قضية الحجاب والعداء المتزايد تجاه المسلمين في ألمانيا

  • | الأربعاء, 16 مايو, 2018
قضية الحجاب والعداء المتزايد تجاه المسلمين في ألمانيا

     ظاهرة نشر الكراهية والعداء ضد الدين الإسلامي والمسلمين في ألمانيا ليست بالجديدة، وليست نتيجة الأحداث والأزمات التي يمر بها العالم الإسلامي في الأونة الأخيرة. فقد كانت موجودة على الدوام ولكن بشكل محدود، إلا أن هذه الظاهرة تفاقمت في الأعوام الأخيرة؛ حيث وثّقت السلطات الألمانية نحو ألف هجوم على المسلمين والمساجد بألمانيا في عام 2017 وحدها، ليتصدر العام 2017 قائمة أكثر الأعوام التي تفاقم فيها العداء للمسلمين في ألمانيا.
بات العداء للمسلمين في ألمانيا ملحوظًا بشكل كبير، بعد أن كانت البلد الذي استقبل مئات الآلاف من اللاجئين، فقد قالت صحيفة “نويه أوسنابروكنر تسايتونج”: إن السلطات في برلين وثّقت 950 هجومًا ضدّ المسلمين ومنشآت تابعة لهم كالمساجد خلال العام الماضي 2017. كما نقلت الصحيفة عن بيانات قدّمتها وزارة الداخلية الألمانية، أن 33 شخصًا أصيبوا في الهجمات، التي كان 60 منها موجهًا ضد مساجد ونُفذ بعضها بدماء خنازير. ولم يتوانَ رئيس المجلس المركزي للمسلمين “أيمن مزيك” في التأكيد على حقيقة تزايد العداء للمسلمين في أوروبا، حيث قال: إن عدد الهجمات على الأرجح أعلى بكثير؛ بسبب عدم التقدم ببلاغات في أحيان كثيرة. وهنا لا بدّ لنا من الإشارة إلى تقرير ألماني أصدرته الحكومة عام 2017، وقدّم للبرلمان، أشار إلى أن الربع الثاني من العام المنصرم كان الأكثر عنفًا تجاه المسلمين. وأكدت الصحيفة أن الجناة المتورطين في تلك الهجمات ينحدرون من الأوساط اليمينية المتطرفة. وتأخذ هجمات الكراهية أشكالًا عدة، أبرزها السِّباب وخطب التهديد وهجمات ضد المحجبات، لكنها ما لبثت أن تطورت لتصل إلى الإيذاء الجسدي.
وبما أننا ابتدأنا حديثنا عن العداء المتصاعد للمسلمين في ألمانيا علينا أن نشير إلى أن حركة “بيجيدا” اليمينية المتطرفة هي أبرز الحركات المناهضة للمسلمين، والتي تطالب صراحة بطرد المسلمين والمهاجرين من البلاد، وكانت قمة الكراهية هذا العام حيث أُغلق المجلس المركزي للإسلام في ألمانيا أبوابه على إثر رسائل تهديد لرئيس المجلس وأعضائه.
تتجلى ظاهرة الإسلاموفوبيا في ألمانيا حينما تذكر مسألة الحجاب (باعتباره سَمتًا إسلاميًّا واضحًا)، فقد أصدرت محكمة العمل في برلين يوم الأربعاء (التاسع من مايو 2018) قرارها بشأن دعوى قضائية قدمتها مُدرِّسة بسبب عدم السماح لها بالتدريس في إحدى المدارس الابتدائية ببرلين وهي مرتدية الحجاب، حيث رفضت المحكمة دعوى المُدرِّسة، معتبرة أن قانون الحيادية المعتمد في مدارس برلين لا يتعارض مع الدستور الألماني. وتجدر الإشارة إلى أن قانون الحيادية في العاصمة الألمانية يحظر ارتداء موظفي القطاع العام للرموز الدينية خلال أداء وظيفتهم. هذا الحظر أصدرته في الأساس محكمة العدل الأوروبية؛ حيث قالت المحكمة في قرارها: إنه يحق للمؤسسات أن تحظر ضمن قوانينها أي إبراز أو ارتداء لرموز سياسية أو فلسفية أو دينية، بزعم "الحفاظ على حياديتها وفق شروط".
من أبرز الهجمات ضد المحجبات حادث الاعتداء الذي تعرضت له فتاه مسلمة بالغة من العمر 11 عامًا؛ حيث انتزع حجابها رجلٌ عندما كانت تصعد إلى الحافلة في مدينة ” أوسنابروك ” الواقعة في ولاية سكسونيا السفلى يوم الإثنين الماضي الموافق السابع من مايو 2018. وكان الرجل وفق شهود العيان حاول ضرب الفتاة لكنه ذهب هاربًا بعد أن مزق الحجاب. وأضاف المتحدث أن الشرطة لا تستبعد أن يكون له دوافع كره للأجانب، وأن الفاعل يتم البحث عنه بهدف كشف ملابسات تلك الحادثة.
كما أن حادث الاعتداء الذي تعرضت له امرأة مسلمة محجبة أيضًا قبل عدة أيام (مايو 2018) هو دلالة على تزايد العداء تجاه الإسلام والمسلمين داخل ألمانيا بحسب تصريحات رياض صالح، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاجتماعي عن ولاية برلين، فطبقًا لتحقيقات الشرطة، فإن السيدة البالغة من العمر 36 عامًا سُئلت يوم الثلاثاء في أحد محطات الحافلات في "فالكنسر تشوسسي" عن حجابها، وعندما ذكرت أنها مسلمة وأنها ترغب في ارتداء الحجاب، قام الرجل البالغ من العمر 67 عامًا بضربها على وجهها.
كل تلك الأحداث سابقة الذكر وغيرها تؤكد تزايد ظاهرة الإسلاموفوبيا والموقف السلبي تجاه الإسلام، فقد أظهر استطلاع رأي أنجزته صحيفة "بيلد" الألمانية بالتعاون مع معهد "إينسا" تغيرًا كبيرًا في موقف السكان الألمان من الإسلام مقارنة بالعام الماضي، حيث إن 60 في المئة من المواطنين الألمان يوافقون على أنه لا مكان للإسلام في ألمانيا بحسب استطلاع الرأي، وتجدر الإشارة إلى أن 92 بالمئة من المناصرين لحزب البديل من أجل ألمانيا يؤيدون موقف حزبهم، إلا أن ذلك الموقف انتقل إلى العديد من الأحزاب الألمانية الأخرى، باستثناء مناصري حزب الخضر الذين يقولون: إن الإسلام جزء من ألمانيا بنسبة 42 في المئة. الموقف السلبي تجاه الإسلام، لا يترجم مباشرة إلى عدم الثقة، فقد أبرز الاستطلاع أن أقل من 30 بالمئة لا يرغبون في العيش جنبًا إلى جنب مع الشعب المسلم، بينما قال النصف تقريبًا: إنهم كانوا بخير مع المسلمين. فقد أظهر الاستطلاع الذي أجرته الصحيفة الألمانية أن 46% من الألمان قلقون من احتمال أن يسيطر أنصار الإسلام السياسي على بلدهم، علمًا بأن "البديل من أجل ألمانيا" اعتمد برنامجًا جديدًا الأسبوع الماضي، حيث خصص قسمًا كاملًا تحت مسمى "الإسلام ليس جزءً من ألمانيا". كما وضع الحزب الألماني برنامجًا يهدف من خلاله إلى حظر بناء المساجد وارتداء البرقع وارتداء النساء للنقاب، وعلى ذلك تلقى الحزب انتقادات كبيرة واتهامات بأنه يلعب بسياسة الترهيب والتخويف وتكريس الكره في المجتمع والتحريض ضد الإسلام، علمًا بأن مجلس المسلمين في ألمانيا شبّه أفكار الحزب الأيديولوجية بالنازية.
أكد مرصد الأزهر، أن هذه الوقائع والأحداث التي تعرض ويتعرض لها مسلمون ومسلمات في ألمانيا - جرائم عنصرية، وترتبط هذه الجرائم بالمناخ السلبي السائد مؤخرًا، والعداء المتزايد ضد الإسلام بشكل عام، والعنصرية المتفشية والموجهة إلى المسلمين بشكل خاص خلال حياتهم اليومية. كما أكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن النقاشات التي تدور في البلاد الأوروبية منذ سنوات حول الحجاب قد بلغت ذروتها في الأسابيع الأخيرة خصوصًا في ألمانيا والنمسا، بعد إعداد مسودات لقوانين تمنع ارتداء الحجاب للفتيات أقل من عشرة أعوام في النمسا وأربعة عشر عامًا في ألمانيا، الأمر الذي قد يكون حافزًا لبعض المتطرفين على الإقدام لنزع حجاب المسلمات بالقوة ضاربًا بمبدأ الحرية الدينية التي يكفلها الدستور الألماني عرض الحائط. وأوضح المرصد أيضًا، أن الاعتداءات على المسلمين والمساجد ومراكز إيواء اللاجئين تزايدت بصورة مثيرة للقلق، ويعتبر أن هذه الاعتداءات "تمثل في النهاية تعديًا على أسس الديمقراطية ودولة القانون في ألمانيا.
يبدو أن ما يمكن أن نسميه "فوبيا العداء للحجاب" قد بدأت تجتاح المجتمع الغربي، بصورة عنصرية، وهي حالة تقويها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، باعتباره المسوِّغ الأقوى لدى الغرب للعداء ضد الإسلام، ولكل مظهر يعبر عن الالتزام بتعاليمه.
فهل أصبح الحجاب هدفًا ينفّس فيه العنصريون رغبتهم التاريخية في الانتقام من كل ما هو إسلامي؟!

وحدة الرصد باللغة الألمانية

طباعة