دور طريق الحرير في نشر الإسلام وثقافة السلام

  • | السبت, 28 أبريل, 2018
دور طريق الحرير في نشر الإسلام وثقافة السلام

     مع بُزوغ الصين كقُوة اقتصادية عظمى في العصر الحديث، وسعيها لتكوين شراكة اقتصادية مع مختلف دول العالم وخاصة الدول العربية، بدأت خطتها لإحياء طريق الحرير القديم تحت مسماه الجديد "الحزام والطريق"؛ والذي كان سببًا في ازدهارها تجاريًّا واقتصاديًّا، ومن خلاله أيضًا وصل الإسلام قديمًا إلى آسيا وبخاصة الصين، ولأهمية هذا الطريق يُقدم "مرصد الأزهر" خلال هذا التقرير تعريفًا بهذا الطريق القديم.

نبذة تاريخية

طريق الحرير هو الطريق التجاري الأكثر شُهرة في العالم القديم، وأحد أهم الركائز التي اعتمدت عليها الصين في بناء حضارتها القديمة؛ حيث استغل الصينيون منذ أكثر من ألفي عام الموانئ البحرية المنتشرة عبر أراضيها، كما استغلوا تميُّز الأراضي والأسواق الصينية بوجود صناعات وبضائع لم تكن تُعرف في ذلك الوقت. ويُعتبر الهدف التجاري هو الهدف الرئيسي من إنشاء هذا الخط التجاري، وكان طريق الحرير في بدايته يمر بعدد من الدول داخل آسيا وصولًا إلى أوروبا وإفريقيا.
ويرجع الفضل في إقامة طرق الحرير للجنرال (زانغ كيان) الذي فتح الطريق الأول بين الصين ودول الغرب في القرن الثاني قبل الميلاد؛ عندما أرسله أحد الأباطرة الصينيين من سلالة "هان" إلى الغرب، ولكن أعداء الإمبراطور ألقوا القبض عليه وحُكم عليه بالسجن 13 عامًا، لكن تمكّن من الهرب وعاد إلى الصين ليُخبر الإمبراطور بما رآه، ليطلب منه الإمبراطور أن يعود مرة ثانية في بعثة جديدة لتبدأ فِكرة طريق الحرير في الظهور.

الطريق البري والبحري

م يكن طريق الحرير طريقًا واحدًا بل كان عِبارة عن عِدة طرق، وكان يبلغ طوله حوالي 12 ألف كم. وقد بدأ الطريق بريًّا فقط، وما لبث أنْ بدأ التجار باستخدام السُفن في نقل بضائعهم ليُصبح الطريق بريًّا وبحريًّا. وبسبب انتشار الحروب أصبح التُجار يعتمدون على الطريق البحري في نقل بضائعهم أكثر من اعتمادهم على الطريق البري؛ حيث أصبح الانتقال عبره أكثر أمانًا. وقد أُقيمت حامية عسكرية في شمال جبال "تيان شان" الصينية؛ لضمان أمن هذا الطريق وسلامته.

Image

 

سبب التسمية

كان لهذا الطريق عدة أسماء لكنّ أول من أسماه "طريق الحرير" هو الرحّالة والجغرافي الألماني (فرديناند بارون فون ريشتهوفن) في كتابه "نتائج رحلاتي ودراساتي عن الصين"، وهو الاسم الذي استُخدم على نطاق واسع، إذْ كان "الحرير" أهم سلعة يتم تبادلها عبر هذا الطريق التجاري، وكانت الصين قد احتكرت إنتاج الحرير واعتبرته أمرًا سريًّا أبقت على كتمانه نحو ثلاثة آلاف سنة، حتى إنه كان يُعاقب بالإعدام كل من يتجرأ على إفشاء هذا السر.


طريق الحرير: ممر تُجاري ومُلتقى للثقافات

بواسطة هذا الطريق كانت تجري تبادلات واسعة النطاق بين مختلف المناطق والقوميات في مجالات مختلفة كالسياسة والاقتصاد والثقافة؛ فكان ممرًا للتبادل التجاري والثقافي، وكان له تأثيرٌ كبير على ازدهار كثير من الحضارات القديمة مثل الحضارة الصينية والمصرية والهندية والرومانية. وحتى إنه كانت هناك تبادلات تجارية وثقافية بين الصين ونحو مائة دولة ومنطقة في العالم، فكانت التجارة البحرية تبدأ من مدينة "تشيوان تشو" الصينية وتمتد إلى اليابان وإلى جنوب شرق آسيا وبلاد فارس والدول العربية وإفريقيا.
وكانت صادرات الصين تشمل الحرير والفخار، والخزف والشاي والحديد والصلب وغيرها، بينما كانت وارداتها تشمل التوابل والفلفل والأدوية واللؤلؤ وغيرها. ولقد عزز الطريق من قوة الصين وسيطرتها؛ حيث ازدادت ثرواتها ومخزونها من الذهب، كما نشطت وازدهرت حركة التجارة في العديد من الدول كمصر والهند.

طريق الحرير ودخول الإسلام إلي الصين

مَنّ الله تعالى على المسلمين بالفتوحات الإسلامية الكثيرة، وانتشر الدين الإسلامي في كثير من المناطق في العالم حتى وصل إلى حدود بلاد الصين، ودخل الناس في الإسلام بأعدادٍ كبيرة، وكان لطريق الحرير دورٌ كبير في انتشار الإسلام؛ فلم يتوقف دور طريق الحرير عند كونه طريقًا للتجارة بين الأمم والشعوب القديمة فحسب، وإنما تجاوز ذلك إلى آفاق إنسانية أخرى فانتقلت عبره الديانات، فبينما عرفت عدة مناطق البوذية، فقد عرفت آسيا الإسلام.

Image


وقد دخل الإسلام إلى الصين من خلال الفتوحات الإسلامية والتجارة، فجاء الإسلام إلى الصين من الغرب، وتمثّل في فتح مدينة "كاشغر" بتركستان الشرقية في العصر الأموي على يد القائد المسلم (قتيبة بن مسلم الباهلي). وزاد انتشار الإسلام من خلال القوافل التجارية الممتدة عبر طريق الحرير، فكان للتجارة دورٌ كبير في نشر الإسلام في الصين، حيث كان التجار يَعتبرون أنفسهم سُفراء الإسلام في المناطق التي يصِلون إليها، فكانوا يعملون في التجارة ويدعون إلى عبادة الله تعالى وحده، ويُرغّبون الناس في الإسلام من خلال أخلاقهم وتعاملاتهم، ومنهم من استقر في الصين وتزوج من الصينيات، وبنوا الكثير من المساجد والمدارس ممّا عمل على انتشار الإسلام. وتذكُر المصادر التاريخية أنّ مدينة "شي آن" الصينية التي تُعد بداية طريق الحرير، كانت هي أول مدينة يدخلها الإسلام على يد التُجار العرب. وكان الجميع يعيشون في الصين بكلّ حبٍّ وتعاون، فلا إكراه في الدين الإسلامي، لذلك كان المسلمون يتعاملون مع البوذيين والوثنيين بالإحسان مع احتفاظهم بالهوية الإسلامية، وتعايش الجميع في استقرار.
إنّ الميراث الأكبر الذي خلّفه طرق الحرير يتمثل في تلاقي الثقافات والشعوب وتيسير المبادلات بينها؛ حيث كان التُجار يتعلمون لغات وتقاليد البلدان التي سافروا عبرها كي ينجحوا في عقد مفاوضاتهم؛ فكان التفاعل الثقافي مكسبًا بجانب المبادلات المادية. وشهدت هذه الطرق تبادلاً للمعارف العلمية والفنية والأدبية فضلًا عن الحِرف اليدوية والأدوات التقنية، فما لبثت أن ازدهرت اللغات والثقافات وتمازجت، ومن أبرز الإنجازات التقنية التي خرجت من طرق الحرير إلى العالم هي تقنية صناعة الورق، وتطوّر تقنية الصحافة المطبوعة. وكانت نهاية استخدام طُرق الحرير أثناء حروب الدولة العثمانية مع دول أوروبا؛ حيث أغلقت كل الطرق التجارية الموصلة لقارة أوروبا.


طريق الحرير الجديد

تشهد العلاقات الصينية التجارية مع الدول المحيطة تطورًا سريعًا، حيث تسعى الصين إلى إحياء المكاسب الاقتصادية والتي حصلت عليها من طريق الحرير القديم. ففي 14 مايو 2017 افتتحت في العاصمة الصينية "بكين" قمة بمناسبة الاحتفال بإطلاق مبادرة "الحزام والطريق"، وكانت هذه المُبادرة قد أُعلن عنها للمرة الأولى في عام 2013، وتتضمن إنفاق الصين مليارات الدولارات على استثمارات في البنية التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية. كان الرئيس الصيني (شي جين بينغ) ضمن زيارته إلى دولة كازاخستان في سبتمبر 2013م، أعلن عن خطة لتأسيس طريق حرير جديد يصل الصين بأوروبا عُرفت بـمبادرة "الحزام والطريق"، ويصل هذا الطريق بين 60 دولة؛ لتعزيز التعاون الاقتصادي الدولي، ودعم حركة التجارة. وسيبدأ طريق الحرير الجديد من الصين ويمر عبر كل من تركستان وخراسان وكردستان وسوريا وصولًا إلى مصر ودول شمال إفريقيا ثم إلى أوروبا.
وفي العام ذاته وخلال زيارة الرئيس الصيني لدولة أوزبكستان، قام بزيارة متحف (الأمير تيمور) الذي رأى فيه خريطة لطريق الحرير القديم، وأشار الرئيس إلى موقع في الخريطة وقال لمُضيفيه: "إنها مدينة "شي آن"، نقطة انطلاق طريق الحرير، ومسقط رأسي".
وسيتضمن طريق الحرير البري 6 ممرات: الأول ممر الصين وغرب روسيا، والثاني ممر الصين ومنغوليا وروسيا، والثالث ممر الصين وآسيا الوسطى وآسيا الغربية ويمتد من غرب الصين إلى تركيا، والرابع ممر الصين وشبه جزيرة الهند - الصينية ويمتد من جنوب الصين إلى سنغافورة، والخامس ممر الصين وباكستان ويمتد من جنوب غرب الصين إلى باكستان، والسادس ممر الصين وبنغلاديش وميانمار والهند ويمتد من جنوب الصين إلى الهند. وأمّا طريق الحرير البحري فيمتد من الساحل الصيني مرورًا بسنغافورة والهند باتجاه البحر المتوسط.
ومن أهم دوافع الصين لمبادرة الحزام والطريق "طريق الحرير الجديد" هو تصدير الإنتاج الصناعي الصيني الفائض. وقد بذلت الصين جهودًا للتعريف بأهمية هذا الطريق، حيث كان هناك عِدة زيارات متبادلة رفيعة المستوى مع بعض الدول العربية وفي مقدمتها الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني (شي جين بينغ) إلى المملكة العربية السعودية، وأيضًا الزيارة التي قام بها إلى مصر وألقى خلالها خطابًا تاريخيًّا في مقر "جامعة الدول العربية"؛ معربًا عن حرص الصين على تنمية العلاقات مع الدول العربية.
وفي شهر مايو 2017 احتضنت العاصمة الصينية "بكين" الدورة الرابعة عشرة لاجتماع كبار المسؤولين لمنتدى التعاون الصيني العربي، والذي جرت خلاله نقاشات مستفيضة حول سُبل تعزيز العلاقات الصينية العربية في الظروف الجديدة، وخاصة على ضوء البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" والذي أصبح عنوانًا جديدًا للتعاون بين الجانبين، وسعت العديد من الدول العربية إلى المشاركة بفعالية في تنفيذ هذه المبادرة؛ بهدف الوصول إلى تحقيق التكامل بين خطط التنمية الوطنية وبين المبادرة الصينية الطموحة.
ويؤكد المرصد أنه كما كان طريق الحرير القديم فرصة كبيرة لنشر الإسلام بين الشعوب، وتبادل الثقافات والتجارة، فإنّ المسلمين في الوقت الراهن يجب عليهم أن يستغلوا محاولة الصين لإحياء طريق الحرير تحت مسمى مشروع "الحزام والطريق"؛ ليكون فرصة في نشر ثقافة التعايش والسلام، والتعريف بصحيح الدين.

وحدة الرصد باللغة الصينية

 

طباعة