فَرَنْسا بَيْنَ رَحى الإرْهابِ

  • | الخميس, 1 نوفمبر, 2018
فَرَنْسا بَيْنَ رَحى الإرْهابِ

     إرهابٌ طالَ الكثيرَ وعَصَفَت رياحُهُ باستقرارِ البلادِ والعِباد وتسربَلَت بأيديولوجيتِهِ بعضُ عقولٍ لم تنضُج بعد وكانت أبعد ما تكون عن طريقٍ قويمٍ لو سلكته لنجت ونجا معها الكثيرُ والكثير. بَيْدَ أنَّ العالمَ كانَ له بالمِرصاد فأودى بحياتِهِ وجعلَهُ في عِدادِ الموتى.

وبعدَ سقوطِ تنظيمِ "داعش" في معاقِلِهِ الرئيسية في "الموصل والرقة"، كان هناك توجُّسٌ من أن تصبح الدول الأوروبية في مرمي نيرانِ "ذئابِ داعش المنفردة" انتقامًا من دولِ "القارة العجوز"، لاسيما تلك التي شاركت ضمنَ قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة هذا التنظيم.

ونظرًا لدورِها الفاعِل في مكافحةِ الإرهابِ داخليًا وخارجيًا، ودورِها المؤثر الذي لَعِبَتهُ في وجودِها ضِمنَ قوات التحالف الدولي المناهض لــ"داعش"، كانت فرنسا من أكثرِ دولِ الغربِ التي طالَتها يَدُ الإرْهابِ الغاشِمِ، فباتت تواجِهُ تحدياتٍ عضال في سعيّها الحثيث لنشرِ الأمنِ وحمايةِ مواطنيها داخل وخارج التراب الفرنسي؛ فهرْوَلَت الحكوماتُ المتعاقبة لتشخيص التهديد الإرهابي الذي يتربص بالمجتمعِ الفرنسي، وكيف تطور، وذلك من أجلِ اتخاذِ التدابير اللازمة والملائمة للقضاءِ عليه لتجنبِ تعرض صعيدِها لمزيدٍ من الهجمات الإرهابية الدامية.

ولقد كانت هجماتُ "باريس ونيس"...، وكذلك عددُ الهجماتِ الإرهابية التي تَمَّ اكتشافُها وإحباطُها في وقتٍ لاحِقٍ داخلَ "فرنسا"، دليلًا قاطعًا وحُجَّةً دامِغَةً على نوايا هذا التنظيم في السعي بلا كلل أو ملل إلى توجيهِ العديد من الضربات لـــ"فرنسا" والعبَث بمقدَّراتِها. لذلك لجأ التنظيمُ إلى تحريضِ مؤيدين له على التراب الفرنسي من خلال التطبيقات المشفرة على شَنِّ هجماتٍ لا إنسانية مُرَوِّعَة بأدواتٍ بسيطة وتقليدية. وقد نجحَ البعضُ منها، مثل قتلِ  الأب "جاك هاميل" في هجومِ كنيسة "سانت اتيان دو- روفراي" وغيرها ، بينما تَمَّ كشفُ وإحباطُ هجمات أخرى، مثل محاولة الهجومِ خارج كاتدرائية "نوتردام في باريس"، وغيرها.

وإذا ما تأمَّلْنا ذلك، نجدُ أنَّ تنظيم "داعش" يواجِهُ صعوبةً في تنفيذِ هجومٍ مشهدي واسع النطاق مثل هجمات "باريس أو بروكسل"، لذلك اضطر التنظيمُ إلى تغييرِ استراتيجيتِه في استهداف "فرنسا" ولجأ إلى تحريضِ مؤيديه على شَنِّ عملياتٍ إرهابية عن بُعْد. ولذلك نرى أنه رغم محاصرة التنظيم في المنطقة العراقية – السورية، إلا أنه يسعى بكُلِّ الوسائِلِ والطُّرُق إلى بَثِّ دعايتِهِ عَبْرَ الشبكة العنكبوتية، طامِحًا إلى استِهدافِ، بشكلٍ خاص، "مقاتليه الناطقين بالفرنسية" وحَثِّهِم على "المقاومة، وطاعة أمراء التنظيم". جديرٌ بالذِّكْرِ أنَّ "معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط" (Memri)، أومأ إلى محتوي نَصِّ الدعايةِ الداعشية والذي يحمل عنوان "أيها المقاتل، السمع والطاعة"، هذا النَّصّ الذي يستهدف مقاتلي التنظيم من الناطقين بالفرنسية، ويدعوهم إلى "إظهار الولاء والطاعة المطلقة لقادة التنظيم في جميع الظروف ".

ومن جانِبِهِ أعلنَ النائِبُ العامُّ الفرنسي بـــ"باريس" والمُكَلَّفُ مُنذُ سبع سنوات بقضايا الإرهاب التي ضربت "فرنسا"، والمرشح لشغل منصب النائب العام لمحكمة النقض، السيد / فرانسوا مولان، خلالَ لقاءٍ له على قناة "France inter"، أنَّ التهديدَ الإرهابيَّ الذي يواجِهُ "فرنسا"، والمتمثلُ في الخلايا الإرهابية الموجودة خارِجَ الترابِ الفرنسي، قد تغيَّرَ لاسيما بعد ضعف تنظيم "داعش"، وبات هناك تهديدٌ إرهابيٌّ "جديدٌ" يَحْدِقُ بــــ"فرنسا"، ويَتَمَثَّلُ في وقوعِ بعضِ شبابِها فريسةً  للتَّطَرُّفِ من خلالِ متابعةِ خطابِ الجماعات المتطرفة التي تَبُثُّهُ عَبَرَ الإنترنت، وهي المِنَصَّة التي تُمَيّزُ تنظيمَ "داعش" عن غيرِهِ من التنظيماتِ الإرهابيةِ الأخرى في استغلالِها لاستقطابِ مؤيدين من كافه دول العالم. ووصفَ "فرانسوا مولان" هذا التهديد الجديد بأنه تهديدٌ "محلي" أو "ذاتي"، يُحَوِّلُ عملَ أجهزةِ المخابراتِ وفِرَقِ مكافحةِ الإرهابِ. ولمواجهةِ هذا التهديد يرى "مولان" أنَّ "فرنسا" يجبُ أن تتسلحَ في مجالِ "الوقاية من التطرف"، وفي مجال "الملاحقات القضائية". 

وبسؤالِهِ حولَ مصيرِ "العائدين من داعش"، وكذلك الأشخاص المُدانين في أنشطةٍ إرهابيةٍ، أجابَ "مولان" أنه قد عادَ من صُفوفِ "داعش" إلى "فرنسا" نحو "232" شخصًا وخضعوا جميعُهُم للمحاكماتِ القضائية. ودعا إلى التأهُبِ لإطلاق سَراح الأشخاص المُدانين في أنشطةٍ إرهابيةٍ، والذين أنهوا مُدَّةَ عقوبتِهِم، لئلا يتمكن مَن لا يزالُ يُشَكِّلُ منهم خطرًا من إيجادِ أيةِ ثغرة.

وبسؤالِهِ هَلْ يُعَدُّ تشديدُ التِّرسانة القضائية خلالَ السنواتِ الأخيرة تهديدًا للحرية؟ أجاب "فرانسوا مولانس" - بأنَّ تشديدَ التِّرسانة القضائية خلالَ السنواتِ الأخيرة لا يُمَثِّلُ تهديدًا للحرية، طالما يوجَدُ "احترام لسيادة القانون". وأشارَ إلى أنَّ "فرنسا" كانت "إيجابية" في هذه النقطة خلالَ السنتين التي فُرضِت فيهما حالةُ الطوارئ...

لذا يجبُ عَلى الحكومةِ الفرنسية العمل على تعزيزِ التدابيرِ التي تضمن الوقايةَ من التَّطَرُّف لاسيما عَبْرَ الشبكة العنكبوتية، والتَّصدي للخطابِ المتطرف المنتشر بكثرة على شبكة الإنترنت. وذلك لأنَّ الشخصَ الذي يسقُطُ في براثِنِ التَّطَرُّفِ يكون بمثابَةِ قنبلةٍ موقوتةٍ في أيدي الجماعاتِ المتطرفة تُفَجِّرُها وقتما شاءَت وأينما شاءَت. وكذلك لا بُدَّ من العملِ على التِّرسانة القضائية لردعِ النفوس الضعيفة ولضمان محاكمةِ العائدين الفرنسيين من "داعش".

 

 

 

 

طباعة