التواصل مع أهل الرسالات السماوية في الخطاب الإسلامي

  • | الخميس, 12 مايو, 2016
التواصل مع أهل الرسالات السماوية في الخطاب الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
 
المبادئ العامة :
1. وحدة الوحي الإلهي  .
2. الإيمان بجميع الأنبياء والرسل عقيدة إسلامية .
3. المنهج النبوي في الحوار مع أهل الأديان الأخرى .
التفصيل :
أولا : وحدة الوحي الإلهي  .
التواصل مع أهل الرسالات السماوية قيمة دينية ؛ باعتبار  وحدة الدين لدى الأنبياء ، وقد نص القرآن الكريم على هذا قال تعالى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [الشورى: 13] .
 ومن هذا المنطلق فالإسلام يدعو إلى وحدة الناس وإن اختلفت شرائعهم ومللهم باعتبار أنهم ينسبون إلى أصل واحد ، وقد نطقت السنة النبوية بهذه الحقيقة التي لا مرية فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم بنو آدم وآدم من تراب "   .
فالأصل في دعوة الإسلام التضامن والتعاون الإنساني والتواصل  الإيجابي بين البشر جميعا قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13]
ومما يؤكد وحدة الدين قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25]
والدين المعهود بالتوحيد الذي جاء به الأنبياء هو الإسلام، يؤكد ذلك قوله تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}[آل عمران:19].
وقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ  ، فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ»
وإذا كان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه رب العباد للعالمين بقوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة:3]، فإنه دين الأنبياء تتراً، نظراً لوحدة الوحي الإلهي لهم جميعا، وبالتالي فهو الذي يؤخذ به ويُرد؛ لأن الأصول الكلية واحدة وهو الموصى به من لدن أب الأنبياء – إبراهيم عليه السلام- وذلك أدعى أن تتواصل الرسالات ولا تتصادم لانتسابها جميعا إلى أصل واحد، قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132-133].
ثانيا : الإيمان بجميع الأنبياء والرسل عقيدة إسلامية :
مما يدعم التواصل الحضاري بين المسلمين وغيرهم أن الله أمر المسلمين أن يؤمنوا بجميع الرسل والأنبياء السابقين، لا يفرقون بين أحد من رسله، وأن يؤمنوا بالكتب السماوية السابقة على القرآن كما نزلت في أصلها، فقال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:136].
وفي موطن آخر قال عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285].
وتفعيلا لهذا التواصل بين بني آدم على مرّ الزمان جاءت شريعة الإسلام ذات مضمون عالمي يتوافق وفطرة الناس جميعا أياً كان موطنهم أو زمانهم، فإن مضمون رسالة الإسلام الرحمة التي تسع الجميع، والسلام الذي يضم الكافة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].
وقال الله عز وجل : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:208].
فهذه الآية الكريمة خطاب لمؤمني أهل الرسالات السماوية، كما قال ابن عباس رضي الله عنه، أن يتمسكوا بالشرائع التي تدعوا إلى السلم ولا يتنكروا  لها، وأولها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
ثالثا: المنهج النبوي في الحوار مع أهل الأديان الأخرى .
تدعيما  لمبدأ التلاقي بين أهل الشرائع  والرسالات  أقرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ الحوار الديني بصرف النظر عن نتائجه، وطبق ذلك في كتبه إلى الملوك والرؤساء للتعريف بالإسلام، نذكر منها:
كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم، إحدى القوتين العظيمتين في ذلك الوقت –العام السابع الهجري- فأرسل إليه مبعوثا يحمل كتابا يعلن فيه عن الدين الذي يبشر به، وليفتتح به الحوار، فجاء فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم؛ يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:64].
وبفحص هذه الرسالة الدعوية التي افتتح بها الرسول صلى الله عليه وسلم الحوار مع الحضارات الأخرى، وخاصة أهل الكتاب، نجد أنها تحمل مقومات الحوار في المنهج الإسلامي، أُبرزها فيما يلي من خلال نصوص الكتاب:
أ‌- "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله"، فهذا قمة التواضع، فمع أنه صلى الله عليه وسلم يحمل وحي الله إلى العالمين، إلا أنه ذكر اسمه مجردا إلا من صفة التعريف بالنبوة – رسول الله-، ليبعث الأمان في نفس المرسل إليه، مبتدءا بعنوان رسالة الإسلام، أن وحيها من الله الرحمن الرحيم.
ب‌- "هرقل عظيم الروم.."، بهذه الجملة ينزل الرسول صلى الله عليه وسلم الناس منازلهم، وهذا من أدب النبوة، ومن أدب الحوار، فرغم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلى مقاما لمكانة النبوة، إلا أنه خاطب هرقل بمنزلته لدى قومه "عظيم الروم"، وهو ما ينسجم مع خلق اللين في القول والتلطف في الخطاب الذي طبع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو درس بليغ لمن يحمل على كاهله دعاية الإسلام إلى الآخر، أن ينزل الناس منازلهم، ويلين لهم في القول.
