تصاعد حِدَّة "الإسلاموفوبيا" في إسبانيا

  • | الجمعة, 4 سبتمبر, 2015
تصاعد حِدَّة "الإسلاموفوبيا" في إسبانيا

يرجع تصاعد حِدّة ظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية إلى سببين رئيسين: أولهما، تراكم مشاعر الخوف والكراهية لدى المواطن الغربي تجاه المسلمين بسبب ما يُرتكب من أعمال إرهابية باسم الإسلام، مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001م بالولايات المتحدة الأمريكية، وهجمات الحادي عشر من مارس عام 2004م بإسبانيا، فضلا عما ترتكبه داعش حاليا من جرائم بحق الإسلام والإنسانية. وثانيهما، تضخيم وسائل الإعلام الغربية لهذه الصورة السلبية وتصوير المسلمين كمجموعة من الإرهابيين يؤمنون بعقائد تحثهم على العنف تجاه الآخر. وفي ظل مزايدة داعش على أخواتها من الجماعات الإرهابية في البشاعة والهمجية وإشاعة الخوف والرعب المتعمد، ومع التقدم الملحوظ في التقنيات الإعلامية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي كان من البدهي أن تتزايد حِدّة الإسلاموفوبيا في الغرب. 

وبالرغم من كون الإسلاموفوبيا أو كراهية المسلمين والعرب مظهرا من مظاهر التفرقة العنصرية التي تُعاقب عليها قوانين البلدان الأوروبية، مثلها في ذلك مثل كراهية السود، وكراهية الأجانب، بل وكراهية الشواذ والمثليين كذلك، فقد وجدنا من يطالب في أوروبا -خاصة بعد وقوع أحداث تشارلي إيبدو- بعدم اعتبار الإسلاموفوبيا جزءا من التفرقة العنصرية، بل بالغ البعض منهم بالمطالبة بطرد المسلمين من أراضيهم، رافعين شعار (ضد أسلمة أوروبا). لذا فإن أكثر من يعانون من هذه الظاهرة هم الأقليات المسلمة الذين يعيشون في البلاد الغربية منذ زمنٍ في أمن وسلام نسبي، قبل أن تخرج علينا القاعدة وداعش وغيرهما بأفكارهم الشاذة وفتواهم الضالة، التي تبيح قتل المدنيين، بل والتفنن في قتلهم والتمثيل بهم، في تناقض صريح وصارخ مع تعاليم النبي الذي ما أُرسل "إلا رحمة للعالمين".  

هذا وتمثل إسبانيا نموذجا تاريخيا للتعايش والوئام بين أصحاب الديانات المختلفة، نموذجا كان أول من أهداه للعالم هم المسلمون أنفسهم عندما عاش في ظل حكمهم للأندلس أتباع الديانات السماوية الثلاث دون تمييز أو تفرقة. بفضل هؤلاء المسلمين العظام الذين وعوا الإسلام نصًا وروحًا اكتسبت إسبانيا سُمعةً في العالم كله لم تكن لتكتسبها لولاهم، فإذا أراد المجتمع الدولي أن يبحث عن مكان لعقد مؤتمر للسلام بين المتصارعين من أصحاب الديانات السماوية، لم يجد خيرا من إسبانيا لتكون هي الواجهة، كما حدث في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م بين العرب وإسرائيل على أساس مبدأ "الأرض مقابل السلام". 

وتحرص الحكومات الإسبانية المتعاقبة عادة على أن تحذو حذو هذا النموذج، حتى باتت إسبانيا من أكثر الدول الأوروبية التي يوجد بها مسلمون وعرب مهاجرون، حيث بلغ عدد المسلمين المسجلين في إسبانيا مع نهاية عام 2014م تحديدا 1.858.409، وَفقا للتقرير السنوي الذي يصدره المرصد الأندلسي التابع لاتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا. 

ووفقا لتقرير آخر صادر عن المرصد الأندلسي كذلك، فإن مظاهر "الإسلاموفوبيا” في إسبانيا تشهد ارتفاعا ملحوظا مع نهاية عام 2014م والنصف الأول من عام 2015م. وقد انتقد المصدر ذاته تعاطي وسائل الإعلام الاسبانية مع موضوع “الإسلاموفوبيا”، حيث اعتبر أن الإعلام يسهم في تفشي الظاهرة، من خلال إصداره الأحكام المسبقة واستخدامه المصطلحات التي تقرن بين الإرهاب والإسلام، وتصوير الجماعات الإرهابية كممثل للإسلام. 

كما أصدر البرنامج الحقوقي المناهض للإسلاموفوبيا في إسبانيا تقريره السنوي حول ظاهرة الإسلاموفوبيا، حيث تُقدر فيه نسبة بلاغات الإسلاموفوبيا التي تلقتها هذه المؤسسة في النصف الأول لعام 2015م بحوالي ثمانين بلاغاً، بزيادة قدرها 70% عنه في العام الماضي كله، حيث سُجلت 49 حالة فقط خلال عام 2014م كله، بزيادة قدرها 6,5% عنه في عام 2013 الذي سُجلت فيه 45 حالة فقط. وهذا مؤشر خطير يُوحي بأن هذه الظاهرة في تزايد مستمر. 

 

ويشير التقرير إلى أن 46% من تلك البلاغات تتمثل في تعديات على الممتلكات الخاصة بالمسلمين كالمساجد والمراكز الإسلامية، بينما النسبة الباقية والتي تُقدر بنحو 54% تتمثل في أعمال العنف والعنصرية

المختلفة التي يتعرض لها المسلمون كأفراد، وتُعدّ النساء الفئة الأكثر استهدافا من هذه الأفعال بسبب ارتدائهن للحجاب. 

ومن مظاهر الإسلاموفوبيا ما نشرته صحيفة (لابيرداد) الإسبانية بتاريخ 18\03\2015 حيث وصل الأمر إلى رفض علاج إحدى السيدات المغربيات بإحدى المستشفيات؛ نظرا لارتدائها الحجاب مما دفع ذويها إلى الاتصال بجهاز الشرطة وتم تحرير محضر بالواقعة. كما رصد التقرير السنوي لاتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا حال مهاجرة مغربية تم منعها من ركوب حافلة للنقل العمومي بسبب ارتدائها للحجاب. 

 كما أوضحت الكاتبة الصحفية بصحيفة الموندو "أماندا فيجيراس" والتي أعلنت إسلامها مؤخراً أن المجتمع الإسباني مجتمع انتقائي، فهو يحكم علي الإسلام من خلال النماذج السلبية ويغفل الإيجابية منها. وذكرت أنها دُعيت ذات يوم إلي أحد المراكز لإلقاء محاضرة، وحين قدمت إلى البوابة تم منعها؛ لارتدائها الحجاب، ثم أذن لها بالدخول بعد ذلك. كما أشارت إلي أن تعايش المسلمين في أوروبا أمر صعب للغاية، ودللت على كلامها بأن هناك دراسة أوضحت أن 42% من الإسبان لديهم شعور سلبي نحو المسلمين، وأشارت أن كثيرا ممن أسلموا في أوروبا يخفون إسلامهم خشية عدم القدرة علي التعايش.

ويتضح من خلال ذلك كله تنامي حدة الإسلاموفوبيا بشكل ملحوظ في إسبانيا خلال السنوات الأخيرة، وأن الإعلام الغربي يشارك في الترويج لهذه الظاهرة من خلال ما ينشره من أخبار عن الجماعات الإسلامية المتطرفة وإظهارهم بطريقة توحي أنهم يمثلون الإسلام. كما يتضح أن حالات الاضطهاد هي في الغالب حالات فردية لا توافق عليها السلطات الإسبانية وتعاقب مرتكبيها. ويتبين لنا أخيرا أن الهيئات الإسلامية والمنظمات الحقوقية تسعى لمواجهة هذه الظاهرة من خلال محاولتها تصحيح المفاهيم المغلوطة حول الإسلام في إسبانيا. 

   وحدة رصد اللغة الإسبانية 

 

طباعة