حزب البديل والتضييق على الإسلام في ألمانيا

  • | الخميس, 20 سبتمبر, 2018
حزب البديل والتضييق على الإسلام في ألمانيا

     مرَّ الألمان بتاريخ عظيم حمل في طياته الكثير من التجارب والخبرات المتراكمة، التي كانت كفلية أن تُنتج أجيالًا قادرةً على الانسلاخ من آثام الماضي ودنس الحقبة التاريخية، التي سادت ألمانيا في مرحلة من مراحل تاريخها الحديث، وها نحن اليوم أمام مواقف وتصريحات للمستشارة الألمانية ميركل تحمل مشاعل الكرامة الإنسانية؛ فتصريح أعلى سلطة ورمزٍ في جمهورية ألمانيا الاتحادية بأن الإسلام جزءٌ من ألمانيا كما هي المسيحية واليهودية، تعلن عن سياسة حكيمة وتوجه عادل في التعامل مع مواطني الدولة وسكانها، ولكن وعلى الرغم من ذلك تحاول بعض الأحزاب في ألمانيا تغيير ملامح هذه اللوحة الجميلة برتوشٍ تُغضب الناظرين، فما فعله الحزب اليميني المتطرف (حزب البديل من أجل ألمانيا) حين نشر مُلصقًا انتخابيًا عدائيًا ضد الإسلام بعنوان:" ثقافة ألمانية رائدة.. مدارس خالية من الإسلام" في ولاية بايرن أثار ردود فعل متباينة داخل وخارج ألمانيا. وهذا الشعار يشبه إلى حدٍ كبير شعار النازيين قديمًا حين كانوا يرفعون مُلصقات مكتوب عليها:" هذه المدينة خالية من اليهود"، حتى الصورة التي استُخدمت في الملصق الدعائي تبدو شديدة الصلة بالماضي اللعين للنازية البغيضة، حيث تركض مجموعة من الفتيات ويبدو عليهم السرور والفرح وبينهم فتاة ترفع ذراعها نحو الأعلى؛ لتبدو وكأنها تؤدي ما يُسمى «تحية هتلر»، وقد أثارت هذه الدعاية ردود فعل غاضبة جدًا حتى داخل المجتمع الألماني نفسه؛ فالبعض يراها خطرًا على المجتمع الألماني الذي يكافح بشدة كافة أشكال التمييز العنصري والديني؛ فقد عانى الألمان من هذا قديمًا، وما عاشه الألمان في الماضي من مآسي لا يرغبون أبدًا في السماح له بأن يكون واقعًا بين أيديهم، إضافة إلى التأثير الخطير لمثل هذه الشعارات التي قد تضر بالتآلف بين الطلاب في المدارس الألمانية.
وعلى الرغم من رد الحزب على هذه الانتقادات، والذي نُشر على موقع «شبيجل أونلاين»، حيث صَّرح المتحدث باسم الحزب في ولاية بايرن، أنه لا يقصد من هذا الملصق منع الطلاب المسلمين من الالتحاق بالمدارس إنما يريد منع تدريس الإسلام في المدارس الألمانية ومنع ارتداء الحجاب فيها، زاعمًا أنّ هناك فرقًا بين الإسلام والمسلمين.

