داعش واستقطاب الفتيات الأوروبيات

  • | الخميس, 27 أغسطس, 2015
داعش واستقطاب الفتيات الأوروبيات

بالرغم من سياسة العنف وإشاعة الرعب التي ينتهجها داعش ضد الرجال والنساء على حد سواء، إلا إنه يحرص على استقطاب النساء والإتيان بهنَّ -طوعا أو كَرها- إلى الأراضي التي يسيطر عليها؛ بهدف تحفيز مقاتليه من خلال الزواج بهنَّ بالتناوب لفترات قصيرة. وقد أوضح تقرير مطول بجريدة نيويورك تايمز صدر في الثالث عشر من شهر أغسطس الجاري أن زعماء داعش يقنعون أتباعهم بأن اغتصابَ النساء جزءٌ من حقوقهم المشروعة، "فالإسلام –حسب زعمهم- يبيح اغتصاب النساء الكافرات". وعلى هذا فإن التنظيم الإرهابي يسمح لأتباعه بخطف النساء واغتصابهن وبيعهن في السوق كأي سلعة أخرى، حتى أصبحت تجارة الرقيق من أهم أنشطة التنظيم، مخالفين بذلك شريعة الإسلام التي تحفظ للمرأة كرامتها وتحميها من الامتهان والمذلة. 

وقد انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة تجنيد النساء الأوروبيات عبر الإنترنت، وهي ظاهرة حديثة لكنها آخذة في التنامي بشكل متسارع. فوفقا لتقرير حول المهاجرين من النساء الغربيات إلى داعش أصدره معهد الحوار الاستراتيجي في يناير 2015، فإن هناك 550 امراة أوروبية من إجمالي 4000 شخص انضموا إلى صفوف داعش في سوريا والعراق، وهو ما يعني أن النساء يمثلن 13.7% من إجمالي المنضمين إلى التنظيم الإرهابي.

وتحاول داعش جاهدة -من خلال لجانها الإلكترونية- إقناع النساء الأوروبيات المسلمات بالسفر إلى مناطق القتال الخاضعة لهذا التنظيم، حيث يتم استغلالهن جنسياً، فضلا عن خدمتهن للمقاتلين. وترى صحيفة الباييس الإسبانية أن الفتيات الأوروبيات أسهل استقطابا من النساء العربيات ونساء دول العالم الثالث، وذلك لأنهنَّ أكثر نشاطا على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي الساحة الفكرية المسؤولة عن تجنيد نحو 80% من عناصر الجماعات المتطرفة. فضلا عن ذلك فإن النساء الأوروبيات أكثر استقلالا عن أسرهن، ومن ثم فإن لديهن استعدادا للانفصال عن عائلاتهن من أجل الانضمام إلى مجتمع جديد. 

وقد دأبت داعش على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتبرير المذابح التي ترتكبها، وتقديم العراق كما لو كان جنَّة الله في الأرض، والتحدث عن الحرب كما لو كانت إحدى ألعاب الفيديو، فضلا عن تبادل النصائح حول كيفية الوصول إلى سوريا والعراق، والاحتفاء بانتصارات التنظيم الإرهابي، وتسجيل ملاحظات حول الحياة الجديدة للمقاتلين والمقاتلات. 

 

إن ضحايا داعش من نساء أوروبا عادة ما يكن فتيات صغيرات في سن المراهقة. يبلغ متوسط أعمارهن نحو 18 عاما، حيث تتراوح في العادة ما بين 15 إلى 22 عاما. اعتادت تلك الفتيات على قضاء أوقات طويلة في تصفح مواقع الإنترنت، خاصة شبكات التواصل الاجتماعي. يأتين من شتى دول الغرب، مثل أستراليا والنمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وإسبانبا وهولندا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية... يأتين بدافع الزواج من المحارب المجاهد الذي يحلمن به. ومن يستقطبهن عادة ليسوا رجالا، وإنما مجموعة من الفتيات الأوروبيات من دول مختلفة، واللاتي يعرفن جيدا الطبيعة النفسية للمرأة الأوروبية المسلمة. يدعوهن إلى مجتمع جديد يكن فيه زوجات "لأبطال مجاهدين"، حيث يرسمن لهن صورة وردية للحياة تحت حكم داعش. 

