أزمة دور عبادة المسلمين في فرنسا

  • | الأربعاء, 20 ديسمبر, 2017
أزمة دور عبادة المسلمين في فرنسا

     كالعادة فمن وقت لآخر، تطل علينا برأسها أزمةٌ تتعلق بالوجودِ الإسلامي على الأراضي الفرنسية لقضايا تتجدد يومًا بعد يوم إشكالات يمكن أن نصفها بالقديمة الحديثة التي تتفجر منها نقاشات حادة داخل المجتمع الفرنسي بأطيافه المختلفة، وتشكل مادة خصبة تتناولها وسائل الإعلام التي تبحث دائمًا عن التشويق والإثارة، بينما يكتوي بنيرانها  طرفا المعادلة كل مرة:  الحكومة الفرنسية والقادة السياسيين من ناحية والجاليات الإسلامية ومسئوليها من جهة أخرى.

 في هذه المرة برزت على الساحة الفرنسية أزمة مسجد "كليشي" لتحتل مساحة واسعة من المناقشات على مدار الأسبوع، ولتشهد مزيدًا من ردود الأفعال في الداخل الفرنسي.

   بدايات الأزمة:

في 22 من مارس2017 م قامت الشرطة الفرنسية بإخلاء دار العبادة "مسجد" الواقعة في شارع  Estienne d'Orves بعد صراع طويل بين البلدية التي تريد أن تحول المكان إلى مكتبة عامة، وبين اتحاد الجمعيات الإسلامية في "كليشي" الذي رفض بدوره مغادرة المكان على الرغم من صدورِ أمرٍ قضائي، في حين يرغب اتحادُ الجمعيات الإسلامية في "كليشي" في شراء هذه القاعة التي كان قد استأجرها "بعقد غير رسمي" تحت رئاسة البلدية السابقة التابعة للحزب الاشتراكي. حيث قرر "ريمي موزيو" رئيس البلدية الجديد الذي تم انتخابه في 2015 م بتحويل المكان الذي يستقبل يوميًّا من 3000 إلى 5000 مسلم إلى مكتبة؛ هذا على الرغم من "وعوده الانتخابية" التي كان قد وعد بها مسلمي مدينته، ببيع المبنى لهم، ثم تراجع عن ذلك، بعد فوزه في الانتخابات.

ومنذ ذلك الحين ومسلمو بلدة "كليشي" يحتجون على إغلاق دار العبادة الخاص بهم وعبَّروا عن احتجاجهم هذا بتأدية صلاة الجمعة أمام مقر البلدية وسط بلدة "كليشي".

       موقف اتحاد الجمعيات الإسلامية في "كليشي" من غلق المسجد:

وصفَ رئيسُ اتحاد الجمعيات الإسلامية في "كليشي" ما حدثَ "بالاستفزازات" وطالب عمدة البلدية بالعودة "للحوار". وأعلن عن رغبة اتحاد الجمعيات الإسلامية في "كليشي" في شراء القاعة التي كان قد استأجرها.

       وأمام مطالب المسلمين بتوفير مكان ملائم لأداء الصلاة فيه عوضًا عن الذي تم إغلاقُه، رد "ريمي موزيو" عمدة البلدة بأن المكان الجديد موجود بالفعل وهو عبارة عن مسجد جاهز لاستقبالهم في شمال البلدة، كان قد افتتحه في منطقة Trois-Pavillons، وتديره جمعية أخرى ويبعد مسافة كيلو ونصف عن وسط المدينة. إلا أن اتحاد الجمعيات الإسلامية في "كليشي" رأى أنَّ هذا المسجد يقع في منطقة نائية، فضلًا عن كونه صغيرًا للغاية ولا يراعي الاعتبارات الأمنية وخدمة النقل العام فيه سيئة، الأمر الذي أنكره رئيسُ البلدية.

       تفجر الأوضاع وتفاقمها:

       شهد يوم الجمعة 10 من نوفمبر2017م تطورًا على مسرح الأحداث، حيث حاول ساسةٌ فرنسيون (تابعين لأحزاب اليمين والوسط) بلغ عددهم نحو المائة، منع المسلمين من أداء صلاة الجمعة ف  الشارع.

 

       جلسة استجواب الحكومة في البرلمان حول الأزمة:

       موقف وزير الداخلية الفرنسي:

       قال "جيرارد كولومب" وزير الداخلية الفرنسي يوم الثلاثاء الماضي أمام الجمعية الوطنية : "لا يمكن أن تكون هناك صلاة في شوارع بلدة "كليشي" التابعة لإقليم أوت دوسين، إلا أن مسلمي هذه البلدة ينبغي "أن يكون لهم مكان لائق للعبادة".

       وردًّا على سؤال "جيلبيرت كولار" المنتسب للجبهة الوطنية قال الوزير: "لقد طالبت من إدراة الإقليم التواصل مع نواب بلدة "كليشي" ومع مسلمي هذه البلدة من أجل التوصل لحل هذه المشكلة".

       وأكَّدَ الوزير "أن هذه هي العلمانية الفرنسية التي وصفها "أريستيد بريان" حينما قال بأن قانون 1905م هو قانون الحرية : حرية الاعتقاد أو حرية عدم الاعتقاد حرية ممارسة العبادة التي اختارها الشخص، شريطة أن يتم ذلك في إطار احترام النظام الجمهوري، وهذا ما ترغب أن تقوم به الجمهورية".

       موقف المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية:

       تحت تأثير "الصدمة" التي سببتها إشكالية الصلاة في الشارع، طالب "عبد الله زكري" العضو بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية السلطات مضاعفة عدد أماكن العبادة المخصصة للمسلمين في فرنسا. حيث يوجد منها حاليًا 2500 مكان.

       هذا الطلب لن يمر دون لفت الأنظار، فمن خلال قناة سي نيوز، وتحت تأثير "الصدمة" التي سببتها إشكالية الصلاة في الشارع، طالب "عبد الله زكري، العضو بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية يوم الجمعة، السلطات مضاعفة عدد أماكن العبادة المخصصة للمسلمين في فرنسا. حيث يوجد منها حاليًا 2500 مكان. وقال "لنكن صريحين، نحن نشعر بالصدمة لممارسة شعائر ديينا في مصارف المياه" وطالب قائلًا " المشكلة ليست هنا. مشكلة في فرنسا حاليًا هي مضاعفة أعداد أماكن العبادة"

وتابع "أقصد تخصيص قاعات ثابته للصلاة لكي تتوقف ظاهرة الصلاة في الشوارع التي لا تلقى استحسانًا!".

       ويتابع مرصد الأزهر عن كثب ما ستسفر عنه الأيام القادمة، معربًا في ذات الوقت عن أملِهِ في ألا يتم توظيف هذا الأمر واستغلاله لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة من قِبَلِ اليمين المتطرف الفرنسي وتسويقه إعلاميًّا في الداخل بأنه "احتلال المسلمين للملك العام" دون سند قانوني أو أخلاقي، بينما يدخل هذا في إطار العنصرية وأفعال الإسلاموفوبيا التي تدعوا لها هذه الأحزاب.

       ويدعو مرصدُ الأزهرِ كذلك مسلمي فرنسا إلى المطالبة بحقوقهم الشرعية عبر القنوات القانونية المشروعة وبأسلوب يعكس روح الإسلام وتعاليمه، مع التشديد على حسن تمثيلهم وتنظيمهم، وتجنب ما من شأنه إثارة الرأي العام الفرنسي عليهم أو ما يمكن استغلاله إعلاميًّا وسياسيًّا ضدهم ويحول دون الحصول على حقوقهم.

 

وحدة رصد اللغة الفرنسية

طباعة