مولد النبي صلى الله عليه وسلم

  • | الإثنين, 19 نوفمبر, 2018
مولد النبي صلى الله عليه وسلم

     في يومٍ ميمونٍ مباركٍ من أيام شهر ربيع الأول عام الفيل، وفي مكة المكرَّمة وعلى مسافة قريبةٍ بمرمى البصر من جبل المروة، وُلد النبي - صلى الله عليه وسلم- في بيت أبيه عبدالله الذي كان في شِعب بني هاشم، وكان يُطلق عليه حينها «شعب أبي طالب»، شهد هذا المكانُ الأغرُّ ميلادَ خير الخلق، الروح الساري في جسد الكون، والنورالساطع الذي بدّد ظلمات الجهل، والسراج المنير الذي أضاء الطريق للحيارى والسالكين.
 إنَّ يوم مولده - صلى الله عليه وسلم- لم يكن يومًا عابرًا في عمر الدنيا وحسابات الزمن؛ بل كان ميلادًا للنور الذي أشرق على الدنيا، وأمانًا شمل المخلوقات كلَّها إنسَها وجنَّها، بدا نوره - صلى الله عليه وسلم- في أُفق الدنيا فكان كالبدر في الإشراق عند كماله، نَشَر السلامَ على البرية كلِّها وأعاد فيها الأمنَ بعد زواله.
لذا فإنَّ احتفاءَ الأمة بمولده الشريف إنما هو احتفاءٌ بذلك الخير العميم، والفضل العظيم الذي أفاض الله به على خلقه؛ فرسول الله- صلى الله عليه وسلم-  هو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والمنَّة الإلهية، والعطية الربانية، وأيُّ عطية أعظم من مولده، وأيُّ منّةٍ أعظم من بعثته، قال ربنا في محكم آياته:{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران:164].
ولا يصرفنّك عن الفرح بمولده - صلى الله عليه وسلم- قولُ من قال: إنَّ الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بغيره من المناسبات، والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضوان الله عليهم عاشوا هذه الأيام، وكانوا يحيون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حيًّا في ضمائرهم، لم يغب عن وعيهم، فجاءت بعد ذلك عصورٌ نسي الناس هذه الأحداث وأصبحت غائبة عن وعيهم، وغائبة عن عقولهم وضمائرهم، فاحتاج الناس إلى إحياء هذه المعاني التي ماتت، والتذكير بهذه المآثر التي نُسيت، فعندما نحتفل بمولد الرسول فإننا نحتفل بمولد الرسالة، ونذكِّر الناس بأعظم منَّة وأجلِّ نعمة.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله- متحدثًا عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي:« من تحرى في عملها المحاسن، وتجنب ضدها: كان بدعة حسنة؛ وإلا فلا، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: «هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجَّى موسى؛ فنحن نصومه شكرًا لله تعالى»، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنّ به في يوم معين، من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة .
والشكر لله يحصل بأنواع العبادة، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة؛ وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم».
وإذا كان الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم-  مشروعًا بهذا التأصيل الذي قرره الحافظ ابن حجر – رحمه الله- فإنَّ أعظم ما تحتفي الأمة به في ذكرى مولده الشريف -صلى الله عليه وسلم- هو الحديث عن معجزاته، ومدارسة سيرته، والتعريف بحقوقه، و تلاوة القرآن الكريم وقراءة الأحاديث والسيرة النبوية، وإظهار الفرح والاستبشار، وصلة الأرحام وتقديم الهدايا لهم، وإطعام الفقراء والمساكين وغيرها من مظاهر الفرح المنضبط بضوابط الشرع الحنيف.

 

طباعة
كلمات دالة: