إسبانيا تفرض على المسلمين إصلاحات "بالقوة"

  • | الجمعة, 11 سبتمبر, 2015
إسبانيا تفرض على المسلمين إصلاحات "بالقوة"

تسعى الحكومة الإسبانية إلى تمرير مشروع قانون جديد في السادس عشر من شهر سبتمبر الجاري من شأنه التضييق على المسلمين والتدخل في شئونهم الداخلية. ويرى كثير من مسلمي إسبانيا البالغ عددهم نحو 2 مليون مواطن -بنسبة 4% من إجمالي عدد السكان- أن المرسوم الجديد يمس حرية إقامة المجتمعات الدينية.

جدير بالذكر أن "المفوضية الإسلامية في إسبانيا" المخولة بتمثيل المسلمين أمام السلطات الإسبانية وفقا للقانون رقم 26 لعام 1992 تتكون من هيئتين أساسيتين، هما "اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا"، وهي أكبر مؤسسة إسلامية في إسبانيا، ويرأسهامنذ أكثر من عشرين عاما مسلمإسباني من أصلسوري، هو رياج ططري بكري. أما ثاني أكبر المؤسسات الدينية في إسبانيا فهي "الفيدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية"،ويرأسها مسلم إسباني من أصل مغربي، هو منير بنجلون المعروف بانتمائه لجماعة العدل والإحسان المغربية، والذي وصل لرئاسة الفيدرالية بحكم من القضاء الإسباني، بالرغم من أن السلطات المغربية كثيرا ما طالبت إسبانيا بعدم دعم الفيدرالية التي يترأسها بنجلون، لانتمائه لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض للنظام في المغرب.

جدير بالذكر أن الهيكل التنظيمي الحالي للمفوضية لا يحتوي على منصب رئيس، وإنما يوجد على رأسه أمينان عامان، هما رئيس الاتحاد ورئيس الفيدرالية، أي ططري وبن جلون. وللأسف الشديد فإن هناك صراعا حادا بين الأمينين على أحقية تمثيل المفوضية، ومن ثم مسلمي إسبانيا.

Image

من اليمين.. منير بن جلون ورياج ططري

ويهدف مشروع القانون الجديد إلى إيجاد ممثل واحد للمسلمين بحيث يمكن للحكومة الإسبانية أن تتفاوض معه وأن يُلزم جميع المسلمين المقيمين في إسبانيا بما يصدر من اتفاقيات، وذلك من خلال تعيين رئيس موحد للمفوضية الإسلامية في إسبانيا، تنتخبه لجنة دائمة تتكون من خمسة وعشرين عضوا. وتعتقد الحكومة الإسبانية أن مشروع القانون يصب في مصلحة المسلمين، ويمثل استجابة لمطالبهم في خلق هيئة ذات قيادة واحدة تهتم بأمورهم وتمثلهم، وتخضع لها جميع الهيئات والجماعات، بما في ذلك الهيئات الصغيرة التي ترغب هي أيضا في التعبير عن مطالبها، كما أنه سيكون من مصلحة الدولة أن تجد ممثلا واحدا يتكلم معها باسم كافة مسلمي إسبانيا.

أما عن موقف المسلمين تجاه هذا القانون، فمن الغريب عدم وجود موقف موحد لهم، خاصة على مستوى أكبر هيئتين إسلاميتين بالدولة. فرياج ططري يرى القانون "ضروريا" من أجل تنظيم وضع الجمعيات الإسلامية في إسبانيا، خاصة في ظل "استحالة" الاتفاق على قواعد منظمة مع الفيدرالية التي يرأسها بن جلون، ومن ثم فإن هذا القانون سوف ينقذ اتفاق التعاون المبرم مع الحكومة الإسبانية منذ عام 1992. ويرى ططري أن فرض القانون بهذه الطريقة هو أقل الضررين، فتدخل الحكومة الإسبانية ما هو إلا نتاج للوضع المزري وفقدان المصداقية الذي باتت تتصف به المؤسسات الإسلامية في إسبانيا، فضلا عن قيام أحد الأشخاص -في إشارة صريحة إلى بن جلون- بالتصرف كما لو كان رئيسا للمفوضية، بالرغم من عدم وجود هذا المنصب رسميا، وهو ما أدى بالحكومة إلى تعليق تطبيق اتفاق التعاون مع المفوضية ووقف التعاقد مع مدرسين لمادة التربية الإسلامية في المدارس الإسبانية.

في المقابل نرى بن جلونيعارض مشروع القانون معارضة شديدة، معتبرا إياه "تدخلا غير مقبول"، فالدولة -على حد قوله- لا يجب أن تتدخل في كيفية تنظيم المسلمين لأنفسهم، وإنما يجب أن يقتصر دورها على إقرار ما يجيزه المسلمون أنفسهم من قواعد تنظيمية. ومن هنا فإنه يطالب الحكومة بسحب مشروع القرار،بل ويعلن أنه سيعمل على تنظيم مظاهرات لرفض هذا القانون "الجائر"، وفي حال إقراره فسوف يلجأ للقضاء من أجل إلغاء هذا القانون الذي يعده مناورة لتمكين ططري من رئاسة المفوضية. ويضيف بن جلون أن هذا التدخل السافر في شئون المسلمين لم يحدث مع أي ديانة أو طائفة أخرى، وأن من شأنه فقدان الثقة بالحكومة الإسبانية وتشجيع الفكر المتطرف.

في الوقت نفسه أعلن بعض الإسبان غير المسلمين الداعمين للحرية رفضهم الشديد لهذا القانون، حيث يقول خوان فيريرو-أستاذ القانون الديني بجامعة آ كورونيا- أن هذا القانون يعد "تدخلا من دولة لا دينية في الشئون الدينية للمسلمين، وأن الدولة لا تجرؤ على أن تحدد أسقفا معينا للكنيسة". وبالمثل يقول خوسيه ماريا كونتريراس-أستاذ القانون الديني بجامعة بابلو أولافيدي بإشبيلية-إن المنشور يخترق مبدأين مهمين من الدستور الإسباني، وهما علمانية الدولة وكذلك حرية العبادة وإقامة المجتمعات، من دون أسباب قانونية أو مترابطة.

لعل إسبانيا بهذا ليست سوى نموذج لما وصلت إليه أحوال الجاليات المسلمة في كثير من البلدان الأوروبية، فالصراع على الجلوس على رأس السلطة الدينية شغل الكثيرين عن المطالبة بحقوق المسلمين، حتى إنهم ليحتاجون إلى من يأتي من الخارج لينظم لهم شئونهم الداخلية.

إن العمل المؤسسي الذي تشترطه السلطات الأوروبية في أي جهة تريد أن تتحدث باسم جالية ما يحتاج إلى إنكار الذات وتغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الأفراد، وهو ما لا يتوافر في كثير من تلك الجهات، حتى بات معروفا في إسبانيا -وهي ليست في ذلك بدعا من الدول الأوروبية- أن كل مجموعة من الأشخاص ربما لا يزيد عددهم عن عشرين أو ثلاثين شخصا باستطاعتهم أن يكونوا كيانا رسميا مستقلا، وهو ما يطلقون عليه اسم "جماعة"، حتى صار المسلمون في هذه البلاد ممزقين بين مئات الجماعات، والتي ينعكس أثرها السلبي خاصة على المسلمين الجدد، الذين يجدون أنفسهم موزعين بين جماعات شتى، وكل جماعة تريد منهم إثبات الولاء لها وعدم المشاركة في أي محفل تقيمه جماعة من الجماعات الأخرى، بل يصل الأمر أحيانا إلى مطالبتهم بعدم الصلاة في مساجد الجماعات الأخرى.

طباعة