قبل شهر من ارتكابه لحادثه الإرهابي، قام مرتكبُ حادث مسجد "كيبيك" الإرهابي، بعمل بحث على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع أخرى على الإنترنت عن شخصيات يمينية متطرفة، ومصادر إخبارية يمينية.
وبعد يوم من ارتكابه للحادث؛ أكَّد الجاني أنَّه فعل ذلك متعمدًا ليمنعَ المهاجرين واللاجئين من دخول كندا؛ حمايةً لبلده من الإرهاب المحتمَل بفتح أبوابها أمام هؤلاء اللاجئين، وأراد بذلك حماية أهله ومجتمعه من أنْ يُقتلوا بهجوم ينفّذه هؤلاء المهاجرون المسلمون.
ومنذ ارتكاب الحادث إلى الوقت الذي تمَّ فيه معرفة التقرير التاريخي للمواقع التي بحث عنها الجاني، لم يتطرّقْ أحدٌ للحديث عن التوجُّهات اليمينية والمؤثرات الخارجية على عقل الجاني.
إن التعامل مع أثر هذه المواد الراديكالية على عقلية الجاني تؤكِّدُ بوضوح مدى المعيارية التي يتعامل بها المجتمع مع المتطرفين، ويبيّن مدى ازدواجيتها؛ فإذا ارتكب الحادثَ إرهابيٌّ أبيضُ مسيحي ضد المسلمين يبدأُ الحديث عن اضطرابات نفسية للجاني ومؤثرات على الإنترنت غيَّبت عقله وعوامل خارجة عن إرادة الجاني جعلته يقوم بهذا الفعل الجنائي؛ وعلى صعيدٍ آخَرَ، إذا ارتكب الحادثَ الإرهابي راديكاليٌّ مسلم فلا أحدَ يتحدث عن اضطرابات نفسية أو مؤثّرات خارجية، فيكفي أن يعرفَ المجتمع أنَّه مسلم وأنَّه على عَلاقة بتنظيم داعش أو غيره من التيارات الإرهابية فيصبّوا غضبهم عليه ويطالبوا بأشد العقوبات.
وفي هذا الصدد، تابعت وحدة رصد اللغة الإنجليزية بمرصد الأزهر، تصريحات كبير باحثي معهد الحوار الإستراتيجي لمواجهة الارهاب، والتي أكَّد فيها: "أنَّ مرتكب هذا الحادث لو كان مسلمًا إرهابيًّا وتَبَيّن أنَّه تصفّحَ مواقعَ راديكالية لداعش؛ لتَوَقّف فورًا الحديثُ عن دوافعَ أو مؤثّراتٍ خارجية أو اضطرابات نفسية"، وأضاف: "أنَّه من الضروري عدم النظر إلى حادث "كيبيك" على أساسِ أنَّه فِعْلٌ فرديٌّ، ولكن لا بد من النظر إليه على أساس أنَّنا نمتلك شبكة تواصل بين المتطرفين والراديكاليين، مُكَوَّنة من نشطاءَ وسياسيين ومفكّرين، ونفهم مدى تأثير هذه الشبكة على أطفالنا".
وعلى الرغم من تأكيد التحقيقات تَوَجُّهَ الجاني اليميني والراديكالي من خلال تصريحاته ومواقع الإنترنت التي اعتاد تصفحها؛ إلَّا أنَّ المحكمة لم تحاولْ تصنيف الجريمة تحت غطاء الفعل الإرهابي، وإنَّما سارعت بعرض الجاني على متخصص نفسي لفهم مدى وعيه وما إذا كان يعاني من اضطرابات نفسية.
الأمر لم يقتصرْ فقط على تاريخ الجاني الراديكالي، وإنَّما تَواصَلَ فعلُه المتطرف بعد ارتكابه للحادث؛ عن طريق إعلانه المتكرر بفخره لفعل ذلك، وأنَّه تمنّى لو قتَل المزيد من المسلمين.
بالإضافة إلى ذلك: فإنَّ هناك العديد من الحوادث والتفاصيل السابقة عن ارتكاب الجريمة تؤكدُ تَوَجُّه الجاني الراديكالي عن طريق مواقعه التي اعتاد تَصَفُّحها وآرائه المعادية للإسلام والمسلمين والمرأة والمهاجرين والتعددية الثقافية، والتي يتبيّنُ من خلالها: أنَّ الجانيَ يسير على نهج التطرف والتعصب منذ زمن.
رغم كل ما ورد عن سوابق الجاني الإرهابية؛ إلَّا أنَّ المجتمع بأفراده ومَحاكِمِه مُصِرٌّ على أنْ يستدعيَ العوامل النفسية والاضطرابات العقلية داخل المعادلة، عكس القضايا التي تطول المتطرفين الإرهابيين من المسلمين.
ما يحدث في قضية مسجد "كيبيك" يجعلنا نشير بالاتهام إلى مجتمعنا أكثر من الإشارة إلى المرتكب الحقيقي للجريمة، مجتمعنا الذي تأثّر بشبكة "الإسلاموفوبيا"، وصار يتعامل بازدواجية واضحة مع الراديكاليين ممّا يثير القلق والخوف نحو مستقبل مجتمعنا.
ويؤكّد "مرصد الأزهر" ضرورةَ مجابهة خطر "الإسلاموفوبيا"، والتي ارتفعت حِدّتها في أوروبا في السنوات القليلة الماضية، كما يؤكّد أن سيادة القانون وعدم الكَيل بمكيالين وتحقيق العدالة والمساواة في تطبيق القانون ووجوب مثول الجميع أمام القضاء العادل وتوقيع العقوبة على مرتكبي جرائم الكراهية؛ سوف يُسهِم في القضاء على هذه المخاطر التي تؤثّر سَلْبًا في أمن المجتمعات وتُهَدِّد استقرارها.