قراءة فى كتاب: حركة الاصلاح فى التراث الإسلامى

بقلم أ.د/ أسامة نبيل - المشرف العام على مرصد الأزهر الشريف

  • | الجمعة, 4 سبتمبر, 2015
قراءة فى كتاب: حركة الاصلاح فى التراث الإسلامى
أ.د/ أسامة نبيل - المشرف العام على مرصد الأزهر الشريف

أعلن المؤلف في مقدمة الكتاب وبمنتهى الصراحة عن الخطأ الجسيم الذي وقع فيه الفكر الأوروبي بشأن ربط تراجع المجتمعات الإسلامية بجمود الإسلام. لذا تبنى شارل سان برو قضية كبيرة ومهمة، ألا وهى أن الدين الإسلامي دين تقدم، وتطور، وإصلاح. ونظرا لأن الإسلام دين ودنيا، فهو يهتم ليس فقط بالعبادات، لكن أيضا بالمعاملات، من خلال البحث في المصادر الأصلية (القرآن والسنة) وفكر ومنهجية السلف والأتباع، من أجل الوصول إلى حلول للمشكلات الدنيوية.

 وفى هذا السياق، يحاول المؤلف التأكيد على أن التيار السلفي الصحيح لا يعنى الجمود والركود الفكري بل"التمسك بالأصول والمبادئ الرئيسية وفى ذات الوقت الوعد بالمستقبل". ويرى شارل سان برو أن مفهوم السلفية السليم يتعارض مع مفهوم الحداثة الغربية والتي تعنى، من وجهة نظره، "الشيء العابر واللحظي والمؤقت" وبالتالي، الانفصال عن الماضي. وأوضح المؤلف، مستندا على رأى ابن خلدون، وجود تناقض بين التحديث الذي يتعلق بالتقدم، والحداثة التي تعبر عن مستجد زائل، والتي تعمل على هدم "القيم القديمة". وبين أن الحداثة أصبحت إيديولوجية نظرها مفكرون فرنسيون، كان الغرض من نشرها القضاء على الدين أو على الأقل فصل الدين عن الدولة.

 في الجزء الأول وعنوانه ( تراث وإصلاح)، قدم المؤلف تعريفا دقيقا لمعنى الإصلاح وعلاقته بالفكر الإسلامى، وذلك من خلال عدة نقاط رئيسية. في البداية، تحدث سان برو عن الإصلاح في الإسلام من زاوية تاريخية  حيث كانت بداية الإصلاح في التحرر من الوثنية. واستند المؤلف إلى بعض الآيات القرآنية التي تؤيد وجهة نظره. ثم انتقل إلى عرض مفهوم الإصلاح في القرآن والسنة النبوية مؤكدا من خلال مناقشة موضوع الناسخ والمنسوخ على أن الإسلام دين تطور يدعو إلى بذل الجهد والعمل والتغيير. وأكد أيضا على أن الإسلام يعطى الأولوية للعلم والعلماء. 

 ثم ينتقل المؤلف إلى النقطة التالية، والتي تتعلق بالسنة النبوية باعتبارها المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم.  وأكد سان برو على أن السنة جاءت لتفسر القرآن، ووصفها "بالدرع

الواقي لبيت الإسلام" حيث تحتوى على مفاتيح التعاليم القرآنية. وتحدث برو بعد ذلك عن مفكري التيار السني، والأئمة الأربعة (مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وابن حنبل).  وتحدث عن المعتزلة وخلافهم مع أهل السنة حول مشكلة "خلق القرآن". وكان الهدف الرئيس من سرد تاريخ المذاهب الأربعة والتيارات الدينية الأخرى هو الوصول إلى أهم موضوع في هذا الكتاب وهو الاجتهاد، الذي يعتبره سان برو بمنزلة المصدر الرابع للفقه الإسلامي ومحرك الحركة الإصلاحية في الإسلام ، لاسيما في التيار.

 وأكد شارل سان برو على أن الاجتهاد يسمح للإسلام السني  بمواكبة مستجدات العصر واحتياجات المجتمع الإسلامي. وبين المؤلف أيضا أن الاجتهاد يتطلب دقة كاملة، وقدرات علمية خاصة، وإتقانا للغة العربية، ومعرفة جيدة لعلوم القرآن والحديث، والقدرة على تحديد المصلحة العامة بطريقة موضوعية. ولهذا السبب يعارض سان برو الرأي القائل أن باب الاجتهاد قد أغلق، ويؤكد على أن سبب استمرارية الإسلام هو استمرار الاجتهاد.

 وفى الجزء الثاني من هذا الكتاب، تحدث شارل سان برو باستفاضة عن الحركة الإصلاحية في التاريخ الإسلامي منذ بداية تأسيس الدولة العثمانية حتى العصر الحديث. وخلال هذا العرض التاريخي، ألقى المؤلف الضوء على أصول الإصلاح الديني، وبين أن إصلاح الفكر الديني كان نشطا خارج حدود الدولة العثمانية، في المغرب، على سبيل المثال، بسبب التوجه التقليدي للدولة العثمانية، والتوجه الإصلاحي في بلاد المغرب. ويبرر ذلك بالحاجة الماسة للإصلاح المستمر في الفكر الإسلامي. 

 وبين شارل سان برو أن مهد الفكر الإصلاحي كان في بلاد الهند على يد شاه ولى الله الدهلوى الذي اندهش من التراجع الفكري في مكة أثناء الحكم العثماني. ودعا الدهلوى إلى العودة إلى الأصول والاجتهاد. كما أبرز المؤلف فكر محمد على الشوكانى في اليمن، الذي حرص على تجاوز المذاهب الفقهية والانتماءات الطائفية.

 وركز الكاتب على تأثير الفكر الإصلاحي السياسي الديني، والاقتصادي، والاجتماعي على بعض رواد الإصلاح خارج حدود الجزيرة العربية مثل الشيخ جمال الدين القاسمى في دمشق، وأبو تانا العلوسى في بغداد، ومولاي سليمان في المغرب، وسيدي محمد ابن على السنوسي ... إلخ.  

 ثم تحدث المؤلف عن الإصلاح في القرن التاسع عشر من خلال رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمد إقبال. وبالرغم من اختلاف

انتماءاتهم المذهبية إلا أنهم سعوا جمعيا إلى الاجتهاد من أجل تحقيق الإصلاح فى الفكر الدينى، إصلاح يرفض الاستعمار والاحتلال ويعترف بقيم الحضارة الغربية، ويتعامل مع تحديات العصر بموضوعية وعقلانية

 وكان من الطبيعي أن يتحدث المؤلف في الجزء الثالث والأخير عن الإسلام وتحديات العصر والعالم الغربي. وكرس مساحة كبيرة من هذا الجزء لتاريخ الجماعات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في مصر في الثلاثينات من القرن الماضي. وبين سان برو كيف تحول الحلم بالمدينة الفاضلة من المثالية إلى الثورية. وأبرز المؤلف التعارض بين الفكر الإسلامى الإصلاحي وفكر الإخوان المسلمين الثوري. وهنا يؤكد المؤلف أن الإخوان المسلمين "لم يأتوا بجديد على المستوى الديني والمذهبي"، بل ركزوا على العمل السياسي. 

 ثم توجه المؤلف إلى القارئ ليؤكد على أن دين الإسلام دين مرن، ومصلح في ذاته، وإنه دين التزام وتطور. وبين أن مبدأ التوحيد جاء في الأصل ليصلح من حال البشر ولينقلهم من الوثنية والجهل إلى الوحدانية والتفكر والتدبر، لتحقيق المساواة بين البشر جميعا دون استثناء. وركز على أن الإسلام لا يدعو إلى إكراه غير المسلم على الدخول فيه، وان الدعوة تجوز من خلال مخاطبة الفكر والعقل، والهدف من الدعوة هو تحقيق مصلحة البشر.

 وبشأن الدولة الدينية، نفى شارل سان برو وجود الدولة الدينية في الإسلام. وبين أن الإسلام يهتم بالسياسة التي تنظم المجتمع " بطريقة لا تتعارض مع المبادئ الأساسية للدين" التي تهدف إلى تماسك المجتمع والتعايش السلمي. وفى هذا الصدد، اهتم المؤلف بذكر بعض التيارات الإصلاحية في تونس، والمملكة العربية السعودية، واندونيسيا، والمغرب.

 وقبل أن يختم شارل سان برو كتابه عن حركة الإصلاح في التراث الإسلامى، أوضح ان الإسلام اعتمد في بدايته على الاجتهاد، وينبغي أن يعتمد أيضا المسلمون في العصر الحاضر والمستقبل على الاجتهاد من أجل تحقيق التقدم، والتجديد، والعدالة الاجتماعية.

طباعة
الأبواب: قضــايا أخرى
كلمات دالة: مرصد الأزهر