تحريم الاعتداء على المدنيين بغير ذنب

  • | الإثنين, 13 نوفمبر, 2017
تحريم الاعتداء على المدنيين بغير ذنب

نهى الإسلام عن أخذ الإنسان بذنب غيره، وقرر أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فقال تعالى: "وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" [الأنعام: 164]،  وأرشدنا إذا صارت الحرب بين المسلمين وبين غيرهم أمر واقع أن نُجنِّب المدنيين وجميع من يبتغي طلب الرزق شرور الحروب وويلاتها ما دام هؤلاء ليسوا محاربين ولا عونا للمحاربين قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا} [البقرة: 190].

قال ابن جرير الطبري –رحمه الله- في تفسيره: "وَإِنَّمَا الِاعْتِدَاءُ الَّذِي نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ نَهْيُهُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، وَالذَّرَارِيِّ". والذراري: هم الأبناء.

وعن ابْنِ عُمَرَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_ قَالَ: (وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ)

وفي حديث رباح بن الربيع عند الإمام أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  لما رأى امرأة مقتولة أنكر ذلك وقال: (مَا كَانَتْ  هَذِهِ لِتُقَاتِلَ).

قال ابن عبد البر –رحمه الله- في "التمهيد": " وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ قَتْلُ نِسَاءِ الْحَرْبِيِّينَ وَلَا أَطْفَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُقَاتِلُ فِي الْأَغْلَبِ".

وقال النووي -رحمه الله- "أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا".

وعند مصنف ابن أبي شيبة : " نَهَانَا أَنْ نَقْتُلَ الْعُسَفَاءَ وَالْوُصَفَاءَ " ، والعسيف : هُوَ الْأَجِير. والوصفاء: هم الخدم الذين لا يحملون السلاح ولا يقاتلون مع العدوّ، والنهي عن قتل هؤلاء؛ لأنهم لم يخرجوا لطلب العدوان، وإنما لطلب الرزق لأولادهم ومن يعولون.

واعتبر الإسلام العدوان على برئ واحد بمثابة الاعتداء على البشرية كلها، قال تعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا"، وقال رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّار.

فأي وعيد أعظم من هذا الوعيد؟! إنه لوعيد تنخلع من هوله القلوب، ويُوجِد في النفس رادعًا قويا، ووازعًا ذاتيًا، يمنع من التعدي على الغير، وإزهاق النفوس ظلمًا وعدوانًا.

ولا يفهم من التنصيص على المؤمن في الحديث السابق جواز قتل المعصومين من غير المؤمنين، كالذميين والمعاهدين والمستأمنين، ولكنه نص على المؤمن ليبين أن قتل المسلم للمسلم أعظم وأشنع.

ويؤكد ذلك أحاديث كثيرة تدل على تحريم الكفار غير المحاربين من الذميين والمعاهدين والمستأمنين، ومنها ما ثبت عن  عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عامًا»  .

 

طباعة
كلمات دالة: