انطلاقًا من حرص مرصد الأزهر باللغات الأجنبية على متابعة أحوال الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض؛ للوقوف على أهم المشكلات والمصاعب التي تواجه الأقليات المسلمة، تقوم وحدة الرصد باللغة الإسبانية بمرصد الأزهر بإعداد مجموعة من التقارير المُفصّلة عن أحوال الإسلام والمسلمين في إسبانيا ودول أمريكا اللاتينية. وفي هذا التقرير نستعرض أحوال الإسلام والمسلمين في جمهورية الأوروجواي، باعتبارها إحدى دول أمريكا اللاتينية المتحدثة بالإسبانية.
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن التعداد السكاني في جمهورية الأوروجواي وصل إلى ما يقرب من 3,444 مليون نسمة في عام 2016، وتبلغ مساحتها 176,000 كم2 وهي ثاني أصغر دولة في أمريكا الجنوبية بعد سورينام.
وتقع أوروجواي في الجزء الجنوبي الشرقي من أمريكا الجنوبية، وتحدها البرازيل من الشمال، ونهر أوروجواي من الغرب، والمحيط الأطلنطي من الجنوب الشرقي، ونهر ريو دي لا بلاتا الأرجنتيني من الجنوب الغربي. وقد استوطنها الإسبان سنة 1516 ثم استعمرتها البرتغال عام 1680 ثم استردها الإسبان عام 1778 إلى أن أعلنت استقلالها عام 1825.
ويعتنق الغالبية العظمى من السكان الديانة المسيحية، وهناك نسبة تقل عن 5% من سكان أوروجواي ممن يعتنقون ديانات أخرى مثل الإسلام واليهودية والبوذية وغيرها.
• الإسلام والمراكز الإسلامية في الأوروجواي
وصل الإسلام إلى الأوروجواي خلال النصف الثاني من القرن العشرين خصوصًا مع موجات الهجرة التي توالت على هذه الأجزاء من القارة اللاتينية، وأغلب المهاجرين كانوا من العرب المسلمين خاصة من الفلسطينيين بعد حرب عام 1948، وكان هناك بالطبع نسبة ليست بالقليلة من المهاجرين العرب من المسيحيين.
ويقدر عدد المسلمين في الأوروجواي بحوالي 1500 نسمة، غالبيتهم من العرب الذين هاجروا إلى الأوروجواي عبر الحدود مع البرازيل. وفي هذا السياق، أوضح المصري "سمير سليم الإمام" مدير المركز الإسلامي الثقافي المصري في أوروجواي خلال مقابلة مع صحيفة "إلباييس" El País الأوروجوانية أن المجتمع المسلم ينمو في البلاد بوتيرة بطيئة ولكنها ثابتة، حيث يعتنق شخص -على الأقل- الإسلام أسبوعيًا، كما توقع أن هذا النمو سيستمر في التصاعد مستقبلاً، الجدير بالذكر أن عدد النساء اللاتي اعتنقن الإسلام يفقن مثيلهن من الرجال.
كما أكد "خوان بيدرو ريباس" جمعية الأخوة الإسلامية" في تصريحات صحفية أن زيادة انتشار الدين الإسلامي في "أوروجواي" يرجع إلى نشاط المؤسسة الذي تطور خلال العام الماضي، وتجدر الإشارة إلى المهمة الرئيسية لمؤسسة "جمعية الأخوة الإسلامية" هي نشر الإسلام وخلق روابط صداقة بين الثقافة الإسلامية والثقافة الأم، ولديها راديو على الإنترنت باسم "هنا الشعوب" Acá los pueblo، ووكالة إخبارية هي Indamislam Pres، وكذلك تقوم المؤسسة ببيع كتب الثقافة الإسلامية وإعارتها.
ويتركز المسلمون في الأوروجواي في ثلاث مناطق رئيسة: العاصمة "مونتفيدو" ومدينتي "ريبيرا" و"تشوي" الحدوديتين مع البرازيل، ويعيش في "تشوي" العدد الأكبر من المسلمين في الأوروجواي، أما مدينة "ريبيرا"، والتي ترفع علم البرازيل مع علم الأوروجواي وتتحدث لغة هي خليط من الإسبانية والبرتغالية، ويكثر بها عدد المسلمين العرب (فلسطينيون وسوريون ولبنانيون)، بل وصلت نسبة العرب العاملين بالتجارة في المدينة إلى حوالي 70%.
