل بها إلى تضليل العقول والعبث بالأفكار وتشويه صورة الإسلام السمحة، إلا أن الله متم نوره ولو كره الدواعش المضللون .

ومن أساليبهم التضليلية اعتمادهم على التعميم في إطلاق الأحكام على أنفسهم أو على المخالف لهم وتصوير موقفهم على أنه الحق وأن ما عداه باطل لا خير فيه بل وتصوير ما يذهبون إليه من شذوذ فكري على أنه المجمع عليه بين العلماء وأنه من المسلمات الدينية التي يؤدي جحدها إلى الخروج من الملة أو الكفر .

ومن ذلك ما نشر في مجلتهم دار الإسلام الناطقة بالفرنسية تحت عنوان ( إحياء الرق قبل قيام الساعة ) من قولهم : " يجب أن يتذكر المرء أن أسر عائلات الكفار وأخذ نسائهم كسبايا هو أمر راسخ في الشريعة ،وإن كان هناك من يريد أن ينفيه أو يستهزئ به فإنه بذلك ينفي أو يستهزئ بآيات القرآن والسنة ،ويكون بذلك مرتدا عن الإسلام "

فهو مبدئيا جعل السبي أمرا راسخا في الشريعة معمما الحكم غير ذاكر لتفصيل، متجاهلا عمدا أن مفهوم السبي كان مرتبطا بفترة تاريخية وأن الشرع الشريف كما هو معلوم من كتب الشريعة تشوف وبدأ فعلا في إلغاء الرق وأن الرسول وإن كان قد أسر البعض أحيانا معاملة بالمثل ولإظهار قوة المسلمين حتى لا يُعتدى عليهم ولا يظن بهم الضعف، فإنه رد الأسارى ومن عليهم كما فعل مع أهل مكة مثلا حين فتحها وقال لهم فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن" وفي رواية أنه قال لهم ما تظنون أني فاعل بكم قالوا : خيرا أخ كريم وابن أخ كريم فقال صلى الله عليه وآله وسلم " اذهبوا فأنتم الطلقاء " وقبل صلى الله عليه وآله وسلم مفاداة الأسرى في مواقف أخرى كثيرة .

ثم نجدهم يجعلون من يرفض القول بأن السبي ( الذي يمارسونه ظلما وبغيا وعدوانا ) أمر شرعي كمن يرفض أو يستهزئ بشريعة الله وبالتالي فهو كافر مرتد وبالتالي يستحلون دماء المسلمين المعصومة ! فأي دين هذا ؟!

وفي مقال آخر في نفس المجلة تحت عنوان " الخلاص في البيعة والسيف " نجدهم بعد التحريض على قتل وتفجير السلميين من أمريكان أو فرنسيين يخاطبون القارئ بقولهم: " فلو أن نفسك ترفض هذا ( يقصد القتل والتفجير ) فاعلم أن إخوانك سيفجرون ويقتلون وأن دمائهم وأموالهم ستصبح غنيمة في كل مكان ، إذا فاطرح على نفسك بعض الأسئلة بخصوص دينك لأنك في خطر عظيم لأن الدين لا يوجد بلا ولاء وبراء"، هكذا إذا دونما تفصيل لأحكام المعاهد والذمي ودونما تفرقة بين المقاتل وغيره و دونما بيان لقول الله تعالى " لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " ( الممتحنة:8)، ثم من التضليل والعبث أن جعلوا الولاء والبراء ما يرونه هم فمن لم

يكن معهم مواليا لهم ولأفكارهم الشاذة الدموية كان كافرا مرتدا ! فبأي دين يؤمنون ؟! اللهم إلا دين الكذب والتدليس.

وفي نفس المجلة المذكورة في مقال بعنوان " شريعة الله أم شريعة البشر " بعد أن قرر الكاتب أن حكم التنظيم الإرهابي حكم إسلامي صحيح، يقول: " فاحذر، فإنك بقتال الدولة الإسلامية تقع في الكفر من حيث تدري أو لا تدري " ثم يعمم ويجعل رأيه كأنه الحق المطلق فيقول " وهذا الحكم مما ينبغي ألا يشك فيه مسلم "

مرة أخرى يمارس الكاتب التعميم فيجعل أولا نظامهم الدموي المضلل الكاذب نظاما إسلاميا منفردا لا يوجد سواه، ثم يبني على ذلك حكما أشد وطأة فيقول إن محاربة هذه الدولة كفر ! هكذا يضلل أتباعه فيعمم الأحكام ويطلقها جزافا، ومن عجب أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختلفوا فما كفر أحد منهم الآخر، وأعجب منه أن الفريق الذي كفر صحابة رسول الله إنما هم الخوارج، فكأن ما تمارسه داعش وغيرها من إطلاق الأحكام التعميمية بالكفر على جموع المسلمين امتداد لما فعله الخوارج الأول .

وإنا لنذكر المسلمين بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن يُسَيْر بْن عَمْرٍو قَالَ قُلْتُ لِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْخَوَارِجِ شَيْئًا ؟ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ - وَأَهْوَى بِيَدِهِ قِبَلَ الْعِرَاقِ– (يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ)

إن كتابات هؤلاء البغاة وخطاباتهم المرئية والمسموعة والمقروءة لتمتلئ بهذا التعميم والكذب والتضليل، ولعل المطلع على كتاباتهم وخطاباتهم يدرك هذا، وإننا لنكتب هذا قياما برسالة الأزهر في فضح عوار كل فرقة ضالة تدخل على الدين ما ليس منه وحفظا لشباب الأمة من الانخراط في حبال هذه التنظيمات الدموية الكاذبة الضالة المضلة، ولطالما كان الأزهر الشريف هو الدرع الواقي لهذه الأمة يحفظ عليها أمر دينها دونما غلو أو تفريط .

طباعة
كلمات دالة: مرصد الأزهر