حتى لا يستقطبوهم "1"

  • | الأربعاء, 19 سبتمبر, 2018
حتى لا يستقطبوهم "1"

     يختلف تنظيم داعش الإرهابي عن غيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى، في أنه يعتبر نفسه دولة وليس تنظيمًا، ومن ثَمّ فهو يحاول أن يجد مقوّمات الدولة؛ من أرضٍ ورئيسٍ ومؤسساتٍ مختلفة، منها: المؤسسة القضائية، ومؤسسة الصحة، والمؤسسة التعليمية.

وظهر ذلك بوضوح في شهادة بعض العائدين والمقبوض عليهم من عناصر التنظيم، بعد سقوطه في سوريا والعراق، حيث تمّ القبض على كثير من الأفراد الذين اعترفوا بوظائفهم في التنظيم، ومنهم من كان طبيبًا، أو قاضيًا، أو إعلاميًّا.

 بل تمّ القبض على بعض الأشخاص الذين كانوا في مراكزَ قياديّةٍ في مؤسسات التنظيم المختلفة، ولقد رصدنا العديد من الأخبار التي كانت تحمل عناوينَ مثل: "القبض على وزير الصحة في تنظيم داعش"، و "القبض على وزير الإعلام في تنظيم داعش".

وقضيتنا في هذا المقال ستُرَكِّز على داعش والمؤسسة التعليمية، وكيف استخدم التنظيم المدرسة في نشر فكره المتطرف، ومن ثَمّ كيف نستخدمُها نحن في نشر الفكر المعتدل.

في 30 مايو الماضي، ذكر موقع "سبوتنيك" -النسخة التركية- أن تنظيم داعش الإرهابي قام بتحويل مدارسِ مخيّم اليرموك للاجئين جنوب دمشق، ومدارسِ منطقة "الحجر الأسود"، إلى مراكزَ لتعليم الأطفالِ والشبابِ الدواعش الفكرَ المتطرف، وتعاليمَ الدين وَفْقًا للمفهوم الشاذ الذي يتبناه التنظيم.

ونشر الموقع مقطعًا مصوَّرًا"فيديو" من داخل مدرسة "الحجر الأسود"، يُظهِر جدران المدرسة وقد دهنها تنظيم داعش باللون الأسود، ليُغطّيَ الإرشاداتِ والحِكَمَ والأقوالَ المأثورةَ، التي كانت مكتوبة على جدران المدرسة في السابق.

 ثم قام التنظيم بعد ذلك بكتابة شعاراته المتطرفة التي يُلَقِّنها الأطفالَ في المرحلة الأولى من تعليمهم التطرفَ والإرهاب، والتي بعدها يتمّ إرسالهم إلى معسكراتِ تعليمٍ خاصة لتعلُّم القتال، كما تمّ تخريب مكتبة المدرسة، واحتُفِظَ فيها بالكتب التي يُقِرُّها التنظيم فقط.

ولم يذكر الخبر معلوماتٍ تفصيليّةً عن طبيعة التعليم الذي يُلَقِّنه التنظيمُ الأطفالَ، واكتفى بذكر أن التنظيم يعلمهم مبادئه، وتعاليمَ الدين وَفْقًا لفهمه المتطرف.

لكنّ هناك أخبارًا أخرى تحدثت عن التعليم الذي يُلَقِّنه التنظيمُ الأطفالَ، وأفادت أن التنظيم يعلم الأطفال ويلقنهم في الدروس عدم قَبول الديمقراطية، وعدمَ الاعتراف بالأعياد القومية للدولة، وعدم القَبول بالمحاكم والقوانين الموجودة في البلاد.

كذلك ذكرت بعض التقارير الإخبارية؛ أن تنظيم داعش عندما سيطر على مدينة الموصل العراقية، ألغى دروس الفن والتاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم الاجتماع والتربية الدينية المسيحية، وطلب أعضاءُ التنظيم من مدرّسي الرياضة، أن يتجنّبوا أيَّ شيءٍ يرمز إلى القروض البنكية، وحذّروا مدرّسي اللغة العربية من تدريس قصائد الشعر الجاهلي، وفرضوا على مدرّسي الدين تفسيراتِهم المتطرفةَ للشريعة الإسلامية.

ويرى "مرصد الأزهر"؛ أن فرْض تنظيمِ داعش فكرَه المتطرف على الأطفال، وغرسه في نفوسهم كُرْهَ بلادهم ومؤسساتها الوطنية، يُعَدُّ حربًا فكرية، يُستخدمُ الفكرُ فيها سلاحًا.

وإذا كان السلاحُ فكريًّا فلابد أن يكون المُضاد له فكريًّا أيضًا، ولابد أن يكون أقوى منه، وأكثرَ تأثيرًا، وأكثرَ استمرارية؛ فداعش هنا استخدم المدارس، باعتبارها ميدانَ معركةٍ لنشر فكره المتطرف؛ لذلك لابد من استخدام مدارسنا لنشر الفكر المعتدل، ومحاربة الفكر المتطرف، وتقوية مبادئ التسامح وتَقَبُّل الآخَر لدى أطفالنا، وكذلك غرس الانتماء وحب الوطن في نفوسهم.

وهذا لن يكون عن طريق الدروس فقط، بل يجب الخروج بالتلاميذ الصغار المسلمين والمسيحيين من المدارس المختلفة، في رحلاتٍ مشتركة، إلى ميادين العمل العامّ التطوعي، ولو في المكتبات والحدائق والميادين العامّة، وغيرها من الأماكن، مع توعية الأطفال بأن هذه الأماكن ملكُهم وملكُ بلدهم؛ لذلك وجَبَ عليهم الحفاظُ عليها، وتنظيفها دون مقابل.

