رسائل الإمام من سيناء.. الإرهاب وباء سرطاني خطير غريب على المصريين

  • | الأربعاء, 13 ديسمبر, 2017
رسائل الإمام من سيناء.. الإرهاب وباء سرطاني خطير غريب على المصريين

     وُصفت زيارة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إلى مدينة بئر العبد بشمال سيناء بـ "التاريخية"؛ لأنها أعقبت الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجد الروضة، وراح ضحيته أكثر من 300 شهيد تقريبًا.
كان الطيب يتمتع بالجرأة الكافية لإعلان تحدي الإرهاب وأداء صلاة الجمعة في نفس المسجد الذي تعرض قبل أسبوع واحد لعملية إرهابية هزت مشاعر الرأي العام العالمي الذي أعلن تعاطفه بتنكيس الأعلام وإطفاء الأنوار وإشعال الشموع وغيرها، فقرر الطيب تأجيل زيارته إلى بنجلاديش لمساندة مسلمي الروهينجا الفارين من ويلات الاضطهاد وعمليات التهجير القسري في وطنهم بورما، والتوجه إلى أرض الفيروز لتقديم واجب العزاء وإعلان التضامن مع الشهداء والمصابين وتوجيه عددٍ من الرسائل التي تضمنتها كلمته الشهيرة:
1- التأكيد على الصمود الملحمي للشعب السيناوي، ليس فقط في مواجهة الإرهاب، وإنما في مواجهة انتهاكات احتلال 67 مرورًا بحرب الاستنزاف وحتى نصر أكتوبر المجيد عام 1973م. ولسنا هنا بصدد الحديث عن بطولات أهل سيناء ضد الاحتلال الإسرائيلي فهي تحتاج إلى كتب وليس مجرد مقال، لكن نذكر فقط تصريح الشيخ سالم الهرش نيابة عن قبائل سيناء في مؤتمر الحسنة بتاريخ 26 أكتوبر 1968م، وفيه:" إن هذه الأرض أرضنا -جميع المصريين- ورئيسنا هو الرئيس جمال عبدالناصر وإذا كانت سيناء محتلة حاليًا؛ فسوف تعود قريبًا إلى الوطن الأم" كنموذج على بطولة أهالي سيناء.
2- مواساة أسر الضحايا والتذكير بما أعده الله من ثواب عظيم للشهداء. يقول الطيب:" لا تظنون أن هؤلاء الشهداء الأبرار عانوا من آلام القتل ما يعـانيه كل القتلى من الألم، فقـد صَـحَّ عنه ﷺ أنَّه قال: «مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ أَلَمِ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ من ألم الْقَرْصَةِ».. ويكفي ما تحدثنا به شريعة الإسلام من أن الشهيد أرفع الناس درجة بعد الأنبياء والصِّديقين". هكذا عبر شيخ الأزهر بأسلوب بديع ورائع (ولست أهلاً للتقييم) عن خالص تعازيه للمصريين عمومًا وأهالي بئر العبد خاصة. فذكرهم (وربما أنساهم هول الصدمة) جزاء الشهداء في الآخرة.
3- كما أسلفنا فقد تحدى الطيب بهذه الزيارة الإرهاب، وقد اصطحب معه في الزيارة لفيف من أساتذة الأزهر والواعظات، ومجموعة من شباب مركز الفتوى بالأزهر، وعدد آخر من أعضاء وعضوات مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، وهو بذلك يصوغ مفهومًا جديدًا لمكافحة الإرهاب لا يقتصر فقط على الشق النظري، وإنما النزول بشكل عملي إلى بؤر الإرهاب ومؤازة الشهداء المتضريين.
4- اتخذ فضيلة الإمام عددًا من القرارات التي عبر من خلالها عن التضامن الفردي وتضامن الأزهر ككل مع الأبرياء؛ فقرر فضيلته البدء الفوري في توسعة معهد الروضة الابتدائي، وتحويله إلى إعدادي وثانوي، وصرف معاش شهري للأرامل والمحتاجين من بيت الزكاة، وإعفاء طلاب قرية الروضة من المصروفات الدراسية حتى الانتهاء من الجامعة، وإعلان سفر الأرامل للحج في العام المقبل على نفقة الأزهر، وإسكان طلاب وطالبات جامعة الأزهر من أهالى بئر العبد في المدن الجامعية، وفتح اتصال مباشر مع المحافظ وشيوخ القبائل ومشيخة لأزهر لتلبية الاحتياجات فورًا، واخيرًا توجيه قوافل دعوية وطبية لأهالي شمال سيناء وبخاصة بئر العبد. والمتابع يلحظ اهتمام الإمام بالجانب العملي باعتبارها أحد المحددات الأساسية في مكافحة الإرهاب.
5- رفض الإمام تكفير الإرهابيين، وقد أساء البعض فهم الإمام وصوروا ذلك على أنه دعم من الأزهر للإرهاب. لكن الحقيقة أنه لا يمكن لأحد أن يكفر شخصاً آخر يشهد "ألا إله إلا الله" لكن هذا لا يمنع كونه مسلمًا عاصيًا فاسدًا. وهذا ما أشار إليه بقوله:" أمَّا القَتَلَة الذين اجترؤوا على الله ورسوله، وسفكوا هذه الدِّماءَ الطَّاهِرة في بيتٍ من بيوتِه؛ فهؤلاء خوارج وبُغاة ومُفسِدُون في الأرض، وتاريخهم في قتل المسلمين وترويع الآمنين معروف ومحفوظ" مستشهدًا بقول الحق تبارك وتعالى:" إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".(المائدة: 33). وبذلك يعلن فضيلة الإمام حدَّ الحرابة على كل من تسول له نفسه الإفساد في الأرض.
6- يجدد شيخ الأزهر من أرض الفيروز المقدسة الدعوة إلى المصريين حكومةً وشعباً إلى تحمل المسئولية في الحرب الشرسة على الإرهاب، حتى استئصال ما أسماه بـ "الوباء السرطاني الخطير". والاطصفاف إلى جانب القوات الشرطية والعسكرية في مكافحة هذه الظاهرة الغربية على الشعب المصري شكلاً وموضوعًا.
بالإجمال كانت الزيارة مهمة وناجحة بكل المقاييس، واشتملت على الدعم المادي والمعنوي للمرابطين في ربوع مصر عموماً وسيناء تحديداً، والتأكيد على خطورة الحرب ضد الإرهاب، وأنه لا مفر من تقديم التضحيات اللازمة للخلاص من تلكم الظاهرة الغريبة.

وحدة رصد اللغة الفارسية

 

طباعة