ترشيد استخدام المياه

  • | الثلاثاء, 3 أبريل, 2018
ترشيد استخدام المياه

     إذا تأمل الإنسان هذا الكون من حوله لوجد أن الله تعالى سخر له من مقومات الحياة ودعائمها  ما يضمن له حياة كريمة، وعيشة هنية، قال تعالى في معرض الامتنان على عباده: { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ}[لقمان:20]
 ولو حاول الإنسان أن يعدد شيئًا من نعم الله عليه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وأنّى له ذلك وكل نعمة تنطوي على نعم! قال تعالى:{ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }[النحل:18].
لذا فالواجب على الإنسان تجاه عجزه عن عدِّ نعم الله عليه أن يبذل قصارى جهده ليؤدي جزءً من شكر هذه النعم، ولكن الخطر الذي قد يحول بين الإنسان وبين أداء شكر النعمة هو ما يألفه الإنسان من رؤية النعمة، فيولد هذا الإلف عنده حالة من  الاعتياد لوجود النعمة، وبالتالي يغفل عن شكرها.
ومن النعم التي قد يغفل الإنسان عن شكرها لاعتياده رؤيتها نعمة الماء، ومما لا يخفى  أن وجود الماء مرتبط بوجود الحياة، والعكس، فلا يمكن أن تجد حياةً حيث يُفقدُ الماء، ولا يوجد أحياءٌ حيث ينعدم الماء، هذا ما ألمح إليه هذا البيان الإلهي في قوله تعالى:{وَجَعَلنَا مِنَ المَآءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:30] قال المفسرون: « وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ  النازل من السماء، والنابع من الأرض  كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ‏ نبات وغيره‏ ،‏ أىْ‏ْْْ :‏ فالماء سبب لحياته‏ ».
والماء عصب الحياة وأساس بقاء الكائنات على هذه الأرض، وهو من رحمة الله بعباده، به تطيب نفوسهم، ويغمر البشر والفرح قلوبهم، قال تعالى في معرض الامتنان على عباده: { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}[الشورى:28].
 ومن فضل الله على عباده أن يجعل لهم في هذا الماء وفرة تعينهم على أمور حياتهم، قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ }[ الأنعام: 99].
ولقد اعتنى الإسلام بقضية الماء أيما عناية، يظهر ذلك جليًّا من خلال إبراز أهمية الماء من منظور إسلامي، وقد ألمح القرآن إلى الأخطار التي قد تصيب الأحياء، إذا لم يأذن ربنا سبحانه بنزول الماء، أو أنزله غير صالح للاستعمال فقال تعالى: {أفرأيتم الماء الذي تشربون* أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجًا فلولا تشكرون} [الواقعة: 68-70]
وقال: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا}[ الفرقان: 48-49].
بل إنَّ الماء العذب الفرات النازل من السماء رحمة من الله بعباده، قال تعالى {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته...}[ الروم: 46] ؛ لذلك هو نعمة تستوجب شكر المولى تبارك وتعالى.
ولقد أتمَّ الله النعمة على الإنسان بأن سخر له البحار والأنهار، وجعلها تحت سيطرته؛ للانتفاع بما فيها، فقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل:14]، أما بالنسبة للأنهار فقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم الأَنهارَ}[ إبراهيم:32]، فالماء ليس ملكًا لأحد بل هو عطية الله - سبحانه- إلى الخلق جميعًا والناس فيه شركاء.
وانطلاقًا من هذا أباح الإسلام للإنسان أن يتمتع بكل ما هو طيب من غير إسراف، قال تعالى: {يٰبَنِيٓ آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْـمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31].
والماء كغيره من الطيبات المباحة لا يجوز الإسراف في استخدامه؛ لذا فمن الأخطار التي تواجه المجتمعات وتهدد حياة الشعوب سوء استهلاكه، أو الإسراف فيه، أو اعتباره مادة رخيصة الثمن!!
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في استخدام الماء في العديد من الأحاديث الشريفة ومن ذلك: حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي: أن النبي -صلي الله عليه وسلم -  مرَّ بسعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه-  وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا السرف يا سعد؟ »، قال: أفي الوضوء سرف؟، قال: "نعم، وإن كنت على نهر جار"[ رواه أحمد في مسنده (6/481)].
واعتبر الإسلام تجاوز الحدِّ في استعمال الماء حتى ولو كان للطاعة اعتداءً وإسرافًا، فعن عبد الله بن معقل رضي الله عنه قال سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول «أنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء».
[ رواه أبو داود في سننه، كتاب: الطهارة، باب: الإسراف في الماء، رقم (96)]
وإمعانًا في هذا التحذير نجده عليه الصلاة والسلام يدعو إلى ترشيد استخدام الماء في الضوء والغسل، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل، أو كان يغتسل، بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد ».[ رواه البخاري في صحيحه، كتاب: الوضوء، باب: الوضوء بالمد، رقم (201)].
وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الوضوء؟ فأراه ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: هذا الوضوء فمن زاد عن هذا فقد أساء وتعدى وظلم» [رواه أحمد في مسنده (6/240)، والنسائي في سننه الكبرى (1/ 106)].
وانطلاقًا من هذه التوجيهات النبوية، واستجابة لدعوة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر للمشاركة في حملة ترشيد استهلاك المياه، يدعو مرصد الأزهر جميع المصريين إلى ترشيد استهلاك المياه كمًّا وكيفًا، وأن يبتعدوا عن الإسراف، وأن يستخدموا الماء فيما يحتاجون إليه شكرًا لله على هذه النعمة وحفاظًا عليها من الضياع..

 

طباعة
كلمات دالة: