قراءة في تقرير الأكاديمية الإسبانية للدراسات السياسية والاستراتيجية " الإنترنت.. أداة للحروب في القرن الحادي والعشرين"

  • | الأحد, 29 أكتوبر, 2017
قراءة في تقرير الأكاديمية الإسبانية للدراسات السياسية والاستراتيجية  " الإنترنت.. أداة للحروب في القرن الحادي والعشرين"

     أصدرت الأكاديمية الوطنية للدراسات السياسية والاستراتيجية ANEPE التابعة لوزارة الدفاع الإسبانية تقريرًا بعنوان "الإنترنت: أداة للحروب في القرن الحادي والعشرين" . وقد أعدت التقرير الدكتورة "خيما سانشيث مِديرو" مدرس العلوم السياسية بجامعة مدريد المركزية.   طرح التقرير فكرة تبعية الغرب للوسائل الحديثة، خاصة الإنترنت، مما يجعلها عرضة لهجمات شرسة على مختلف الأصعدة، كالاختراق المعلوماتي للمؤسسات الأمنية والاقتصادية والسياسية وغيرها من الجهات الحيوية. تأتي هذه الأضرار فضلًا عن  مضارسيكولوجية ونفسية أخرى قد يسببها الإنترنت لدى الأشخاص.

Image

الأكاديمية الوطنية للدراسات السياسية والاستراتيجية

وعلى الرغم من مميزات الشبكة العنكبوتية، فإن خطورتها تكمن في استغلال قوى الإرهاب لها في تحقيق أغراضها. وقد بدأ التقرير بذكر ما أكدته مؤسسة McAfee لأمن المعلومات في تقريرها السنوي بعنوان "الجريمة الإلكترونية" - من أنه خلال العقود القادمة سيكون من المحتمل جدًّا خوض "حرب إلكترونية باردة"، يقوم بها "جواسيس إلكترونيون" و"جنود إلكترونيون".


مفهوم الحرب الإلكترونية Ciberguerra    

يمكن تعريف "الحرب الإلكترونية" بأنها اعتداء تُحركه دولة للإضرار بقدرات دولة أخرى؛ لإجبارها على قبول أمر ما، عن طريق تهديد أنظمة اتصالاتها أو تدميرها والإضرار بقواعد بياناتها، وهذه كلها مؤشرات لبداية حرب إكترونية. وعلى ذلك فإن الاعتداء ووقوع الضرر يتركز في الجانب المعلوماتي التقني.
ومن أهداف الحرب الإلكترونية ما يلي:
الاستغلال: حيث يستهدف المهاجم في المقام الأول الحصول على معلومات من المستخدمين عن طريق الاختراق الإلكتروني.  

الخداع: عندما يسمح المهاجم للمستخدمين بمواصلة العمل، لكنه يتلاعب بالمعلومات التي يجمعونها.

التدمير: عندما يجعل المهاجم الهدف غير قابل للتشغيل، فإما أن يدمر الهدف أو النُّظم اللازمة للعمل.  

التدخل أو قطع الخدمات الإلكترونية: عندما لا يدمر المهاجم الهدف، ولكنه يضعه خارج الخدمة لفترة.

على أن الإرهاب الكتروني شيء آخر، فهو التقاء الفضاء الالكتروني والإرهاب، ويمكن تعريفه بأنه طريقة استخدام الإرهاب لتكنولوجيا المعلومات من أجل التخويف وإلحاق الضرر بالمجتمعات لأغراض سياسية دينية. إذن فهو نوع من استبدال الأسلحة والقنابل بالحواسيب لإلحاق أكبر أضرار ممكنة بالمجتمعات المدنية.
ومن خصائص الحرب الإلكترونية أنها معقدة وقصيرة المدى ومتسعة في الفضاء الإلكتروني، فضلًا عن أنها يمكن أن تكون حربًا على مستوى القارات، ومع ذلك فإن مُنفِّذيها يمكن أن يكونوا أفرادًا قليلي العدد، وهي بالإضافة إلى ذلك حرب محددة الأهداف، وفي الوقت ذاته هي مدمرة كمعركة عسكرية.
ومما يزيد من خطورة الحروب الإلكترونية أنها يُمكن أن تُشن من أي مكان، ولا يمكن الإيقاع بالمهاجمين الإلكترونيين بسهولة، وهي غالبًا ما تكون هجمات مفاجئة. ولا يمكن حتى الآن أن نقول: إن حربًا إلكترونية قد شُنّت في العالم، لكنها محاولات محدودة لمنظمات إرهابية؛ لاختراق البنية التحتية الإستراتيجية لدول بعينها مع بداية القرن الحادي والعشرين، لكنها لم تحقق أضرارًا تذكر.

•    استخدام الإرهابيين السلبي للشبكة العنكبوتية: تستخدم العناصر الإرهابية شبكة الإنترنت لعدة أهداف منها:

الحصول على التمويل
حيث تطلب هذه الجماعات من متابعيها عبر الصفحات الإلكترونية التبرعَ عن طريق بطاقات الدفع الإلكترونية مثلًا، وتحويل الأموال والاستيلاء عليها عن طريق النصب الإلكتروني بأشكاله كافة.
شن الحرب النفسية ضد مناهضيها وأعدائها
من أشكال الحرب النفسية على الإنترنت ترويج المعلومات الخاطئة، وبث التهديدات الإرهابية، ونشر صور للعمليات التي تنفذها، ومن ذلك مقاطع فيديو عن التعذيب وقتل الرهائن، والعمل على بث الشبهات والإشاعات، وهدم الثوابت والتحريض على التمرد والثورة.

تجنيد عناصر جديدة
إن اجتذاب العناصر الإرهابية أشبه ما يكون بعملية اجتذاب الزبائن عن طريق الإعلانات، ويتم التركيز على أكثر المهتمين خاصة من لديهم كفاءات يمكن الاستفادة منها.  

التواصل فيما بين أفراد التنظيمات
يعتبر الإنترنت وسيلة رخيصة وفعّالة في التواصل بين القيادات الإرهابية وجميع العناصر، وتجدر الإشارة إلى أن الجماعات المتطرفة تستخدم تقنيات متطورة لتفادي التصنت على المحادثات أو تتبعها؛ عن طريق التشفير واختزال الرسائل، واستخدام الإشارات التنبيهية عند محاولات الاختراق المعلوماتي، كما يستخدم المتطرفون حسابات مؤقتة بأسماء عادية مألوفة على سبيل التمويه.  

التنسيق وتنفيذ المخططات  
يتم التنسيق والتخطيط لتنفيذ الهجمات الإرهابية عن طريق الإنترنت، وخاصة تلك التي تنفذها الذئاب المنفردة. لكن الطابع الإلكتروني في هذه الحالة يمكن أن يكون موجهًا بطريقة مباشرة؛ لبث نوع من الفيروسات المدمرة، أو ربط الحرب النفسية بالهجمات الإرهابية لإحداث حالة من الهلع والارتباك. وتُولي الجماعات الإرهابية عناية خاصة بالتدريب الإلكتروني، فعلى سبيل المثال يمتلك تنظيم القاعدة في باكستان حقل تدريب يهدف إلى تشكيل أعضاء في مجالات اختراق النُظُم الحاسوبية وإجادة تنفيذ الحرب الإلكترونية.

•    الحصول على المعلومات
تعد شبكة الإنترنت مصدراً رئيسيًا للمعلومات حيث تُوفر الآلاف من صفحات المعلومات التي يعتمد المتطرفون على بعضها للحصول على معلومات عن أهدافهم (الخرائط والتوقيتات والصور)، وطرق صناعة الأسلحة والمتفجرات.

•    استخدام الدول للشبكة العنكبوتية
تستخدم الدول الإنترنت لجمع المعلومات عن أعدائها الافتراضيين. وتقوم بنشاطات التجسس وجمع المعلومات، واختراق الصفحات الخاصة والبريد الإلكتروني للعناصر المشتبه فيها. كما تُستخدم الشبكة العنكبوتية للإضرار بمصالح دول مُعادية، فيما يعد حربًا إلكترونية مباشرة قد تتزامن مع اشتباكات حربية ميدانية، وهي تجربة خاضها حلف شمال الأطلسي NATO في أثناء معاركه الميدانية. وتستعد الدول وكذلك الجماعات الإرهابية للحرب الإلكترونية المحتملة عن طريق التحكم في النظم الإلكترونية، وتكوين جيش إلكتروني مدرب، وتأسيس إدارات ذات طابع حكومي دفاعي لمواجهة الهجمات الإلكترونية.  
وتجدر الإشارة إلى أن التحكم في النظم الإلكترونية يتم عن طريق تقنيات وأنظمة متعددة، منها نظام "إتشيلون" (Echelon) والذي ابتكرته الولايات المتحدة للتحكم في اتصالات الاتحاد السوفييتي وذلك منذ سبعينيات القرن الماضي. وهناك نظام "إنفوبول" Enfobol والذي ظهر في أوروبا منذ بدايات القرن الحالي. ويضاف إلى هذه الأنظمة ما يسمى بالإنترنت الخفي Dark Web وهو مشروع نفذه معمل الاستخبارات بجامعة "أريزونا".
وقد صدر مؤخرًا كتاب "الحرب الإلكترونية: كل ما لا تعرفه عن التهديدات الجديدة والحروب التي بدأت على شبكة الإنترنت"، للكاتبة الإسبانية "يولاندا كينتانا" Yolanda Quintana تتحدث فيه عن آخر تهديدات الحرب الإلكترونية وتشرح أشكال هذه الحرب.
وتؤكد "كينتانا" أن القوى السياسية الكبرى في العالم تشن حاليًّا حربًا إلكترونية عنيفة ضد بعضها بعضًا؛ لإثبات القوة والسيطرة على العالم، كما يعد الإرهاب هدفًا أساسيًّا للحرب الإلكترونية. وألمحت إلى أن ثمة حربًا إلكترونية قد نشبت بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، تعد الفيروسات هي سلاحها الفتاك. وتشير إلى أن هذه الحرب هي لتحقيق مصالح دولية كبرى وهذا سبب قوي –لدى الدولتين- لشنّها. وهي على ذلك تشير إلى "جرائم إلكترونية" تقوم بها روسيا على سبيل المثال، بالإضافة إلى محاولات لشن حرب إلكترونية من قِبَل روسيا ودول أوروبا الشرقية.
وهناك مسألة مهمة للغاية نوّهت إليها الكاتبة، وهي أن الكثير من وسائل الإعلام تعتبر أن نشاط الإرهابيين برمته هو حرب إلكترونية أو إرهاب إلكتروني من الدرجة الأولى، لكنها تشدد على أنه في هذه الحالة قد أسيء استخدام مصطلح "الحرب الإلكترونية"، كما أدخلت عليها مصطلحات غير دقيقة مصطلح "هجوم إلكتروني" تشبيهًا بالهجوم العسكري.     
وتعتبر الكاتبة الحرب الإلكترونية شكلًا من أشكال الإرهاب الإلكتروني، خاصة وأن الهدف من هذه الحرب هو التدمير والسيطرة على العالم. كما لا تستبعد فكرة انضمام قوى جديدة لهذه الحرب كالصين. ويبدو أن التفوق التكنولوجي لهذه الدول سوف يتحول إلى تهديد لقوى أخرى معادية لها.  
ويرى مرصد الأزهر أن طبيعة الصراع ستتغير حتمًا في المراحل القادمة من تاريخ العالم، لكنه في الوقت ذاته لا يخفي قلقه من مغبة الاستخدام الخاطيء للشبكة العنكبوتية من قِبَل الجماعات المتطرفة وقوى الإرهاب، التي يبدو أنها تتجهز لحرب إلكترونية ضروس، قد تفوق أضرارها نتائج المعارك الحربية بمراحل؛ حيث يعد الفضاء الإلكتروني أكثر رحابة وأشد خطورة من غيره من ميادين الحرب.  كما أن المرصد يعرب عن قلقه  أيضًا من استخدام العالم للتقنيات الحديثة في الأغراض التي قد تدمر البشرية وحضارتها، وهي التي تبحث عن رفاهية التكنولوجيا، لكن الخوف يطارد أحلام الرفاهية، وربما حولها إلى كابوس مظلم تنسج الحرب خيوطه في مدة وجيزة قد لا تساوي في حسابات الزمن شيئًا.   

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

 

طباعة