مسلمي الهند بين مطرقة الطائفية وسندان السياسة

  • | الجمعة, 11 سبتمبر, 2015
مسلمي الهند بين مطرقة الطائفية وسندان السياسة

وحدة الرصد باللغة الأردية

        الهند تلك البلاد العريقة ذات الدستور العلماني، والتي تضم على أرضها أكبر أقلية في العالم – الأقلية المسلمة –يبلغ تعدادها حسب الإحصاءات والدراسات ما يقرب من 180 مليون مسلم تطالعنا وسائل إعلامها المختلفة بين الحين والآخر بتقارير وإحصاءات عن الأعداد المتزايدة لمسلمي الهند، والتي يعتبرها بعض رجال السياسة والدين الهندوسي ناقوس الخطر الذي يدق لينذر بقرب وقوع البلاد مرةً أخرى فريسة للحكم الإسلامي إذا ما استمر تزايد المسلمين على هذا النحو، ولذلك يناشدون الحكومة والمجتمع الهندوسي بتوخي الحذر ومواجهته بشتى الطرق، فالهند – حسب زعمهم - تبقى هندوسية في المقام الأول برغم نظامها العلماني.

في عام 2011م نُشرت إحصائية تدَّعي أن معدل الزيادة في تعداد مسلمي الهند قد زاد في الفترة من عام 2001 وحتى عام 2011م بنسبة 24.6 مقابل 16.8 للهندوس، وهو الأمر الذي أثار ضجة كبيرة في وسائل الإعلام الهندية، وأحدث بلبلة في الأوساط الهندية المختلفة، مما دعى الحكومة وقتها لتشكيل لجنة للوقوف على أحوال المسلمين الاجتماعية والاقتصادية والتعليمة. بعد أن انتهت اللجنة من عملها نشرت تقريرًا يُعرف باسم تقرير "ساشار" والذي بدد سوء الفهم الذي حدث حول الزيادة في تعداد المسلمين بسبب تقرير 2011م[1].

       وفي الأيام القليلة الماضية أُثير الموضوع مرة أخرى، وتجدد الحديث عن الزيادة  في تعداد مسلمي الهند عندما قامت دورية ((Organizer التابعة لحزب "آر إيس إيس" بنشر مقالاً يتناول تقرير عام 2011م السابق ذكره، وطرحت فيه تساؤلاً: "هل الزيادة في تعداد المسلمين مؤامرة لإضفاء الصبغة الإسلامية على الهند؟!"، وأضافت الدورية أن الانخفاض في تعداد السيخ والهندوس حسب ما ورد في تقرير 2011م أمر مقلق، حيث أن هذا الانخفاض يقابله زيادة في الطرف الآخر، وبالتالي يتعين اتخاذ إجراءات صارمة لسد هذا الباب. كما طرحت الدورية تساؤلاً آخر: "هل زيادة النمو مقتصراً فقط على العائلات المسلمة؟ وهل هذاالأمر متعلق بتدني المستوى المعيشي لهذا المجتمع– المسلم - كما تدعي بعض التقارير؟" وألمح التقرير إلى أنه بحلول عام 2050م من المتوقع أن يصل عدد المسلمين إلى 311 مليون نسمة بنسبة 11% من تعداد سكان العالم. وبالتالي ستكون الهند أكبر دولة للمسلمين من حيث العدد[2].

هذا وقد توالت ردود الأفعال المتباينة والمعقبة على هذه الإحصائية وعلى إعادة نشرها، حيث صرّح "ساكشهي مهراج" أحد أعضاء حزب "بهارتيا جاناتا" – أحد الأحزاب الهندوسية المتشددة، وهو الحزب الذي ينتمي له رئيس الوزراء الحالي ناريندار مودي - أن الارتفاع في أعداد المسلمين مقابل الهندوس شيء مقلق للغاية، ويشكل خطرًا جمًا على البلاد، لأنه سيؤدي لوجود خلل في التركيبة السكانية للهنود، وإذا استمر الأمر على هذا النحو دون تدخل حكوميّ سنجد أنفسنا بعد خمسون عامًا من الآن نواجه نفس المأساة التي واجهتنا سابقًا عام 1948م – عام التقسيم – وأضاف أنه من واجب السلطات أن تتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة وذلك عن طريق تفعيل قانون مدني موحد من شأنه أن يحد من تلك الزيادة السكانية[3]. يُذكر أن "شاكسهي مهراج" كان قد طالب المرأة الهندوسية في وقت سابق بضرورة إنجاب أربع أطفال على الأقل من أجل حماية التواجد الهندوسي على أرض الهند[4].

هذا وقد أيدّ حزب "شيفا سينا" – أحد الأحزاب السياسية ذات الخلفية الهندوسية المتشددة - تصريحات النائب "ساكشهي مهراج"، وأعلن الحزب عن قلقه البالغ بعد نشر هذه الإحصاءات، وصرّح أن تلك الزيادة الكبيرة في تعداد المسلمين تعود للسياسة الدينية، حيث تريد بعض القوى الدينية أسلمة الهند وإعادة حكم الدولة المغولية – الإسلامي- مرة أخرى، ولا يجب أن نفاجأ بعودة هذه الدولة مرة أخرى على أكتاف الدولة العلمانية بعد خمسون عامًا من الآن إذا لم نتحرك ونحجم هذا الأمر. وأضاف حزب "شيفا سينا" أن الأنشطة التي تمارس في المساجد والمدارس الدينية يجب أن تتوقف، ويجب أن نتوحد كهندوس لمواجهة هذه القوى المعادية، خاصة وأن تزايد أعداد المسلمين ناتج بسبب التهاون في تطبيق القوانين، حيث لا توجد قواعد صارمة لتنظيم الأسرة، وبالتالي يتزوج المسلم بأربعة زوجات وينجب ما يقرب من خمسة وعشرون ابنًا". كما توجه الحزب بحديثه للهندوس وأكد عليهم ضرورة الضغطعلى الحكومة من أجل تفعيل القوانين الصارمة لمواجهة هذا الأمر[5].

أما "هاردك باتيل" أحد الزعماء الهندوس الشبابفقد قالها صراحةً أن: "الهند للهندوس فقط، فإذا كان المسلمون مثل الرئيس الأسبق إيه بي جي عبد الكلام" – عالم نووي كبير، تولى رئاسة الهند في الفترة من 2002م وحتى 2007م - فلا مشكلة من بقائهم بالهند وسنرحب بهم، أما إذا كانواْ مثل "داوود إبراهيم" – إرهابي متورط في عدد كبير من العمليات الإرهابية التي حدثت في الهند - فيصعب بقائهم بيننا[6].

وعلى الجانب الأخر فقد لاقت تلك الإحصائية ردود أفعال شاجبة لها وللتوقيت الذي أُعيد نشرها فيه، حيث صرح "م. أفضل" المتحدث الرسمي باسم حزب المؤتمر الهندي أن إعادة نشر تلك الإحصائية مؤسف للغاية، والغرض الأساسي منه هو بث الرعب في قلوب الأغلبية الهندوسية من الأقلية المسلمة[7]، وهو ما أكد عليه "حاجي إكرام الحسن" رئيس لجنة إتحاد مسلمي عموم الهند، وشدد على أن مثل هذه الإحصاءات من الممكن أن تتسبب في زرع الكراهية بين المسلمين وغيرهم من معتنقي الديانات الأخرى[8].

كما اعتبر"سيد محمود أشرف" رئيس حزب "جي دي يو" أن نشر مثل هذا التقرير في هذا الوقت وقبيل الانتخابات المحلية بولاية "بهار" الهندية هي ورقة لعب لإخفاء فشل الحكومة الحالية في تحقيق الوعود التي وعد بها رئيس الوزراء الحالي "ناريندر مودي" قبل الانتخابات البرلمانية، وتمرير رسالة للهندوس مفادها "إن لم تتحدوا فإن معدل زيادة المسلمين هو إنذار خطر لكم". وأضاف أن نشر مثل هذا التقرير يُعرِّض علمانية الدولة والتوافق الوطني بين المسلمين والهندوس للخطر. وناشد "سيد محمود أشرف" مواطني ولاية "بهار" بإبطال خطة الحزب الحاكم عن طريق إبعادهم عن تولي حكم الولاية[9].

والسبب في انزعاج المسلمين من هذه الإحصائية أنها قائمة على أساس طائفي لا يتناسب مع التوجه العلماني للدولة الهندية والذي يحاول المسلمون الحفاظ عليه لضمان حقوقهم. كما أنها تحض على الفتنة، وربما بسببها تحدث مواجهات طائفية بين المسلمين وغيرهم نتيجة للخوف الذي زُرع بسببها في قلوب الهندوس، وشعورهم المتزايد باحتمال فقدان الهند وسيطرة الحكم الإسلامي عليها مرة اخرى.

 

 

 

 


طباعة