نظرًا للخسائر التي تَكَبَّدها تنظيم "داعش" الإرهابيّ خلال الآونة الأخيرة في سوريا والعراق؛ كان عليه أن يبحثَ عن بدائلَ أخرى تضمن له البقاء في واجهة الأحداث بالعالم، فقد بدأ نجْم "داعش" يظهر في أفغانستان منذ عام 2015، إلّا أنه لم يكن بالقوة التي يمكن من خلالها القولُ: بأن "داعش" قد يجد من أفغانستان ملاذًا له لتحقيق أهدافه المزعومة بإقامةِ خلافةٍ، فيما يُطلق عليه؛ "ولاية خراسان"، التي تضم: "أفغانستان وباكستان وإيران".
ومنذ أن ظهر التنظيم الإرهابي في أفغانستان؛ فإن تأثيره بدأ يَتنامى في المنطقة عمومًا، وفي أفغانستان بشكلٍ خاصّ.
ومن خلال متابعة "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" أوضاعَ وتَحَرُّكات "داعش" في أفغانستان، لم يَتمكّن التنظيمُ حتّى الآنَ من إحراز أيِّ تَقَدُّمٍ ملحوظٍ، ولم يُسفرْ وجودُه في شرق أفغانستان سوى عن قتل المئات من الأبرياء، وترويع الآمنين، حيث لم يكن بجديدٍ على هذا التنظيم أن يرتكبَ كلَّ ما هو مُنافٍ لتعاليم الإسلام التي ترفض بشِدّةٍ مثلَ هذه الجرائم الوحشيّة التي يرتكبها باسمه.
حيث أقدم التنظيم مطلعَ العام الميلاديّ الجاري على حرق نحو 56 منزلًا بـ "ننجرهار"؛ ما دفع بعضَ السكان إلى مغادرة منازلهم، والتي استخدمها التنظيم فيما بعدُ كقاعدةٍ لانطلاق عملياته ضد "طالبان" والحكومة الأفغانية، الأمر الذي ساهم في تعزيز تواجدهم بالولاية، وبعد فشل "داعش" في نزْع السيطرة من أيدي "طالبان" بولاية "ننجرهار" حتى الآنَ، والتي كان يَرنو "داعش" إلى جَعْلِها عاصمةً جديدةً له؛ تَوَسَّعَ في أنشطته الإرهابية في المناطق الشماليّة والغربيّة أيضًا، حيث قام تنظيم "داعش" مؤخّرًا باستهداف السفارة العراقية في مدينة "كابل" عاصمة أفغانستان، يوم 31 يوليو 2017.
وقد أعلن التنظيم مسئوليّتَه عن هذا الحادث، كما أعلن أيضًا مسئوليّتَه عن تفجير مسجد "جوادى" بولاية "هرات" غرب البلاد، والذي راح ضحيَّته أكثرُ من 100 شخصٍ ما بين قتيلٍ وجريح، وذلك بعد أيّامٍ قليلةٍ من استهداف السفارة العراقية، كما أَقْدَمَ هذا التنظيمُ الإرهابيُّ على ارتكاب جريمةٍ نكراءَ بحقّ أهالي منطقة "ميرزا أولانج" بولاية "سربل"، شمالَ أفغانستان، بعد أن سَيْطَرَ عليها يوم 6 أغسطس 2017 عقبَ معاركَ داميةٍ مع قوات الأمن دامت 48 ساعة؛ حيث قام التنظيم بقتل أكثرَ من 50 شخصًا في هذه المنطقة بين مدنيٍّ وعسكريٍّ، و أَسَرَ نحو 150 أسرةً، وقد ذَكرتْ بعضُ وسائل الإعلام أن "طالبان" اشتركَتْ مع "داعش" في ارتكاب هذه الجريمة، إلّا أن هناك مسئولين أفغانًا قد استبعدوا هذا الأمرَ، وقد حَسَمَ تنظيم "داعش" الأمرَ؛ بإعلانِ مسئوليّتِه عن هذا الهجوم.
وطِبقًا لبعض المصادر الإعلاميّة؛ فقد كَثّف "داعش" و"طالبان" من انتهاكاتِهما ضد المدنيين خلال الآونة الأخيرة؛ من ابتزازٍ وسرقةٍ ونَهْبٍ واستهدافٍ للمنازل والمساجد، ثم تَحَوَّلَ الأمرُ بعد ذلك إلى معاركَ داميةٍ بين الجانبين، في محاولةٍ من كلٍّ منهما للوصول إلى أهدافه الخاصّة.
في السياق ذاتِه؛ أشار "محمد رضا غفوري"، المُتحدِّثُ باسم حاكم ولاية "جوزجان"، شمالَ أفغانستان، إلى أن حركة "طالبان" وتنظيم "داعش" يَتنافسان في الوقت الراهن على البقاء والتَّوَغُّل في أراضي الدولة؛ عن طريق: التفجيرات الإرهابيّة، وتهجير المدنيين قَسريًّا، وعمليات اختطافٍ لنساء وناشئين، وأَسْر شبابٍ وشيوخٍ، وسرقة أموالهم ونَهْب ممتلكاتهم، واحتلال منازلهم واستخدامها مَعاقِلَ لهم ومَخازِنَ لأسلحتهم.
وعلى ما يبدو؛ فالهدفُ من المعارك الدائرة بين "داعش" و"طالبان" ليس قَصْدَ الجهاد ولا إنشاءَ دولةٍ، ولا حتى إقامة شَرْع الله في الأرض، وإنما هي حربٌ هَدَفُها المالُ والثَّروة، ولا تَمُتُّ للإسلام ولا الجهاد بأيِّ صِلَة.
وأخيرًا؛ يَرى "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف"، أن دخول تنظيم "داعش" إلى أفغانستان وسيطرتَه على بعض الأراضي، إضافةً إلى تَواجُد حركة "طالبان" بها، سيَزيد بالفعل من تدهور الوضع الأمنيِّ وتَعقيدِه، وسيُطيل أَمَدَ المعاناة والآلام التي يُلاقيها الشعبُ الأفغانيُّ؛ بسببِ ازدياد العمليّات الإرهابيّة هناك، والتي وَصلتْ إلى 129 عمليّةً إرهابيّةً خلالَ الشهرِ الماضي فقط (يوليو 2017م)؛ وأَدّتْ إلى استشهاد ما يَقْرُبُ من 500 شخصٍ وإصابة حوالي 216 آخَرينَ، فضلًا عن إعدام ما لا يَقِلُّ عن 48 واختطاف 109 تقريبًا، بواسطةِ مُسَلَّحينَ من كلتا الجماعتين.
ونَتَجَ عن الغارات الجوية والمُداهمات الأمنية لمواضع تَجَمُّعِهم؛ ما يَقْرُبُ من مقتل 619 تكفيريًّا وإصابة ما يقرب من 100 شخصٍ واعتقال حوالي 317 آخَرين. كما سيَخلُقُ هذا الوضعُ -في حالةِ استمرارِه واتّساعِ نِطاقِه- تَحدّياتٍ أمنيّةً كثيرةً لدول الجوار؛ كطاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان من الشمال، وإيران من الغرب، والصين والهند من الشرق، وباكستان من الجنوب. والتي يَعُدُّها تنظيمُ "داعش" أعداءً له.
وحدة رصد اللغة الفارسية