موقف حزب "البديل من أجل ألمانيا" من الإسلام والمسلمين

هذا الموقف ليس مستغربًا وليس بجديد على سياسة هذا الحزب (حزب البديل من أجل ألمانيا) المناهضة للإسلام والمسلمين، فهذا الحزب منذ تأسيسه في 2013م كان يدعو إلى الخروج من الاتحاد الأوربي ويعارض العملة الموحدة (اليورو)، ثمَّ تحول إلى محاربة سياسة اللجوء ومعاداة الإسلام والمسلمين؛ فقد تبنى الحزب في برنامجه سياسة تصادمية مع الإسلام، فزعم أن الإسلام ليس جزءًا من ألمانيا، وأنَّ الأذان والمآذن  تعتبر رموزًا للهيمنة الإسلامية على التراب الألماني، وأن الحجاب يُعد علامة سياسيّة دينيّة تدلُّ على خضوع المرأة المسلمة للرجل، كما اعتبر الحزب أن الإسلام إيديولوجيّة سياسية، وغير متوافق مع الدستور، وهو أكبر خطر على الديمقراطيّة والحريّة في ألمانيا.
إن الحزب الذي يعتمد في سياسته على الهجوم على دين معين من أجل كسب المزيد من الأصوات أو المؤيدين هو حزب محكوم عليه بالفشل؛ فسياسة التمييز على أساس الدين أو العرق سياسة ولَّت إلى غير رجعة، وكأنهم لم يتعلموا من دروس الماضي وعبر التاريخ. وعلى الرغم من زيادة مؤيدي هذا الحزب منذ بداية تأسيسه عام 2013م في شرق ألمانيا، والتي هي معقل هذا الحزب اليمني المتطرف، لدرجة أنه صار أكبر أحزاب المعارضة الألمانية في الوقت الحالي، إلا أن هذه السياسة باتت خطرًا على ألمانيا قبل أن تُمثل خطرًا على المسلمين هناك، فعلاوة على أن هذه السياسة تشكل تهديدًا للسلم الاجتماعي، فإنها من جانب أخر تؤثر على الجانب الاقتصادي، فكيف يُقبل المستثمرون على ألمانيا ومجتمعها يُعاني من مرض العنصرية الخبيث؛ وهي بلد تنضب فيها الأيدي العاملة، وتتعطش إلى الوافدين من أجل إنعاش اقتصادها الذي يتأثر بهذه الظاهرة، وبالتالي إذا لم تكافح ألمانيا توجهات هذا الحزب وتعمل على كبح جماحه فستكون عواقب سياسة هذا الحزب وخيمة على ألمانيا من كل الجوانب، ولذلك أعربت الحكومة الألمانية مرارًا وتكرارًا عن قلقها إزاء تنامي كراهية الأجانب والتشدد اليميني، وخصوصًا في شرق ألمانيا، حيث تؤكد بعض الإحصائيات هذه المخاوف؛ ففي عام 2014م فقط تمَّ تسجيل ما يزيد عن 47 حالة من حالات الاعتداء ذات الدافع العنصري في هذه المنطقة فقط، على الرغم من أن عدد السكان فيها لا يُشكل سوى 17% من إجمالي سكان البلاد.
موقف الحكومة الألمانية والشعب الألماني من سياسة الحزب تجاه المسلمين
حسمت الحكومة الألمانية موقفها في أكثر من مناسبة ، إذ أكدَّت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكثر من مرة على أنّ مسألة إنتماء الإسلام إلى ألمانيا هو أمرٌ محسوم، كما صرَّح المتحدث باسم الحكومة الألمانية بأن الدستور الألماني يكفل حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية دون أية عوائق، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن غالبية الشعب الألماني ترفض سياسة الحزب العنصرية تجاه الإسلام والمسلمين رفضا قاطعا؛ ففي استطلاع للرأي  أجرته قناة "زد دي إف" الألمانيّة أكدَّ ما نسبتهم 63% من الشعب الألماني عن رفضهم سياسة حزب البديل، والتي تتعلق بالإسلام والمسلمين.
هذا وتأتي هذه الحملة الدعائية السلبية لهذا الحزب نتيجة لظاهرة الإسلموفوبيا، والتي تؤثر بالسلب على حياة المسلمين في الغرب، ومن هنا يؤكد مرصد الأزهر ضرورة تجَّنب مثل هذه السياسات وهذه الملصقات التي تساهم في زيادة تلك الظاهرة، وتحمِّل المسلمين المسالمين هناك أوزارًا لم يرتكبوها ومتاعبًا تملأ قلوبهم غضبًا وغصة، فكيف يدعو مثل هذا الحزب المسلمين إلى الاندماج والانصهار والتعايش، وهو ذاته من يقف حائلًا بسياسته العنصرية البغيضة أمام تحقيق هذه الغاية؟!

وحدة الرصد باللغة الألمانية

 

طباعة