صعوباتٌ في توفير عِمالةٍ متخصصة لمركز مكافحة التطرف بألمانيا

  • | الخميس, 10 مايو, 2018
صعوباتٌ في توفير عِمالةٍ متخصصة لمركز مكافحة التطرف بألمانيا

     بالتزامن مع الضربات المتلاحقة والهزائم المتتالية التي يتلقاها تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، ازدادت أعداد العائدين من التنظيم إلى أوطانهم؛ ففي ألمانيا مثلًا: يُتوَقَّع رجوع أعداد كبيرة من مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي، ولا يقتصر ذلك على عودة المقاتلين من الرجال فقط، بل يتعدّاه إلى عودة نساء وأطفال من مناطق القتال، وقد صرّحت السيدة "إيفا كونه هورمان"، وزيرة العدل المحلية بولاية "هيسن"، بأنه خلال الأعوام المقبلة سيتعين علينا تَوَقُّع موجة من المتطرفين في سجوننا، وأن هذا يُمثِّل تحدّيًا كبيرًا لعملنا الذي يهدِف إلى مكافحة التطرف والوقاية منه.

وليس العائدون من داعش وحدهم هم الذين يمثّلون خطرًا على المجتمع الألماني، فهناك تحذير أطلقه السيد "يورغ تسيركه"، رئيس المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، من تزايد حالات التطرف في المدارس الألمانية، وأضاف أيضًا: أن الأمر لا يقتصر على العائلات المهاجرة، بل يتعداه لعائلات ألمانية اعتنق فيها أحد الوالدين الإسلام.
وفي هذا السياق، صرّح أيضًا السيد "هانز جيورج ماسن"، رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية، لصحيفة "نويه أوسنابروكر تسايتونج": بأنه يوجد في ألمانيا يساريون متطرفون بشِدّة، يبلغ عددهم نحو 28 ألف شخص، من بينهم 8500 شخص لديهم استعدادٌ للعنف، وعددهم في تزايد مستمر، معتبرًا أن المتطرفين اليساريين صاروا أكثرَ استعدادًا للعنف في مواجهة خصومهم السياسيين والشرطة، وأشار إلى أن هذا التنامي في الاستعداد للعنف ملحوظ لدى المتطرفين من كافّة التيارات.

ولتفادي الأخطار الثلاثة سابقة الذكر: (العائدين من داعش، والتصدي لزيادة حالات التطرف داخل المدارس الألمانية، والاستعداد للعنف من قِبَل المتطرفين اليساريين) تمّ تأسيس مركز استشاري في ألمانيا لمكافحة التطرف في عام 2012، وهو مركزٌ تابع للمكتب الاتحادي لشئون الهجرة واللاجئين، وله مقرات فرعية في جميع الولايات الألمانية، وهو ملاذ لمن يريد أن ينقذ أحد الأقارب أو الأصدقاء من الوقوع في براثن التطرف والإرهاب.

وبسبب زيادة الطلب على الاستشارات الخاصة بمكافحة التطرف الإسلامي لدى هذا المركز؛ فإن ألمانيا تواجه صعوبات في توفير عمالة متخصصة في هذا المجال، حيث وضّح السيد "فلوريان إندريس" مدير المركز في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): أن أعباء العمل في هذا المجال كبيرة، مشيرًا إلى أن الولايات الألمانية وظّفت الكثير من المتخصصين في هذا المجال خلال الأشهر الماضية، وأضاف مدير المركز: أن المكتب الاتحادي لشئون الهجرة واللاجئين يسعى إلى تطوير برنامج موَحَّد لتدريب العاملين في هذا المجال، مع محاولته إبرام إتفاقيات تعاون مع المعاهد العلمية لمنح شهادات للمتدربين.

وذكر السيد "إندريس" أن مراكز الاستشارات المتخصصة في مجال مكافحة التطرف يعمل بها حاليًّا 80 موظفًا، تشمل تخصصاتهم علوم الاجتماع والسياسة والعلوم الإسلامية، بالإضافة إلى أخصائيين نفسيين لعلاج الاضطرابات النفسية للقادمين من مناطق الصراع، جميعهم مدربون على تلقّي المكالمات الواردة والرد على جميع الاستفسارات وتقديم الاستشارات فيما يخصّ قضايا التطرف، ويُقَدِّم المركز تلك الاستشارات باللغات: الألمانية والانجليزية والعربية والتركية والأوردية والفارسية والروسية.