 

الشرطة الإسبانية تلقي القبض على سيدة إسبانية متهمة بتجنيد النساء لحساب داعش عبر الإنترنت

 

وتقول كارولا غارسيا كالبو الباحثة في برنامج الإرهاب العالمي التابع لمعهد الكانو: منذ أن أعلن داعش عن تأسيس خلافته في يونيه عام 2014 وهدفه الأول هو بناء مجتمع جديد. لذلك كان يهدف في بداية الأمر

إلى استقطاب أطباء ومهندسين ومعلمين وغير ذلك من أصحاب المهن الضرورية. أما الآن فهو يهدف إلى جذب زوجات لمقاتليه؛ من أجل التكاثر وتربية الأطفال في ظل ما يزعمون أنها "دولة الخلافة". وتؤكد الباحثة ذاتُها أن كثيرا من الفتيات المسلمات اللاتي يُستقطبن هن من أصول عربية، وأنه بالرغم من نشأة هؤلاء في مجتمعات أوروبية إلا أن شعورهن بالتمييز بسبب معتقداتهن الدينية جعلهن يشعرن بالغربة في أوطانهن الأوروبية، ومن ثم فإن الالتحاق بداعش يمنحهن هويتهن المفقودة. تتواصل المرأة الداعشية إلكترونيا مع إحدى الفتيات الأوروبيات، ثم تقول لها: أنتِ لستِ إيطالية ولا إسبانية ولا مغربية ولا باكستانية، أنتِ تنتمين إلى الأمة.. الأمة الإسلامية.  

وما أن تصل الفتيات إلى الأراضي التي يسيطر عليها داعش حتى يتم فحص عذريتهن، كما تؤكد ذلك مبعوثة الأمم المتحدة "زينب بانجورا" بمناطق النزاع بسوريا والعراق. بعد ذلك يُعرضن على الشيوخ للاختيار من بينهن، ثم على الأمراء، وأخيرا على المقاتلين، في حين تُرسل أجمل النساء إلى معقل تنظيم داعش بمدينة الرقة. وتُضيف "بانجورا" أن السيدات يُتخذن كإماءٍ لاستخدامهن جنسياً عن طريق عقد زواج يستمر لعدة ساعات فقط لتكون علاقتهم الجنسية داخل إطار الزواج. وذكرت مثالاً على هذا بأن إحدى المجندات العائدات من تنظيم داعش صرحت بأنها قد تزوجت بهذه الطريقة من 152 مقاتلاً داخل التنظيم. 

وفي نهاية الشهر الماضي حذرت امراة منشقة عن تنظيم داعش كانت قد سلَّمت لهم -عبر الحدود التركية- مئات الفتيات الأوروبيات من جنسيات مختلفة، خاصة من إنجلترا وفرنسا وألمانيا.. حذرت في مقابلة لها مع صحيفة "بيلد" الألمانية الفتيات اللاتي يسعين للانضمام للجماعة من الظروف المرعبة التي تنتظرهن، حيث قالت: "إن الخلافة ليست كما تعتقدن. فالنساء يُجلدن، ويُبعن، ويُرجمن، وجثثهن تلقى في الشوارع لأسابيع". 

إن استهداف داعش للنساء يعكس رغبته الحثيثة في تحقيق استقرار مجتمعي قائم على بناء مجتمع متكامل تُسخَّرُ فيه جميع العناصر لخدمة أهداف التنظيم الإرهابي. وإن المرأة داخل هذا المجتمع ليست سوى جسد ومستودع لإفراغ الرغبات العابرة، بل سلعة تُباع وتُشترى وتُقايض وتُستغل جنسيا، دون مراعاة لأي قواعد إنسانية أو دينية. 

  
    د. أحمد كمال زغلول 

وحدة رصد اللغة الإسبانية بمرصد الأزهر الشريف باللغات الأجنبية

طباعة
كلمات دالة: مرصد الأزهر