قراءة في كلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف في المؤتمر العالمي للإفتاء والدروس المستفادة

  • | السبت, 12 سبتمبر, 2015
قراءة في كلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف  في المؤتمر العالمي للإفتاء والدروس المستفادة

في كلمة رصينة ألقاها فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف أمام حشد من المفتين فى العالم الإسلامي في افتتاح المؤتمر العالمي للإفتاء، حدد فضيلة الإمام الأكبر أسس تطوير الفكر الإسلامي في أمور الإفتاء، وهي كلمة تتطلب قراءة دقيقة لتعظيم الاستفادة من جوهرها الثمين ومعانيها البليغة التي تؤكد على دور الأزهر الشريف في تجديد الفكر الإسلامي في العصر الحديث .

وامتدادا لسلسلة الحفاظ على مصر و وسطية منهجها الديني التي يقوم بها الأزهر الشريف، جاءت كلمة الإمام في هذا المؤتمر واشتملت على كثير من الأفكار الإصلاحية الداعية إلى البعد عن الجمود وإلى الانطلاق إلى آفاق الاجتهاد والتجديد الذين هما من سمات شمولية وعالمية هذا الدين الذي جعله الله مناسبا لكل مكان و زمان .

المفتي بين النظرية والتطبيق :-

ابتدأ الإمام كلمته - وهو شيخ الأزهر وإمامه - بذكر تجربته فى الإفتاء مدة عام ونصف، وكأنما يشير بذلك لأن كلمته إنما هي عن إدراك ملموس لواقع الإفتاء الذي مارسه بنفسه فليس كلامه خارجا عن معرفة نظرية فقط وإنما عن ممارسة عملية مكنته من طرح مشكلات منظومة الإفتاء في عاصرنا الحاضر، ومعنى آخر يستنبط من هذه الإشارة وهو أنه لا يصح لمتصدر للفتوى أن يتكلم قبل أن يتعلم وأن الدراسة لا تعني المطالعة السريعة وإنما العكوف على البحث والمدارسة قبل الممارسة الإفتائية ولعلنا نستفيد من ذلك أن غالب فوضى الفتاوى التي تطل علينا اليوم إنما هي ناتجة عن أن كل قارئ لكتاب أو كتابين من كتب التراث راح يتصدر للفتوى وكأنه شيخ زمانه دون رجوع ولا أخذ بالمنهج الصحيح، ثم أشار الإمام الأكبر حفظه الله تعالى إلى أنه لطالما تهيب وتخوف من هذا الموقع – الإفتاء – لا لقصور في الناحية العلمية الفقهية التي يجيدها أي أزهري أمضى تسع سنوات في دراسة الفقه خمس مرات أسبوعيا، لكن التخوف يأتي من فكرة أن المفتي يكون بين الله وعباده ولا رقيب عليه إلا الله وضميره وما تستقر عليه نفسه بعد البحث والدراسة، فيخشى أن يحل حراما أو أن يحرم حلالا، ولكنه كلما لامسه التهيب والتخوف تلمس في جنبات دينه ما يرفع عنه الحرج متذكرا قول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم " لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها " فكانت تهدأ نفسه ويطمئن خاطره فإنه لم يسع إلى الإفتاء ولم يطلبه .

ثم تطرق حديث الإمام إلى أن ما أصاب هذه الأمة من توقف للتجديد والاجتهاد إنما كان منشأه التحرج والتأثم وتخوف المفتي من أن اجتهاده وخروجه عن فتاوى الأئمة السابقين عليه قد يكون  إحلالا لحرام أو العكس، ثم علق فضيلة الإمام على هذا الموقف الذي يدل ظاهره على تدين المفتي وخشيته لله، أن هذا التأثم والتحرج الذي بسببه يلجأ المفتي إلى التحريم في مواقف كثيرة تمسكا بفتاوى سابقة لها ظروفها المكانية والزمانية والشخصية قد يكون صاحبه واقعا تحت طائلة قوله صلى الله عليه وآله وسلم " اللهم من ولي من أمر امتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه " موضحا أن المفتي واحد ممن ولي من أمور المسلمين شيئا، فإن شق عليهم بالتعنت والتشدد وقع تحت دعاء رسول الله عليه ! فقال " وليس صحيحا أن المشقة التي حذر منها الحديث الشريف قاصرة على من يشق على الناس في حياتهم العملية وفي معيشتهم، بل هي تنطبق تمام الانطباق على من يشق عليهم بفتوى شرعية ترهقهم من أمرهم عسرا .."

وبعد أن أوضح الإمام أن التأثم والتوقف على فتاوى السابقين ليس هو السلامة دوما، انتقل إلى الحديث عن أن الأحكام الشرعية  تدور مع علتها وجودا وعدما فإن وجدت علة التحريم كان الحكم بالتحريم وإن لم توجد العلة لم يكن الحكم بالمنع صحيحا ومثل لذلك في وقتنا الحاضر باقتناء التحف والتماثيل التي كانت محرمة في صدر الإسلام لعلة الشرك إذ كان يخشى على المسلمين أن ينتكسوا مرة أخرى بعبادة التماثيل فكان التحريم، أما وقد استتب الأمر للإسلام وترسخت عقيدته في القلوب ولا يوجد مسلم واحد يعبد تمثالا من دون الله ثم يدعي مع ذلك أنه مسلم موحد، فعلة الخوف من الشرك لم تعد موجودة، فكيف يظل الحكم في نفس الأمر بالتحريم هو المفتى به ؟ خاصة ورسول الله ضمن لنا أنه لن يعود أحد من المسلمين إلى الشرك بعد انتقاله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى فقال فيما اتفق عليه الشيخان " والله إني ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي .." مشيرا إلى أن الوقوف والجمود على فتاوى السابقين بالتحريم والم

طباعة
الأبواب: قضــايا أخرى
كلمات دالة: مرصد الأزهر