وبحسب البيانات، فإن أكثر من أربعة آلاف مكالمة وردت على الخط الساخن الخاصّ بمركز مكافحة التطرف في مدينة "نورينبيرج" منذ بدء إطلاقه قبل ستة أعوام، تَبَيّن منها وجود 1200 حالة تستوجب النصح والتوجيه، وقال "إندريس": إنه بإضافة الحالات التي سجلتها المراكز الاستشارية لمكافحة التطرف في الولايات الألمانية المختلفة، فإن إجمالي عدد الحالات التي استوجبت الإرشاد يبلغ 2190 حالة، وبلغ عدد الاتصالات هذا العام 630 اتصالًا، بمُعَدَّل من 80 إلى 90 اتصالًا شهريًّا.
"أدّت الاعتداءات الإرهابية في ميونيخ وأنسباخ في صيف 2016 إلى زيادة عدد الاتصالات"، حسب ما أدلى به السيد "فلورين إندريس"، ويقوم موظفو المكتب الاتحادي لشئون الهجرة واللاجئين بإيصال الحالات بأحد مراكز الإرشاد الفرعية.
وأحيانًا تتطلب الحالة إرشادات لعدة أشهر أو عام كامل، وقال مسئول ألماني من "المركز الاستشاري لمكافحة التطرف" في مدينة نورينبيرغ، لوكالة الأنباء الألمانية: إن عدد المدرسين والمتخصصين النفسيين، الذين يتصلون على الخط الساخن التابع للحكومة الألمانية؛ للسؤال عن استشارات فيما يخصّ قضايا التطرف، في تزايد مستمر.
وأضاف "فلورين إندريس": أن المدرسين والأخصائيين النفسيين لاحظوا تزايد حالات تطرف الأطفال والمراهقين في الشهور الأخيرة، وأن معظم الضحايا قد تَرَبَّوْا في بيئةٍ ومحيطٍ عائلي متشدّد، وتابَع المسئول: أن معظم الحالات تتعلق بأشخاصٍ عازمين على السفر إلى سوريا والعراق، أو أنهم قد سافروا فعلًا، مشيرًا إلى أن متوسط عمر أولئك انخفض من عشرين عامًا قبل سنوات، إلى 18 عامًا.
وأشار إلى أنه "لوحظ في الفترة الأخيرة تزايد حالات تطرف الفتيات المسلمات من 15 بالمئة في 2012 إلى حوالَي 30 بالمئة في الفترة الأخيرة، وأَرْجَعَ المسئول هذا الأمرَ إلى توجيه حملات دعائية خاصة بالفتيات في هذا الشأن، وتُصَوِّر تلك الحملاتُ الإرهابيين على أنهم أبطالٌ ورومانسيون".
وفي تصريحات خاصة لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، أضاف السيد "فلوريان إندريس" أيضًا: أن هذا الموضوع سيكون مهمة الأجهزة الأمنية وكذلك الشبكة الاستشارية في عام 2018، كما نحاول حاليًّا مواصلة توسيع الهياكل القائمة من أجل هذا الغرض.

وقد نجح المركز في الحيلولة دون سفر بعض الشباب والمراهقين إلى كلٍّ من: سوريا والعراق؛ للانضمام لتنظيم "الدولة".
ويُذكر أن حوالَي 840 إسلاميًّا سافروا من ألمانيا إلى سوريا والعراق، ويشار إلى أن عدد السلفيين في ألمانيا يُقَدَّر بـ 10.300 شخص، ويُقَدِّر "فلورين أندرس" أن 1000 منهم لديهم استعدادٌ للعنف.
ويقوم المركز الاستشاري لمكافحة التطرف بإصدار كُتَيِّب على صفحته على الإنترنت يُعنى بالتصدي للأفكار المتطرفة تحت عنوان: "الاعتقاد أو التطرف، مساعدة الأقارب"، وهذا الكتيب متاح باللغات: الألمانية والإنجليزية والتركية والروسية، ويُقَدِّم هذا الكتاب أسئلةً فيما يخصّ قضايا التطرف، ويقوم بالرد عليها.
السؤال الأول الذي يُقَدِّمه الكتيب في هذا المجال ويقوم بالرد عليه هو: "هل يُشَكِّل اعتناق الدين الإسلامي دليلًا على التطرف؟"
وكانت الإجابة عن هذا السؤال، حسب ما جاء في الكتيب:
"لا؛ لأن الإسلام ليس مرادفًا للتطرف، فكما هو الحال بالنسبة لباقي الديانات؛ نجد في الإسلام تيارات معتدلة وأخرى متشددة، حتى وإن كان الشخص ينتمي لتيار ديني أصولي فإن ذلك لا يعني حتمًا بأنه متطرف، وفي السياق نفسِه، فإن درجة التدين لا تُشَكِّل أيَّ دليلٍ على تَطَرُّف الشخص المَعنيّ".