جـ-"سلام على من اتبع الهدى" عبارة تناسب مقام الحوار للدعوة إلى الإسلام، فالسلام في الخطاب الإسلامي هو عنوان الحوار مع الآخر، وهو سنة متبعة عند النبيين، حيث بدأ بها موسى وهارون عليهما السلام الحوار مع فرعون لدعوته إلى التوحيد والإسلام لله رب العالمين، وقد سجل القرآن الكريم هذا الحوار الموسويّ في قوله تعالى:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. وفي قوله سبحانه: {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه:47].
إذن فقيمة السلام مقترنة بالحوار مع الآخر في لغة القرآن الكريم، مما يدل على أنه منهج نبوة، وأن المسلمين مخاطبون به شرعا.
د- "أدعوك بدعاية الإسلام، " أسلم تسلم" هذه الفقرة تؤكد المنهج السلمي في الدعوة إلى الإسلام لكل من دخل فيه، لأن عبارة  " أسلم تسلم " ليس مقصودا منها تسلم من القتال أو الأذى ، ولكن تسلم عند ربك يوم القيامة بدليل أن الإسلام ضمن الأمن والسلامة لمن تولى عنه، مادام لم يعلن الحرب عليه، إعمالا لقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8].
و- "فإن توليت، فإن عليك إثم الأريسيين" أما هذه العبارة فهي تقرر مبدأ الوضوح والشفافية في الحوار لعرض الإسلام، فإن اقتنع الآخر، فله أجره وأجر من تبعه في الإسلام في قومه. وإن لم يقتنع، فهو وما اختار، إعمالا لقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:64].
لكنّ إعطاءه حرية الاختيار لا يمنع من أن يُسدى إليه النصح دون عنف، بأنه في نظر الإسلام يأثم في حق نفسه، وحق من اتبعه في الإعراض عن الإسلام، وذلك تأسيسا على أن الإسلام دين الله، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران:19].
هذا هو الحد الذي سنه الرسول صلى الله عليه وسلم في عرضه للإسلام، أن يترك من أعرض وحسابه على الله تعالى، وقد طبق ذلك على أهل مكة يوم الفتح حين قال: "إذهبوا فأنتم الطلقاء"( )، ولم يفرض عليهم الإسلام، رغم أنه أساس المشكلة بينه وبينهم، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يستغل ضعفهم ليكرههم على الإسلام، وإنما أخلى سبيلهم، فكان أن فتح الله له مكة، فدخل الناس في دين الله أفواجا.
ز- " قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ" هذا ما ختم به الرسول صلى الله عليه وسلم كتابه إلى عظيم الروم، ذلك لمقتضيات السياق، لأن عظيم الروم وقومه من أهل الكتاب، وهذا النص يُقدِّم البعد المشترك بين المسلمين وبين أهل الكتاب في إعلاء قيم الدين، كما يُعلن التلاقي لتدعيم عناصر الدين بين أهل الرسالات وهو أمر يقره الإسلام ، قال تعالى: { أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}، وقد روى ابن كثير: أن هرقل لما تسلَّم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من دحية الكلبي، قال له: "والله إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسل، وإنا نجده في كتابنا، ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته"( ).
وفي نفس السياق، كتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط( ) بمصر، وهي إحدى القوى الكبرى في ذلك الزمان-عام 7هجرية= 628ميلادية-وحمل الكتاب حاطب ابن أبي بلتعة، وجاء فيه: " من عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم كل القبط، {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:64]".
وما قدمناه من مضامين لمنهج الإسلام في الحوار وإبلاغ الدعوة إلى الناس في تحليل رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم هي نفس المضامين التي حملتها رسالته إلى عظيم القبط بمصر، ونتيجة لذلك ردّ عظيم مصر على كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم رداً جميلا، فكتب إليه كتابا بالعربية: "بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد فقد قرأت كتابك، وفهمت ما فيه وما تدعوا إليه وقد علمت أن نبيا قد بقى، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام، ثم ضم مع الكتاب بعض الهدايا، بعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأهداه جاريتين، مارية وسيرين من قرية من قرى صعيد مصر، وفرسا مسرجا ملجما، وبعض الثياب المصرية، وبعض الطيب، فأسلمت مارية، وتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، فولدت له غلاما سماه إبراهيم، وهكذا كان تكريم أهل مصر للإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم.
وكان من آثار هذا الحوار والاحترام المتبادل بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعظماء القوى المجاورة، أن فتح الله لرسوله وللمسلمين من بعده هذه الممالك، فدخل أهلها في دين الله أفواجا، فتحولت إلى قوة بالإسلام وباتت مهبطا للتسامح والاعتدال بقيادة الأزهر الشريف منارة الإسلام العالمية.
 
 
طباعة
كلمات دالة: