لا تتورع جماعات العنف والإرهاب عن ارتكاب أية جريمة، وإن كانت في بيت من بيوت الله، فلا يهم هذه الجماعات سوى إثبات نفوذها وتحقيق انتصارات زائفة، ولو على حساب أبرياء ذهبوا للصلاة والتضرع إلى الله، فتغتالهم يد الغدر والإرهاب بتفجير انتحاري لم يراعِ منفِّذوه والمخططون له حرمة للعبادة ولا للدماء، ولا لبيت الله وما يقام فيه من شعائر عظَّمها الله وأمر بتعظيمها، وتوعد مَن ينتهكها ويهدد أمنها.
وبلغ إجرام بوكو حرام أن تجعل بيوت الله في الأرض "المساجد" هدفًا لعملياتها الوحشية وجرائمها النكراء، مستهدفة مصلين أبرياء؛ بدعوى تكفيرهم وخروجهم عن الإطار الصحيح للدِّين، فهل التزم أولئك المتطرفون بمبادئ الدين؟! وكيف لهم أن يحكموا بكفر أناس اختَلَوا للعبادة وخرجوا للصلاة.
من جانبه، تابع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف عبر وحدته للغات الأفريقية - الأنباء التي تواردت عبر وسائل إعلام عدة عن وقوع هجوم انتحاري بأحد المساجد بولاية أداماوا، مما أسفر عن مقتل نحو 50 شخصًا؛ فوَفْقًا لما أدلى به عثمان أبو بكر المتحدث الرسمي باسم شرطة ولاية أداماوا، فقد وقع هذا الهجوم الانتحاري في أثناء صلاة الفجر بمسجد موبي بولاية أداماوا شمال شرق نيجيريا.
ولا تعد هذه الجريمة هي الأولى من نوعها؛ إذ شهدت الآونة الأخيرة عدة هجمات انتحارية استهدفت بوكو حرام من خلالها عددًا من المساجد، راح ضحيتها عشرات الأبرياء ممن ذهبوا للصلاة غير متوقعين أن تطالهم يد الإرهاب الوحشي في بيوت الله.
ولم تتوقف جرائم هذه الجماعة عند حد استهداف أمن نيجيريا واستقرارها، بل تخطى الحدود ونال من أمن دول الجوار وسلامها، فنجد دولة مثل الكاميرون تتجرع مرارة إرهاب هذه الجماعة، فقد شهدت هجومَ انتحاريٍّ استهدف سُوقًا بشمال البلاد؛ ما أسفر عن مقتل ثلاثة أطفال تصادف وجودهم في موقع الحادث؛ حيث أفادت الأنباء عن قيام انتحاريٍّ أربعيني بتفجير قنبلة كانت في حوزته، مما تسبب في انفجار عنيف أرداه قتيلًا وأدى إلى مقتل الأطفال الثلاثة في الحال.
ومرصد الأزهر إذ يتابع هذين الهجومين البربريين يجدد إدانته أشكال العنف كافة، مشددًا على ضرورة التصدي لهذا الوباء الخطير "الإرهاب"، وذلك من خلال المواجهة الحاسمة ميدانيًّا وفكريًّا؛ إذ تمثل المواجهة الفكرية جانبًا أساسيًّا في سبيل القضاء على الإرهاب، لا سيما وأن الجماعات المتطرفة تعمد إلى العبث بعقول الشباب من خلال نصوص مجتزئة وتأويلات منحرفة، لا علاقة لها بالإسلام من قريب ولا من بعيد، فلا يعقل أن يدعو دين أتباعه إلى مراعاة المقدسات وتعظيم الشعائر، ثم تقوم هذه الجماعات بعمليات قتل وتفجير وانتهاك حرمة أناس تفرغوا لعبادة ربهم، وليس من المقبول الادعاء بإقامة دِين من أناس يحملون في يَدٍ راية "لا إله إلا الله" وفي اليد الأخرى متفجرات وأحزمة ناسفة يخربون بها بيوت الله ويقتلون الأبرياء، إن جرائم هذه الجماعة ومَن على شاكلتها تختلف تمامًا عن مبادئ الأديان وقيم الإنسانية والفطرة السوية.