من منطلق حرْص مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، على متابعة الإصدارات المتعددة حول الإرهاب والجماعات المتطرفة، وحرْصه على الاطّلاع على شهادة مَن عاينوا افتراءاتِ تنظيم "داعش" وأكاذيبَه، وأوهامَه التي يبيعها للبسطاء فيضرب بها استقرارَ مجتمعاتٍ بأكملها؛ تستأنف وحدة رصد اللغة الإسبانية بالمرصد قراءةَ ما يُنشر من إصداراتٍ تعكس واقعَ التنظيم، وما يتركه من آثارٍ سلبية فيمن يقتنعون بفكره ويسلكون طريقه.
وقد صدر هذا العام في إسبانيا كتابٌ للصحفية "أليكساندرا خيل"، تحت عنوان: "في رَحِم الجهاد" En el vientre de la yihad، ويتألف من 190 صفحةً لدار نشْر "ديباتي" في "برشلونة". وتَستعرِضُ الصحفيّةُ في هذا الكتاب شهاداتٍ لفرنسيين وبلجيكيين عاشوا معاناةَ تَطَرُّفِ أبنائهم أو إخوتهم وهروبهم إلى مناطق النزاع في سوريا والعراق.
ويُناقِش الكتابُ بشكلٍ رئيسٍ الأذى النفسيّ والماديّ الذي يُسبِّبه اتّجاهُ الأبناء إلى الانضمام لصفوف التنظيمات المتطرفة.
وتشير الكاتبة إلى أنه منذ عام 2012 وحتى 2015 سافر ما يَربو على خمسة آلاف من مواطني أوروبا للالتحاق بتنظيم "داعش"، تاركين أُسرهم وذويهم ضحيّةً للهواجس والخوف والقلق، تنتظرهم مرارةُ الثُّكْل والفِراق؛ وبالرغم من كونهم الضحيةَ الحقيقية إلا أنهم المُذنبون في عيون مجتمعاتهم وحكوماتهم.
وتفتح الكاتبةُ النافذةَ على تِسْعِ حالاتٍ من هذا النوع: أبٌ، وأختٌ، وسَبْعُ أُمّهاتٍ لمتطرفين إرهابيين يَروون جميعًا حكاياتٍ مأساويّةً لذويهم، استقطبهم الفكرُ الإرهابي وأوقعهتم التنظيمات المتطرفة في شباكها، فآثروا الانضمامَ إليها وتَرْكَ أهليهم وأقربائهم بين مِطْرَقة الحُزن وسَنْدان الاتهام.
وتورد الصحفية قصة "ميشيل" و"فرانسوا" اللذَين أصبحا جدّين لعددٍ من أطفال "داعش" بعد أن انضم ابنهما إلى التنظيم، فلا يعرفان هؤلاء الأحفاد إلا عن طريق الصور الفوتوغرافية؛ وقصة "عمر" الذي يزور ابنه كل خمسةَ عشرَ يومًا في السِّجن بعد أن عاد من سوريا، وقد كان مُنضمًّا إلى "جبهة النُصرة".
إنها في الحقيقة قصصٌ متوالية، متشابهةٌ في مضمونها مختلفةٌ في تفاصيلها.
قصةٌ أخرى، وهي لـ "سميرةَ" التي تتذكر كلماتِ خطاب الوداع الذي تركته لها ابنتها بين الكُتُب قبل أن تهرب إلى سوريا؛ و"ناتالي" التي تحاصرها الأسئلةُ حول تطرُّف ولدِها الوحيد، ثم موته في صفوف "داعش" في العراق.
لقد تغيّرت حَيَواتُ هؤلاء جميعًا إلى الأسوأ؛ تساؤلاتٌ كثيرة، ومخاوفُ مستمرة، ونظراتُ اتّهامٍ في عيون الجميع تلاحقهم أينما ذهبوا.
وتتطرق الكاتبة إلى صفات العناصر التي يسهل استقطابها، وهي في الغالب مَن تعتبر نفسَها من ضحايا النظام الاجتماعي الغربي، وخاصّةً من أبناء المهاجرين الذين يعانون من التهميش الاجتماعي والبطالة، ولديهم ميولٌ إجرامية.
إن اللافت للانتباه في هذا الكتاب هو الدمار الاجتماعي الذي يُخلفه التطرف لدى الآباء والأهل والأقرباء، وما يعانونه من خذلانٍ ومهانةٍ بسبب جرائمِ ذويهم من المتطرفين.
يمكننا أن نقرأ بين سطور الكتاب إشاراتٍ واضحةً تؤكد أن هؤلاء المُنشقّين عن مجتمعاتهم لا يشعرون بأيِّ نوعٍ من التعاطُف حتى مع ذويهم، بل يُدركون تمامًا أنهم سيصبحون أوّلَ المتضررين جَرّاءَ تطرفهم؛ لأنهم على كلِّ حالٍ يتركونهم في مهبّ الريح، ولا يخفى عليهم ما سيلاقونه بعد رحيلهم أو سجنهم.
وإن "مرصد الأزهر" لَيُحذِّرُ من مَغَبّة الانسياق خلف الدعوات المزيفة والشعارات الكاذبة لهذه التنظيمات التي تدفع الشبابَ إلى قطْع أرحامهم والتخلّي عن ذويهم، وقد حذّر اللهُ من ذلك في مُحْكَم تنزيله فقال: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ"، فكأنّ الآية الكريمة تَصِفُ حال هؤلاء على الخصوص، وقد جمعوا بين الإفساد في الأرض وقطْع الأرحام.
عن الكاتبة:
"أليكساندرا خيل": صحفيّةٌ إسبانية وُلدت في "سرقسطة" عام 1987. وحصلت على ليسانس الصحافة من جامعة مدريد المركزية، ثم حصلت على الماجستير في موضوع "تحديات السلام والأمن والدفاع"، وتخصصت في قضايا الإرهاب الدولي، ثم التحقت بالعمل في شبكة EFE الإخبارية. وقد عملت منذ عام 2014 مراسلةً لعِدّةِ وسائلِ إعلامٍ فرنسية، وشغلت وظيفةَ رئيسِ تحريرٍ لعِدّةِ برامجَ إعلاميّةٍ. وتشغل حاليًّا منصبَ نائبِ رئيسِ تحريرِ مجلة أفريقيا الفرنسية Afrique Magazine .