لماذا أغلقت النمسا سبعة مساجد وطردت أئمتها؟

  • | الثلاثاء, 12 يونيو, 2018
لماذا أغلقت النمسا سبعة مساجد وطردت أئمتها؟

     يبدو أن سياسة الحكومة اليمينية النمساوية التي يتزعمها المستشار النمساوي "سباستيان كورتس" "أصغر رئيس وزراء في العالم"، قد بدأت في أخذ خطوات جادّة وملموسة باتجاه ما أسماه المستشار "كورتس" (الإسلام السياسي)، فبعد قرارات حظر النقاب وقرار منع الحجاب للفتيات الأقل من عشر سنوات، قررت سلطات البلاد إغلاق 7 مساجد وطرْد عشرات الأئمة من الأراضي النمساوية؛ بسبب انتهاكهم لـ"قانون الإسلام"، وكذلك لاتهامهم بتلقّي دعمٍ من دولٍ أجنبية، على حَدّ تصريحات رسمية للحكومة النمساوية، فمن بين 260 إمامًا في البلاد، خضح 60 للتحقيقات، يتبع 40 إمامًا منهم الجمعية الإسلامية في النمسا، المُقَرَّبة من الحكومة التركية.
كان المستشار "كورتس"، الذي اعتمدت حملته الانتخابية العام الماضيَ على المخاوف من اللجوء واندماج المسلمين، قد صرّح: أن "المجتمعاتِ الموازيةَ، والإسلامَ السياسي، والميول المتطرفة، لا مكان لها في بلادنا."
وقال "كورتس" في تصريحٍ له يوم الجمعة، الموافق الثامن من مايو 2018: "إن وزارة الداخلية وهيئة الشئون الدينية بالنمسا أَجْرَتَا تفتيشًا واسعًا"، وقال: "عليكم أن تتذكروا التقارير التي تتحدث عن الأطفال في الزي العسكري"، وهو يقصد بهذا صورًا لبعض الأطفال يقومون بعرض مسرحي في أحد المساجد وهم يرتدون الزي العسكري العثماني، وتحدث عن التمويل الخارجي للأئمة، و"ظواهر أخرى غير صحيحة موجودة في البلاد"، على حَدّ قوله.
المسرحية التي أدّاها بعض الأطفال في مسجدٍ بحيّ "فافوريتن" في "فيينا"، والذي تديره الجمعية الإسلامية، تعيد تمثيل معركة "غاليبولي" التي وقعت خلال الحرب العالمية الأولى، وكانت أحد آخر انتصارات الإمبراطورية العثمانية التي منعت زحف قوات الحلفاء من الوصول إلى عاصمتها "إسطنبول"، ووَفْقًا للتقارير الإعلامية؛ فإن الأطفال مَثّلوا أدوار قتلى في المعركة، وقد غُطّوا بالأعلام التركية.
السؤال هنا الذي يطرح نفسه: هل هذه المسرحية التي لا ينبغي بأيّ حال – من وجهة نظرنا – أن تحتضنها أروقة المساجد في النمسا وأن يقوم بتمثيل أحداثها أطفال المسلمين، هل كانت سببًا مباشرًا في اتخاذ قرار غلق بعض المساجد؟ والجواب يتلخص في: أن الفاصل الزمني القصير والعامل المشترك الذي يربط بين معظم المساجد ودولة تركيا من ناحيةٍ، وارتباط المسرحية بأحداثٍ حربية "عثمانية – نمساوية"، أشياء لا يمكن معها أن نُنَحّيَ موضوع العرض المسرحي عن قرارات غلق المساجد.
لم تقف الحكومة النمساوية دون رَدِّ فعلٍ حيال العرض المسرحي؛ فقد هددت حينها بحظر أنشطة الاتحاد التركي الإسلامي للتعاون الثقافي والاجتماعي في النمسا، الأمر الذي يساعد –بلا شكّ– في ربط خيوط حيثيات هذا القرار.

بعد ذلك بشهر ونصف تقريبًا، أعلنت هيئة الشئون الدينية غلق 7 مساجد، أحدها تابعٌ لمنظمة "الذئاب الرمادية"، و6 مساجد تابعة للجالية العربية، وفي غضون ذلك سيُطرد ما يقرب من 60 إمامًا من أصل 260 موجودين في البلاد.
 السبب المعلن هو: انتهاك البنود الخاصة بالتمويل الخارجي لما يُسَمّى بـ "قانون الإسلام"، الذي تمّ إقراره في فبراير عام 2015، ويُحظر بمقتضاه تمويل المنظمات والمؤسسات الإسلامية الناشطة في البلاد من الخارج، ويَنُصّ على ضرورة حصول جميع الأئمة العاملين في النمسا على شهاداتٍ محلية، كما يقضي بأن يشارك الأطفال خلال زيارتهم للمؤسسات الدينية والمساجد في الشعائر والفعاليات الدينية فقط، والقانون يُعتبر بذلك نسخةً مُحَدَّثةً لقانونٍ أُقِرَّ في الإمبراطورية النمساوية المجرية عام 1912.
وفي إطار هذا القانون، نُلقي الضوء على تصريحات السيد "هربرت كيكي"، وزير الداخلية النمساوي؛ بأن سلطاتِ البلاد ستطرد 60 إمامًا بسبب حصولهم على "تمويلٍ من تركيا"، وهو تصريحٌ ذكر فيه وزير الداحلية النمساوي دولةَ تركيا بشكلٍ صريح.
أما عن ردّ فعل تركيا، فقد قال الرئيس التركي، "رجب أردوغان": إن "الضغوط التي تُمارس على المسلمين في النمسا، ما هي إلّا انعكاسٌ لظاهرة العداء للمسلمين المنتشرة في القارة الأوروبية"، داعيًا الدول الأوروبية وعلى رأسها: ألمانيا، إلى "ضبْط تصرفات" مستشار النمسا، وَفْقًا لما تناقلته وكالات الأنباء.
 ووجّه "أردوغان" حديثه إلى مستشار النمسا، قائلًا: "ما زلتَ شابًّا، وعليك اكتسابُ الخبرة والتجربة، ولتعلمْ أن إغلاق المساجد وطرد رجال الدين الإسلامي من النمسا قد يُشعِل فتيلَ صراعٍ جديد بين الصليب والهلال، وتكون أنت المسئول عن ذلك".
لكن "أردوغان"، أو بالأحرى: المجتمع التركي، لم يتنبّهوا إلى خطورة تمثيل عرض مسرحي لإحدى معارك الحرب العالمية في مسجدٍ يقع على الأراضي النمساوية وتحكمه قوانينها، وما يُمَثِّل ذلك من استفزاز لا داعيَ له، هذا فضلًا عن خطورة توجيه أطفال المسلمين إلى القيام بعروض مسرحية يحملون فيها سلاحًا رمزيًّا، ويُلطَّخون فيها بألوان الدماء، هذا في وقتٍ تُنَدِّد فيه المؤسساتُ الإسلامية بمحاولات إلصاق التطرف بالدين الإسلامي.
من هنا؛ يرفض "مرصد الأزهر" إغلاق دُور العبادة، مع الاحتفاظ بحق الحكومة النمساوية لاتخاذ ما يناسبها من إجراءات، لتأمين المجتمع، ولكن غلْق المساجد قد يؤدّي إلى نتائجَ عكسيّةٍ؛ فقد بيّنت التقارير سابقًا: أن عدم وجود ما يكفي من المساجد أو أماكن الصلاة يؤدّي بالكثير للذهاب للصلاة فيما يُسَمّى بـ: "الغرف الخلفية"، أو المساجد البعيدة عن الرقابة وغير المعروف حال القائمين على إدارتها، ومنهم من يتخذ أسلوبًا يدعو إلى العنف في خطابه الديني.
 ربما كان من الأفضل توجيه النصح للقائمين على هذه المساجد أو تغيير إدارتها، أما الغلق التام فهو استفزازٌ لمشاعر كثير من المسلمين يعيشون في هذه البلاد.
 جديرٌ بالذكر؛ أن الحكومة النمساوية تتخذ مؤخرًا بعض الإجراءات التي ينظر إليها المسلمون هناك بعين الريبة، ويعتبرونها موجَّهةً ضد الإسلام والمسلمين، وتعرقل اندماجهم بالمجتمع، منها: قرار حظْر الحجاب للفتيات، والذي قد أثار ضجّةً مؤخرًا، وكان "مرصد الأزهر" قد قام بنشر أكثرَ من تقريرٍ عنه، لكننا ومع رفضنا لسياسة غلق المساجد وتحويل هذا العدد الكبير من الأئمة إلى التحقيقات، نؤكّد أيضًا ما أشار إليه "رمضان أبو جزر"، مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث وحقوق الإنسان؛ من أنه "لا توجد حربٌ ضد الإسلام، ولكن النمسا تُطَبِّق بعض القوانين، أُسْوَةً بباقي الدول الأوروبية، ولكن بما أن وزير الداخلية النمساوي هو من حزبٍ يميني؛ فيبدو أن الإجراءاتِ ستكون أسرعَ من غيرها من البلدان الأوروبية"، وهي قوانينُ ننادي بإعادة النظر فيها، والتروّي في وضعها حَيِّزَ التنفيذِ، وبخاصّةٍ في هذه الصورة التي يبدو عليها التعسفية.

وحدة الرصد باللغة الألمانية

 

طباعة