وليست هناك مساجد بالمعني المعروف، إنما هناك ثلاثة مراكز إسلامية ملحق بها مصلى صغير، أقدمها هو "المركز الإسلامي الثقافي المصري" ملحق به مسجد للصلاة في العاصمة، ومضى على تأسيسه 35 عامًا حيث أنشئ في عام 1982، ويقع ـفي شارع "بالتاسار بارجاس" ويترأسه حالياً الشيخ سمير سليم، وهو مصري يعيش فى الأوروجواي ومهمته الأساسية هي تعليم الدين الإسلامي واللغة العربية وإحياء المناسبات الدينية، ومحاولة نشر الإسلام بين المواطنيين الأصليين. كما يقوم المركز بعقود الزواج وتوزيع المنشورات والكتب باللغة الإسبانية للتعريف بالإسلام. الجدير بالذكر أن خطبة الجمعة هناك تُلقى باللغتين الإسبانية والعربية.
أما ثاني هذه المراكز فهو المركز الإسلامي الأوروجواني والذي يقع في العاصمة، وتعود فكرة إنشائه إلى رجل الأعمال السوري علي خليل أحمد، وهو المسئول عن إدارة المركز.
أما الثالث فهو "المركز الثقافي الإسلامي" الأوروجواني، ويعتبر المركز الوحيد للمسلمين الذي يديره قادة مسلمون وُلدوا ونشأوا في أوروجواي، ويترأسه "محمد جبريل جوثمان".
ومن بين الأنشطة التي يقوم بها المركز الثقافي الإسلامي في الأوروجواي:
• توزيع الكتب الإسلامية المجانية على المدارس والجامعات والمؤسسات، لمن يريد أن يتعرف على الإسلام، وقد قام بتوزيع ما يقرب من 5.408 كتب وأسطوانات مدمجة داخل الأوروجواي وخارجها.
• المشاركة في المؤتمرات والندوات التي تهدف للتعريف بالإسلام.
• إلقاء دروس عن الإسلام والسيرة النبوية وتعليم القرآن الكريم واللغة العربية للأطفال.
وقد شارك المركز في مبادرة من مجلس التدريب والتعليم بمدينة "مونتفيدو"، وقام بتنظيم ندوات لطلبة الدراسات العليا في الأقسام الأكاديمية الوطنية للتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع، تناولت موضوعات عن الإسلام والمسلمين في الوقت الحالي. كما شارك في محاضرة حول الإسلام مع طلاب الجامعة الكاثوليكية في أوروجواي.
تجدر الإشارة إلى أنه في بلدية "تشوي" يُشيّد حالياً أكبر مسجد على الحدود بين أوروجواي والبرازيل على مساحة 520 م2، وقد بدأ العمل فى بنائه عام 2007 بتكلفة 4 ملايين دولار وتوقفت أعمال البناء لفترة طويلة بسبب الأزمة الاقتصادية، وقد أوشكت الآن على الانتهاء، ويتسع المسجد لــــ 150 فردًا. وفي هذا السياق، قال رئيس النادي العربي "باسا الحويطي" إن المسجد لن يكون مكاناً للصلاة فحسب، بل سيكون كذلك مكانًا للاجتماعات لتعليم الإسلام والتواصل والترابط بين المسلمين، بالإضافة إلى أن المسجد سيكون مفتوحاً لغير المسلمين.
• مشكلات المسلمين في الأوروجواي
يتعايش المسلمون في المجتمع الأوروجواني بدون مشاكل كبيرة تذكر، سوى بعض الإشكاليات مثل الدفن ومعاملة النساء اللاتي يرتدين الحجاب بشكل فيه نوع من التمييز. وبالنسبة لإشكالية دفن الموتي وفقًا للشريعة الإسلامية لأن القانون لا يسمح لهم بذلك. لذا تركز الجالية المسلمة جهودها في الوقت الحالي على المطالبة بتخصيص مساحة في المقبرة الواقعة شمال العاصمة بسبب تزايد عددهم مع مرور الوقت. وتقدر مساحة المقبرة بحوالي 100 متر وتتسع لـ 20 مقبرة. وتكافح الجالية المسلمة للحصول على قطعة الأرض من أجل حقوق مسلمي أوروجواي في بلادهم. ويدفن المسلمون الذين يموتون في الوقت الحالي في المقابر العامة حيث يتم تسليم الجثة إلى مجلس البلدية لدفنها. ولهذا يطالب المسلمون بدفنهم فى مقبرة خاصة للمسلمين.
