تابعتْ جموع الشعب المصري ما تداولته المواقع الإخبارية وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي عن رفع عَلَمٍ للمِثلية الجنسية على أرض الكنانة، مصرَ الأزهرِ والكنيسة، مصر التي كانت وما زالت منارةَ العِلْم الديني والشرعي الذي يستضيء بنوره كلُّ مَن أراد هدايةً ورشادًا في الدنيا والآخرة.
والحق أن هذا الموقف قد أثار سخط الجميع، إذ تأباه كل الديانات السماوية وترفضه الفطرة السوية وكذا الأخلاق المجتمعية في البيئة الشرقية التي تربينا بين أحضانها.
إن الله - عز وجل - لما خلق البشر جعل لهم منهجَ حياةٍ يسيرون عليه؛ حتى لا يَضلّوا الطريقَ وحتى يحققوا عمارة الأرض ـــــــــ المقصد الأسمى الذي خلقهم الله من أجله ـــــــــ وكان مما شرع سبحانه وتعالى التزاوج بين الرجال والنساء بغية التكاثر، فهذا ما ارتضاه خالقنا لنا، وهو أيضًا ما يتوافق مع الفطرة البشرية السليمة التي فطَر الله الناس عليها، فليس ثمة طريقٍ آخَرَ للتناسل والتكاثر إلا بالتزاوج بين الرجل والمرأة.
ولذلك لعن الله -عزّ وجلّ- قومَ لوطٍ -عليه السلام- مستنكرًا فعلتهم هذه، ومؤكدًا في الوقت ذاتِه تَنافيَها مع ما تقتضيه الفطرة الإنسانية السوية "أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٥﴾ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ" (الشعراء: 165-166).
وفي موضعٍ آخَرَ، يُبيّن سبحانه وتعالى أن أحدًا من الأمم لم يُقدِم على ارتكاب هذه الجريمة النكراء قبل قوم لوط -عليه السلام- "وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴿٨٠﴾" (الأعراف: 80)، فلما حازوا السبق في ارتكابهم هذه المعصيةَ استحقوا بذلك عقوبةً لم يسبقهم إليها أحد؛ فجعل الله أعاليَ ديارهم سافلَها وأمطر عليهم حجارةً من سِجّيلٍ منضود!
والسؤال الذي لابد وأن نفتش له عن إجابة الآنَ هو: ما هي الأسباب والعوامل التي أدت إلى ظهور -مجرد ظهور- عَلَمٍ كهذا بين أفرادِ مجتمعٍ مسلمٍ من شأن سَواده الأعظم التمسك بتعاليم دينه وقِيَمه وأخلاقياته؟!
إن افتتان الشباب المسلم بكل ما هو غربي أحد أهم العوامل التي ساقتنا إلى مثل هذا الموقف، وصدَق فينا حديثُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بَاعًا بِبَاعٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ وَشِبْرًا بِشِبْرٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْ فِيهِ" . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ" فَمَنْ إِذًا". (متفق عليه) ويا ليتنا قلدنا الغرب فيما يتعلق بالجِدّ والمثابرة في تلقّي العلم وتحصيله والعمل؛ كي نُعيدَ مجدًا لأمتنا قد أضعناه بأيدينا، ولكنّا أَبَيْنا إلا أن نقلدهم في سَفاسِف الأمور وتُرَّهاتها؛ ظنًّا منا أن ذلك يجعلنا مسايرين لركب الحضارة والتقدم والرقي، ونسي أبناؤنا أن عقلاء الغرب وحكماءه لم يرتضوا مثل هذه الفعلة الشنعاء والجريمة النكراء.
نعم، أصبحنا نعيش عالمًا من الخيال، إذ يستطيع المرء الآنَ أن يقطع العالم كله شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، في ساعاتٍ معدودة، وكذا يستطيع أن يعلم أخبار الأمم والشعوب بضغطةِ زِرٍّ، نعم؛ هذا كله حقيقي وهو من نتائج الحضارة الحديثة، ولكن هنا نؤكد لأبنائنا وبناتنا أن ليس كل جديد يُؤخذ، كما أن كل قديم لا يجب أن يتُرك.
إن الحرية الشخصية حق مكفول لكل بني الإنسان فكل إنسان يحق له أن يفعل ما يريد بثلاثة شروط؛ أولها: ألّا تتعارضَ هذه الإرادة مع مقررات الأديان السماوية، وثانيها: ألّا تتعارض مع الفطرة البشرية السليمة، ثالثًا: ألا تُسبّب ضررًا على المجتمع الذي يحيا فيه هذا الإنسان؛ والحق أننا لو طبقنا هذه الشرائط الثلاثة على المثلية الجنسية لوجدنا أنه لا تلاقيَ بينها على الإطلاق، فهذه الجريمة لا تلتقي أيًّا من هذه الثلاثة في أي نقطةِ تَمَاسّ؛ فالأديان السماوية بلا استثناءٍ قد حرّمت هذه الجريمة ورفضتها.
وفي بداية المقال، أكدنا الحُكْمَ الإسلامي الراسخ حول هذا الموضوع، أما اليهودية فإنها تأمر اليهود: ”لا تُضاجِع ذكرًا مُضاجَعَةَ امرأةٍ.“ (اللاويين 18: 22)، وأما المسيحية فتنص على: ”لا تضلوا... لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مُضاجعو ذكور.“ (كورنثوس 6: 9-10)؛ أما فيما يتعلق بمنافاة الفطرة البشرية السليمة، فأحيل إلي ما قاله الخليفة الأموي، الوليد بن عبد الملك: "لولا أن الله -عز وجل- قَصّ علينا خبرَ لوط، ما ظننت أن ذكرًا يَعلو ذكرًا." (تفسير ابن كثير ج 3).
أما فيما يتعلق بإلحاق الضرر بالمجتمعات التي يحيا فيها هؤلاء المثليون؛ فإنه لا شَكَّ واقعٌ ومتحقق بل إن خطره وضرره سيمتد ليَطال كلَّ الإنسانية، وهنا فلو افترضنا أن بعض المجتمعات قد ارتضت هذه الفعلة اللاإنسانية حتى إنها شاعت بين كل أفرادها -ذكورًا وإناثًا- ألن يأتي يومٌ على هؤلاء ويُقطع دابرُهم بانقطاع نسلهم وذريتهم؟!
السبب الأخير الذي تجب الإشارة إليه: هو التردي والانحطاط الأخلاقي الذي آل إليه بعضٌ من الشباب المسلم، وهنا لابد أن يُذكَر قولُ النبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فقد لَخّص رسالته العصماء في قوله: " إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاق"، فالإنسان بدون أخلاقٍ تردعه عن ارتكاب كلِّ ما هو قبيحٌ ليس ثمّة فارق بينه وبين الأنعام، بل إن الأخيرة قد تتفوق عليه!
بل إن الله تعالى لما أراد أن يمتدح رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- امتدحه في خُلُقه، فقال: "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴿٤﴾" (القلم: 4)، وما لنا قدوة نقتدي ونتأسى بها غيره -صلى الله عليه وسلم- فمَن أراد هديه فلْيَلْزَمْ غَرْزَه.
وقديمًا تَعَلَّمْنا:
إنما الأممُ الأخلاقُ ما بَقيت ... فإن هم ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا
وحدة الرصد باللغة الإنجليزية