في ظل تفاقم الأزمة التي يتعرض لها مسلمو الروهينجا في ولاية راخين في دولة ميانمار ذات الأغلبية البوذية، ووسط تدهور الوضع الإنساني في مخيمات اللاجئين من الروهينجا في مدينة كوكس بازار البنغالية؛ جاء بصيصٌ من أملٍ حول اتفاق بين الحكومتين البنغالية والبورمية على إعادة توطين الروهينجا في قراهم ومنازلهم التي أصبحت هي والعدم سواء، بَيْدَ أنّ ما أثار الدهشة هو رفض الروهينجا العودة والإذعان لهذا القرار، وما ذلك إلا لأنهم مُتَيَقِّنون أن الحال سيئول إلى أسوأَ مما هو عليه الآنَ، مالم تكن عودتهم على أسس وقوانين تضمن عدم تعرضهم للتطهير العِرْقي والاعتداءات الوحشية؛ ما بين قتل جماعي وتهجير ومصادرة للأموال والممتلكات.
واليوم تطالعنا الصحف؛ أن المستشارة البورمية " أونغ سان سو تشي"- السيدة التي كان يُتَوَقَّع منها أن تسهم في وضع حل لهذه الأزمة الإنسانية في بلادها، قد رفضت ذكر اسم "الروهينجا"- الاسم الذي تُعرف به هذه الأقلية التي تقطن هذا الإقليم من دولة ميانمار- في معرض حديثها عن هذه الأزمة التي تضرب بهذه الولاية من بلادها خلال لقائها مع قادة "مجموعة الأسيان"، وهو ما يدل على أن السيدة ليست بمعزل عن الفكرة الأيديولوجية العنصرية التي تسيطر على بني جلدتها من بوذيّ ميانمار، من عدم الاعتراف بهذه الطائفة من المسلمين كمواطنين تابعين للعَلَم البورمي، وإنما ينظرون إليهم باعتبارهم مهاجرين غير شرعيين وفدوا إليها من دولة بنغلاديش ذات الأغلبية المسلمة، الأمر الذي يُنبئ في الحقيقة بأن هذه الأزمة سيطول مداها أكثر من ذلك بسبب هذا الموقف من "سو تشي"، وبسبب عوامل أخرى منها: وقوف دول منظمة الأسيان موقف المتفرج الذي لا يأبه لما يدور حوله من مؤمراتٍ ضد كرامة الإنسان، فنجد قادتها وقد أشاحوا بوجوههم عن الأزمة، زاعمين أنها شأن داخلي بورمي ليس لأي دولةٍ أخرى أن تتدخل فيه.
ويعرب مرصد الأزهر عن عميق أسفه لمثل هذا الموقف من الزعيمة البورمية التي لطالما نظر إليها العالم نظرة تقدير واحترام، جَرّاءَ مناضلتها في مجال حقوق الإنسان، داعيًا القيادة البورمية أن تتحلّى بوازعٍ من إنسانيةٍ وضميرٍ، وأن تثوب إلى رشدها، وأن تمنح الروهينجا حقوقهم الدينية والمدنية كاملة، كما يُهيب "المرصد" بحكماء العالم شرقًا وغربًا التدخل لتسوية هذه الأزمة، ووضْع حدٍّ لهذه المأساة التي سيذكر التاريخ يومًا أنها إحدى سوءات القرن الحادي والعشرين.
يُذكر أن الأزهر الشريف قد عقد مؤتمرًا عالميًّا في يناير من العام الماضي تحت عنوان: "نحو حوار إنساني حضاري من أجل مواطني ميانمار (بورما)"، دعا فيه الطرفين للجلوس على مائدة الحوار سويًّا للتوصل إلى حلٍّ لهذه الأزمة في بلادهم، وأعقب ذلك البيان العالمي الذي أصدره فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر عقب تجدُّد الأحداث الدامية في الخامس والعشرين من أغسطس الماضي، والذي دعا فيه دول العالم إلى ممارسة ضغوطات سياسية واقتصادية على ميانمار حتى توقِفَ عمليات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الروهينجا هناك، ثم قافلة المساعدات الإنسانية التي أرسلها الأزهر الشريف لتخفيف آلامهم والوقوف على الوضع الإنساني على أرض الواقع.