ويؤكد ذلك التقرير السنوي للحرية الدينية الدولية لوزارة الخارجية الأمريكية عام 2016 والذي يشير إلى أن الجالية المسلمة في أوروجواي لديها إشكالية تتمثل في عدم وجود مقبرة إسلامية، وعدم الدفن وفقاً للشريعة الإسلامية. وأضاف التقرير أن المسلمين غير راضين عن التمييز الديني الذي تتعرض له النساء اللواتي يرتدين الحجاب في الأماكن العامة، بالإضافة إلى قلقهم إزاء عدم معرفة الأوروجوانيين بمعتقداتهم الدينية، التي يقولون إنها كثيراً ما تؤدي إلى وقوعهم ضحية للتمييز. ولهذا السبب، قُدمت العديد من الشكاوى حول خطابات الكراهية خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ومن خلال قراءتنا في هذا الصدد نجد أن التقرير قد أوضح بعض مشاكل المسلمين في الأوروجواي على الرغم من عدم اعتراف المركز الإسلامي بالنتائج.
وهناك مشكلات من نوع آخر حيث، يشير بعض المسلمين الأوروجوانيين أنهم يشعرون بالاضطهاد من قبل المسلمين العرب الموجودين في الدولة أكثر من اضطهاد غير المسلمين لهم، حيث يعتبرهم المسلمون العرب "أقل إسلاماً" منهم لدخولهم الإسلام في سن متأخرة وليس منذ الصغر. وإن صح هذا فهو يعد مخالفة لتعاليم الشريعة السمحة التي حددها الله سبحانه في القرآن الكريم بقوله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " (الحجرات -13) وقول النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى".
• المرأة المسلمة في أوروجواي
بشكل عام، تعاني المرأة المسلمة في الأوروجواي من بعض مظاهر العنصرية مثل غيرها من النساء في أمريكا اللاتينية خاصة النساء اللواتي يرتدين الحجاب في الأماكن العامة، وتنعكس هذه العنصرية أحيانًا في عدم قبول المرأة في العمل إذا كانت محجبة، ويجعلون من لباس المرأة المسلمة مدعاة للسخرية خاصة من جانب المتطرفين فكريًا، وأحيانا من جانب أفراد العائلة. وبالحديث عن الحجاب نود أن نشير إلى ما ذكرته "هبة فييرا"، رئيسة اتحاد المسلمات الأوروجوانيات، حيث تفتخر بأن أوراق الهوية التي تحملها بها صورتها بالحجاب، وقد كانت قد رفعت الأمر إلى القضاء بعد أن رفض موظفو الهيئة المختصة بإصدار أوراق الهوية قبول صورتها بالحجاب، وقد تركزت مرافعة محاميتها أمام المحكمة في أن القانون الأوروجواني ينص على أن "نساء الدين" يمكن تصويرهن بشعر مغطى، وهو الحال مع الراهبات، وقد طالبت المحامية بمساواة "هبة" والتعامل معها على أساس هذا المبدأ القانوني، وقد قبلت المحكمة المرافعة وأصدرت حكمها بالتصريح للمسلمات بأن تحمل صوراً بالحجاب.
ويرى المرصد أنه من الضروري الاهتمام بدعم المؤسسات الدينية في أمريكا اللاتينية عموماً وفي الأورورجواي خصوصًا، وضرورة التواصل مع المؤسسات الإسلامية في هذا البلد، كذلك من الممكن تقديم بعض المنح للمسلمين لدراسة الإسلام في جامعة الأزهر من أجل التعرف بشكل أوضح على الإسلام من منابعه الصافية دون أن يخالطها أي نوع من المغالطات أو الأفكار الشاذة والتي بدت في مناطق أخرى من هذه القارة.
وحدة الرصد باللغة الإسبانية