 فالطفل لا يأخذ مقابلًا ماديًّا عندما يحافظ على ملابسه، ولا يأخذ مقابلًا ماديًّا عندما يسقي الزرع في حديقة منزله، وكذلك القطاع العامّ ملكٌ له، يعمل على نظافته متطوِّعًا دون مقابل، بل يجب عليه أن يفرح عندما يراه نظيفًا، ويحزن لو وجده غيرَ ذلك.

كذلك يجب غرس حُبّ الإنسانية في نفوس الطلاب منذ الصغر؛ عن طريق تشجيعهم على جمع تبرُّعاتٍ من مصروفهم الخاص، لضحايا الحروب والكوارث الطبيعية في البلاد الأخرى، ونحن بهذا العمل نغرس في نفوسهم أنهم جزءٌ من المشروع الإنساني الأكبر، يتأثرون بما يَحُلُّ به من سلبياتٍ، وهم جزءٌ من الحلّ أيضًا.

 وبهذا فإننا من جِهةٍ نُدرّب التلاميذ في الصغر، على قيمة تَقَبُّل الآخَر، الذي هو من مدرسةٍ أخرى أو من قريةٍ أو مدينةٍ أخرى، أو حتى من دولةٍ أخرى، ونُلَقِّنهم بصورةٍ عَمَليّةٍ أن الشخص المختلف عنك سواء في الدين أو في محل الإقامة أو في مكان التعليم، شريكٌ معك في المظَلّة الكبرى "مظلة الوطن"، وأن الشخص الذي لا تُظِلّكَ معه مظَلّة الوطن، تُظِلُّكَ معه مظَلّة الإنسانية.

ومن جهةٍ أخرى؛ نُعلِّم الطلابَ أيضًا بصورةٍ عَمَليّةٍ أن هناك الكثيرَ من الأعمال التي قد يقوم بها الإنسان بلا مقابلٍ ماديّ، وهنا تتربّى فيهم صفةُ العطاء والتسامح وحبّ الوطن، فالإنسان الحريص على الوردة أو الشجرة التي غرسها، حريصٌ على الحديقة التي تُزرع فيها، والإنسان الحريص على القطار أو الحافلة، حريصٌ على الإنسان الذي يركبها، والإنسان الحريص على المبنى، حريصٌ على سكانه.

 لذلك يؤكد "المرصد" أن العمل التطوعي يسمو بالطفل، ويُقَوّى النزعةَ الإنسانية عنده، ويُخرِجه من إطار المادية الذي طغى على كلّ شيءٍ في حياتنا، ومن ثَمّ فهو يُعَدّ سلاحًا وقائيًّا من الوقوع في براثن التطرف.

وعلى الجانب النظري؛ يجب على المؤسسة التعليمية أن تضعَ منهجًا تربويًّا وتعليميًّا شاملًا يَهدِفُ إلى احترام إنسانية الإنسان، وتَقَبُّل الاختلاف في الرأي والتسامح وإعلاء قيمة الحوار، كلّ هذه القيَم من الأهمية بمكانٍ، في مجال محاربة الفكر الظلامي المتطرف الهدّام.

ونحن عندما نقول: "منهجًا تربويًّا" لا نقصد بهذا أن يكون منهجًا تربويًّا مدرسيًّا فقط، بل نريد أيضًا أن نضع هذا المنهجَ لأطفالنا في مرحلةِ ما قبل المدرسة؛ لأن المدرسة في السابق كانت تُمَثِّل أوّلَ مكانٍ في حياة الطفل للتعرُّف على عالمه الخارجي، أمّا الآنَ؛ فقد تَغَيَّرَ الوضع مع التلفاز وكثرة القنوات التلفزيونية، وتخصيص بعضٍ منها لبرامج الأطفال.

 لذلك يجب علينا استغلال فترة ما قبل المدرسة في غرس بذور التسامح وتَقَبُّل الآخَر في مرحلة اللاوعي الطفولي؛ عن طريق أفلام الكارتون، وأناشيدِ الأطفال، وغيرِها من الفنون التي يرغب الأطفال في مشاهدتها، ويجب أن يشارك في إعداد هذا المنهجِ: علماءُ دينٍ، وأطبّاءُ نفسيّون، ومتخصّصون في الجماعات المتطرفة،  كما يجب أن يكون منهجًا مُتدرِّجًا وقابلًا للتطوير في مراحلِ التعليم المختلفة.

 كذلك أيضًا، يجب على المؤسسة التعليمية إعطاءُ مدرّسي التربية الدينية، الدَّوراتِ اللازمةَ والضروريةَ، التي تُمَكِّنهم في النهاية من مواجهة الفكر المتطرف، كما يجب توعيتهم بكيفية التعامل مع النصوص الدينية، في سياقها الصحيح المتكامل، وكيف يَرُدّون على مَن يَجتزئها أو يُخرِجها عن سياقها الذي وردتْ فيه.

وتُمكِن الاستعانة في ذلك بمؤسسة الأزهر الشريف، وخاصّةً هيئاتِه المُستحدَثةَ؛ من مرصدٍ ومركزٍ عالميٍّ للفتوى، فالتطرفُ الآنَ هو مرض العصر، وأهمُّ أسبابِ الفكر المتطرف: الفهمُ الخاطئ للنصوص الدينية، والتفسيرُ المريضُ للأحداثِ التاريخية، وعدمُ معرفةِ سيرة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معرفةً جيدة؛ وهذا ما سنتحدّث عنه في: "الدَّور الواجب على علماء الدين"، إن شاء الله.

  وحدة الرصد باللغة التركية

طباعة