ومن الاستفسارات المهمة أيضًا التي تتردد كثيرًا، والتي تناولها الكُتَيِّب أيضًا بالرد ذلك السؤال:
"أشعر بأنني أو صديقى أو تلميذي يَتَبَنّى مواقفَ متطرفةً بشكل متزايد – متى يجب أن آخُذَ مخاوفي مَأْخَذَ الجِدّ؟ كيف يمكنني معرفة ما إذا كان يسلك مسارًا متطرفًا أو ينتمي لجماعة دينية متعصبة؟
وكانت الإجابة على هذا الاستفسار بحسب الكُتَيِّب:
ليس هناك أيُّ قائمةٍ قطعية تسمح بمعرفة ما إذا كان شخصٌ مُعَيَّن قد أصبح متطرّفًا، رُغْمَ أن الحقائق التالية المذكورة أدناه لا تُشَكِّل أيَّ مَبْعَثٍ للقلق، إلّا أنها قد تكون إشاراتٍ تستدعي الانتباه، خاصة إذا ما لوحظت بشكل متكرر، بإمكانكم الاتصال بنا إذا لاحظتم في الآونة الأخيرة بأن ابنكم أو صديقكم أو تلميذكم:
- قد غَيّر نمط حياته (مثلًا: عادات الأكل والنوم والهوايات) بشكلٍ كبير، وأصبح يستنكر عاداته القديمة.
- قد قطَع الاتصال بمحيطه السابق، وأَوْلى الاهتمام لصداقات أو مواقع إلكترونية أو دعاة يَتَبَنَّوْنَ مواقف متطرفة بشكل واضح.
- لا يقبل أيّ نقد لقناعاته الدينية، ويفكر فقط بالأبيض والأسود (كل مَن يرى الأمور على هذا الشكل، فهو مخطئ).
- يستخدم كلماتٍ وعباراتٍ عدوانيةً عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الدين.
- يحلم بالقتال والموت من أجل أهدافه الدينية.

هذا ويُشيد "مرصد الأزهر" بدور هذا المركز في إنقاذ الشباب من الوقوع في براثن التطرف، ويؤكد أن زيادة عدد الاستشارات في هذا المركز يُعَدّ مؤشرًا جيدًا؛ لأنه يعكس وَعْي المجتمع بخطر التطرف وضرورة الحفاظ على الشباب من الوقوع فيه من جهة، ولكنه من جهةٍ أخرى يَدُقّ ناقوس الخطر بشدة، ويُبَيِّن أن كثيرًا من الشباب ما زالوا عُرْضَةً للاستقطاب من قِبَل الجماعات الإرهابية، وهو أمرٌ يجب أن يؤخذ في الاعتبار.
هذا، ويبذل "مرصد الأزهر" دورًا كبيرًا في مجال مكافحة التطرف من خلال الرسائل والمقالات والكتب التي ينشرها الباحثون به باللغة الألمانية، في هذا السياق، ومنهم متخصصون معتمَدون من هيئة اللاجئين والهجرة الألمانية لتدريب اللاجئين على الاندماج داخل المجتمع، ومن خلال قوافل السلام الدولية التي شارك فيها أعضاء "المرصد"؛ لتوعية المسلمين داخل ألمانيا بخطورة التطرف.
كما أن جامعة الأزهر بها قسمٌ للدراسات الإسلامية باللغة الألمانية، ويَتخرّج فيه كثيرٌ من الشباب الذين يعملون في المراكز الإسلامية بألمانيا، وهم يقومون بدورٍ كبير في نشر فكر الأزهر الوسطي.

وحدة الرصد باللغة الألمانية

طباعة